تركيا بين نارَيْن…
ميرنا قرعوني
انفجاران هزا تركيا خلال أسبوع واحد. الأول ضرب منطقة السلطان أحمد السياحية في اسطنبول، والثاني وقع في بلدة تشينار الصغيرة، على بعد 30 كلم جنوب شرقي دياربكر، كبرى مدن جنوب شرقي تركيا، حيث غالبية السكان من الأكراد .
تفجير اسطنبول هو الأعنف مع بداية العام ويعتبر ضربة موجعة لقطاع السياحة الذي يجذب حوالى 34 مليون سائحاً سنوياً ويدخل حوالى 69 مليار دولار سنوياً إلى الدولة التركية، بعد أن تبيّن أن معظم الضحايا هم من السياح الألمان.
سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى إعلان أن شخصاً من أصول سورية ينتمي لداعش هو الذي نفذ تفجير اسطنبول، لكن وكالة «دوغان» التركية نقلت عن مصادر في الشرطة أن المهاجم يدعى نبيل فضلي، وهو سوري من مواليد السعودية.
أما في دياربكر فقد أكدت البيانات الرسمية وتصريحات رئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو مسؤولية حزب العمال الكردستاني عن العملية التي أعقبها اشتباك بالقذائف الصاروخية بين المهاجمين وقوات الشرطة.
قد يكون التفجيران مؤشرين على سلسلة من الأحداث التي قد تقع في تركيا لاحقاً وهي ترتبط بالسياسة التي يتبعها أردوغان في الداخل والخارج، خارجياً تشكل سياسة أردوغان في سورية والعراق وعلاقته المتأزمة مع روسيا التحدي الأبرز له، ففي سورية والعراق قدم أردوغان الدعم للجماعات المسلحة وبموجب هذه السياسة فتح المجال واسعاً لإقامة مقرات ومعسكرات تدريب ومخازن سلاح للجماعات المتطرفة واتهمت روسيا الرئيس التركي علناً بتوفير الدعم المادي والعسكري لداعش في حين تشكو الولايات المتحدة من استمرار تدفق المتطرفين الأجانب الى تركيا وعبر حدودها الى سورية .
السؤال الذي يطرح نفسه حول مسؤولية داعش عن التفجيرات داخل تركيا يتعلق باحتمال خروج بعض المجموعات الإرهابية عن السيطرة في حين يذهب البعض الى تفسير ما يجري بالسؤال عن مصلحة أردوغان في الظهور في موقع التصادم مع داعش لاحتواء الضغوط الأميركية والدولية التي تطالبه بإجراءات حازمة وبالمشاركة في حملة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المحدة ضد داعش .
أما بالنسبة إلى الموضوع الكردي فالرئيس التركي يبدو عالقاً في وضع حرج بعد سقوط الهدنة التي سبق أن أعلنت بين حزب العمال الكردستاني والسلطات التركية بسبب رفض أردوغان التجاوب مع المطالبة الكردية بالحكم الذاتي وتصميمه على العمل ضد الحضور الكردي العسكري لوحدات حماية الشعب الكردية بمحاذاة الحدود التركية مع سورية، وعلى الرغم من الموقف الأميركي المعلن بدعم المجموعات الكردية التي تقاتل في الشمال السوري ضد داعش .
خطر ارتداد الإرهاب الداعشي والقاعدي في الحضن التركي يستمد قوته من وجود بيئة شعبية حاضنة، فقد أظهر مسح نشرت نتائجه في نفس يوم وقوع التفجير الانتحاري الدامي الذي ضرب إسطنبول، أن نحو عُشر الأتراك لا يعتبرون تنظيم داعش إرهابياً، وأن أكثر من 5 في المئة يوافقون على أعماله.
إضافة إلى استطلاعات رأي أميركية نشرت نتائجها العام الماضي قدرت أن نسبة كبيرة من جمهور حزب العدالة والتنمية يتعاطفون مع داعش، نتيجة التعبئة المتطرفة والتحريض المذهبي الذي شارك فيه أردوغان تجاه الوضع السوري غير آبه بمخاطر العبث بالعصبيات في مجتمع متعدد يشبه الى حد بعيد النسيج السوري فهو يضم أكراداً وسنة وعلويين وشيعة.
أما المشكلة الكردية فهي معقدة وشائكة وقد زادتها تعقيداً بعد الانتخابات الأخيرة الحملة التي أوعز بها أردوغان لقمع حزب الشعوب الديمقراطي الذي يعتبر القوة البرلمانية الممثلة للأكراد، بعدما حاز أكثر من عشرة في المئة من أصوات الناخبين وقد وجه أردوغان بتدابيره القاسية ضد الحزب رسالة رافضة لأي تفاهم سياسي حول مطالب الأقلية الكردية التي تستقطبها دعوات الحكم الذاتي بعد تبلور هيكل إقليم كردستان في العراق وفي ظل الحضور القوي لوحدات الحماية الكردية في المناطق السورية المجاورة والمهددة بداعش.
الاضطراب الأمني يجتاح معظم المناطق الكردية في تركيا وهو الى جانب خطر ارتداد الإرهاب يدفع بالبلاد الى وضع صعب يزيده حدة ما هو متوقع من نتائج على الاقتصاد التركي وخصوصاً القطاع السياحي ولا يبدو أن أردوغان سيكون قادراً على التخلص من هذين الخطرين بنشر المزيد من قوات الشرطة وبفرض حالة من الاستنفار الأمني طالما ليست لديه الإرادة لمراجعة حساباته في سورية والعراق وموقفه الفعلي من خيار الحرب على الإرهاب أو تعامله مع القضية الكردية المزمنة في تركيا.