كيف تُفسَّر ازدواجية مواقف كلّ من إيران والسعودية؟

روزانا رمّال

سيتكفّل تنظيم داعش وفق المقرّر في أروقة البنتاغون، إدارة الصراع لسنوات مقبلة بعدما أيقنت أجهزة استخبارات الولايات المتحدة وإسرائيل عبثية الحروب المباشرة، وأدركت مدى حساسية ونجاعة اللجوء لخيار مذهبة المنطقة، فكان أن أطلقت الاستخبارات المعنية يد التنظيم في المنطقة كلّها بعد انتهاز فرصة فوضى «الربيع العربي»، والتي لا يمكن لداعش أن تخترق الأنظمة لولاها، أي لولا اقتناص الحلف الأميركي لفرصة ذهبية قدّمت لأجلها كل دعم.

حرب الوكالة التي انتهزها الغرب و«إسرائيل» بشكل خاص نجحت في زجّ كلّ الأطراف المعنية بصراع طويل يتطلب في أولى مراحله دراسة دقته ومحاربته، إلا أنه يحمل من الحساسية ما يكفي ليتحوّل كارثة مذهبية ممتدّة لأنّ «قتال» داعش وإن تمّ اتخاذه كقرار ثابت، يحمل في طياته موقفاً من قتال المذهبة والتطرف التي قد تؤدّي إلى ما لا يُحمد عقباه، الا انّ معرفة السلطات أو الحكومات المستهدفة بمحدودية قدرة داعش بعد دراستها كظاهرة منبثقة عن تنظيم «القاعدة» المضبوط جداً والدقيق بعمليات الظهور والاختفاء، وبأنها ليست مخلوقاً هلامياً أيّ غير قابل للسيطرة عليه، جعلت منها – أي من الحكومات – أكثر تشدداً في اعتبار الحرب على التنظيمات الإرهابية عملاً لا يمسّ المذاهب أو لا يشكل حساسيات.

قرار قتال داعش بالمجمل هو قرار من على المقلب الآخر المعادي للولايات المتحدة، أو الخصم إذا صحّ التعبير، وهو عملياً بيد روسيا وإيران وسورية وحزب الله وبعض التنظيمات والتشكيلات التي تصبّ في الخانة نفسها ضمنياً في العراق وبعض المناطق الكردية المتداخلة، لكنه في الوقت نفسه هو قرار قتال لواشنطن وحلفائها التي اطلقت هذا المشروع جزافاً، ويبدو انها تيقنت من انّ المخطط تعطل، لكنها تريد الإفساح عن فوائد لتواجد داعش بهذه الطريقة، وانْ كانت دفاعية وغير هجومية، ومن بينها استنزاف الحلف الروسي بشكل واضح يسمح للولايات المتحدة بالتفاوض لمدة سنوات اذا استطاع التنظيم وشركاؤه على الأرض الصمود لأطول فترة ممكنة، وهنا فإنّ الصمود لا يقلّ خطورة عن الهجوم في وقت دخلت المنطقة عامها الخامس من الأزمة.

الايجابي في هذا الإطار هو أن «الصمود» المنشود استخبارياً لهذه الجماعات ليس أكيداً بعد دخول روسيا على خط المواجهة لما يقارب المئة يوم في حربها بالأراضي السورية ضدّ الإرهاب، وبدت العناصر المتطرفة أكثر ميلاً للانهزام منه إلى التمسك بقضية حياة أو موت. ومن هنا يبدو ان زمن الحروب المباشرة بين القوى الكبرى قد انتهى، فمحاربة داعش هي محاربة أجهزة استخبارات عدة مجتمعة من قبل جيوش عدة متقابلة، ولا أحد يجرؤ على الإعلان انه دخل حربا مع هذا النظام أو ذاك رسمياً، ولا احد يحرّك جيشه بوجه دولة أخرى، والكل اتفق على محاربة بعضه البعض عبر محاربة الإرهاب.

هذه الواقع يتطلّب سلوكاً سياسياً مغايراً يتناسب مع مرحلة قتال واستنزاف كبرى دخلت فيها المحاور، وربما تطول. وعلى هذا الأساس لا يمكن الاعتراف بتوقيت زمني قادر على ان يحسم الحرب الباردة الحاصلة اليوم. من هنا يلاحظ بعض التصريحات والمواقف المثيرة للجدل، والتي يصحّح بعضها أو يعدل من قبل خارجيات دول المنطقة والعالم وبعضها يتمّ تداركها بما يتناسب مع ما يحمله كلّ يوم بيومه، ما يطرح أسئلة عن بعض الازدواجية التي تبثها الدول المعنية والتي تنخرط انخراطاً أساسياً في المحاور.

تعيش إيران والسعودية البلدان الأكثر علاقة وتأثراً بمسألة المذهبة والطائفية، وهما خصمان لدودان اليوم، حالة من ازدواجية المواقف، لكنها على ما يبدو أحد أبرز أشكال المرحلة التي تفرض التعبير عن الموقف من دون قطع خيوط الحلول نهائياً، وكان لإيران مثلاً بعض المواقف التي تشرح أكثر، ففي حادثة إعدام الشيخ نمر باقر النمر رفعت إيران نبرتها عالياً بوجه السعودية وصعّدت من مواقفها، مطلقة كلاماً حاداً جداً لا يبشر بأيّ طريق للعودة إلى نقطة التقاء، مثل اعتبار النظام السعودي مصدّراً للإرهاب إلى المنطقة والعالم، وبأنه سينال عقاباً إلهياً على ما فعل. بدورهم حلفاء ايران أيضاً في لبنان مثل حزب الله بشكل خاص رفعوا اللهجة أيضاً تجاه السعودية لكن في المقابل عمدت إيران إلى إظهار نيات حسنة بإقالة المسؤول الأمني المفترض انه مَن يحمي المنطقة التي تقع فيها القنصلية السعودية في طهران من أيّ شغب، ولم تحرك حتى الساعة أياً من أوراقها القادرة على قلب الواقع السياسي في الخليج مع حلفائها في المعارضة البحرينية والمعارضة السعودية أو أصدقائها، كما يحبون توصيفهم.

في المقابل أيضاً لم يتخذ حليف إيران في لبنان حزب الله موقفاً يقاطع فيه جلسات الحوار مع تيار المستقبل تحسباً لأيّ لحظة تعيد المياه إلى مجاريها الصحيحة، على الرغم من تصريحاته النارية بوحه السعودية وحلفائها في لبنان، والأمر نفسه طبعا ينطبق على السعودية التي لم توعز لتيار المستقبل بالتوقف عن حضور جلسات الحوار في لبنان، كما ان وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان صرح لصحيفة «ايكونوميست» أن بلاده لا تريد حرباً مع إيران ولا تصعيداً وهو ليس من مصلحة أحد. فبدت الحرب بين السعودية وإيران مريبة تحمل ازدواجية بالمواقف، لكنها في الواقع ليست إلا تفسيراً لمتطلبات حروب الاستنزاف غير المعروفة السقف!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى