مقهى «لا دونا» ومكتبة «برباري»… شاهدتان على العمل الطلابي في الستينيات

إعداد: لبيب ناصيف

في ستينات القرن الماضي، وفي سنوات تسلّمي مسؤولية العمل الطالبي، احتلّ مقهى ومطعم لادونا في سدّ البوشرية حضوراً بارزاً، ومثله مكتبة الرفيقين برباري في شارع مونو كابي وسامي إبنا الأب إيليا برباري ، وإلى جوارها باتيسري نورا.

إلى مقهى ومطعم «لا دونا» كنت أتردد ويتردد رفقاء ومواطنون، معظمهم من الطلبة، وأبرزهم في تلك الفترة من أعوام 1966 1968 الرفقاء: الأمين إيلي عون، والرفقاء والرفيقات جوزف قربان، سعيد عطايا 1 ، راغده أنطون سعاده، نهلة نبيه نعمة، رجاء وغيث غسان جديد، ميشال مرقص، هنيبعل عطية 2 ، جورج بدور، ميشال فياض، جان داية، نظام العقل، جورج رياشي غير الأمين، مسؤول الحزب في بلغاريا ، سيمون طعمة، ووهيب أبو صعب. والراحلين: غانم خنيصر، جهاد أبو جودة، عصام طقطق، سمير ضومط 3 ، ميشال تركي، أنطون صوايا. فيها تتم اللقاءات لتنظيم التحرك الحزبي في الثانويات، كما الحلقات الإذاعية .

لم يكن صاحبا المكان، الرفيقان أنطون وجورج سمعان، غافلين عما يجري في الطابق الأول من المطعم، وكذلك الرفيق غطاس الغريب بعد أن ابتاع المطعم لاحقاً.

في تلك السنوات توطدت علاقات المحبة والاحترام مع الرفيق أنطون سمعان، ثم مع شقيقه الرفيق جورج.

وإني أشهد، انطلاقاً من معرفتي بهما، وبكل سلوكيتهما الحزبية والشخصية، على صلابة إيمانهما، وصدقهما وتمتعهما بالمناقب القومية الاجتماعية.

وإن رحل الرفيق أنطون باكراً، إلا أنه ما زال مقيماً في ذاكرتي، فلا يمكنني نسيانه، وما زلت أذكره بكل ما فيه من فضائل ابن النهضة كلما أتيت على ذكره في أية مناسبة.

والرفيق جورج سمعان، أمد الله بعمره، فهو ما زال، في «بيت شباب»، ينبض بحياة الحزب ممارساً دور القدوة في تصرفاته.

الرفيق غطاس كان نشط جيداً في منطقة النبعة الضاحية في السنوات الأولى التي تلت الثورة الانقلابية، ثم تولى مسؤوليات محلية ومركزية، منفذاً عاماً، رئيساً لمكتب المطبوعات وغيرهما.

وعندما بات ممكناً عودته إلى بلدته «راشيا الفخار» غادر المتن الشمالي واستقر في بلدته مهتماً بأرضه، ومستمراً على إيمانه القومي الاجتماعي. في السنوات 2001-2010 تولى الرفيق غطاس رئاسة بلدية راشيا.

كانت التقارير تصل إلى المكتب الثاني عن تواجد ونشاط الرفقاء في مقهى لادونا، وكان الوزير فؤاد بطرس ابن خال الوالدة يرسل إليّ التحذير وراء التحذير أن «اقعد عاقل»، فلم أقعد إلى أن اعتقلت مع رفقاء، وصدرت بنا الأحكام في 05/11/1968 4 .

أما مكتبة برباري فقد لعبت في تلك الفترة دور «صندوق البريد»، أمرّ إليها كل يوم… يومين فأضع الرسائل الموجهة إلى رفقاء وأستلم ما يكون وضعه الرفقاء الطلبة، من مسؤولين وأعضاء.

«الغطاء» من مروري إلى المكتبة، كان لزيارة اثنين من أصدقاء الطفولة 5 أما بالنسبة للرفقاء الطلبة فمن أجل شراء صحف، مجلات، قرطاسية، لتصوير أوراق… إلخ.

وكنت ألتقي الرفقاء لبرهة قصيرة. إن طالت، انتقلنا إلى «باتيسيري نورا» لحديث طويل. قد نكون اثنان، ربما ثلاثة، فأكثر. العديدون من الرفقاء والأصدقاء الطلبة الذين نشطوا في تلك السنوات الصعبة على معرفة جيدة بدور مكتبة «برباري»، وباتيسيري «نورا» المجاورة.

فيها، أول ما تعرّفت إلى الرفيق جمال فاخوري مع بدء دراسته في كلية الحقوق في الجامعة اليسوعية، ثم رافقته في سلّم تدرّجه في المسؤوليات، منفذاً، عميداً، عضواً في المجلس الأعلى إلى أن خسرناه وهو في أوجّ عطائه وتجلّيه.

ولاحقاً، على الرفقاء توفيق ميلان الامين لاحقاً. المنفذ. عميد الدفاع ، المحامي صباح مطر، الرفقاء أنطون صفير، حسام سلوم، نبيل رياشي 6 ، أولغا أبو شعر، محمد سليم عميد الدفاع، الشهيد، وكان طالباً في كلية الهندسة ، سامي حداد، جهاد غصوب، المواطن جورج غانم، المواطنة منى نداف، جورج شربل الأمين لاحقاً، وكيل عميد الخارجية 7 والعشرات غيرهم ممن نأمل أن نتحدث عنهم وعن العمل الحزبي في الجامعة اليسوعية أو أن يتحدّث الأمين توفيق ميلان.

جميعهم، والعشرات العشرات، غيرهم من رفقاء جامعيين وثانويين كانوا يترددون إلى مكتبة «برباري»، التي شكلت على مدى سنوات من الستينات واسطة «بريدية» آمنة ومهمة بفضل ما يتمتع به الرفيقان كابي وسامي من إيمان وإخلاص للحزب.

يفيد الرفيق سامي أن الرفيق توفيق ميلان، بعد أن شهر مسدسه وأطلق النار على المسؤول الكتائبي في الجامعة اليسوعية، لجأ إلى مكتبة برباري مختبئاً في الطابق العلوي منها التتخيتة .

يضيف أن رئيس الحزب يومذاك الأمين يوسف الأشقر حضر إلى المكتبة ليطمئن عن الرفيق ميلان، طالباً إليه أن يبقى في ملجئه إلى أن يسوّى وضعه.

وفاءً، أشير، أن الأمين نبيل فغالي وكان نشط في منفذية بيروت في بداية الستينات، مع الرفيقين عبد المسيح طرزي الأمين لاحقاً ومأمون منصور 8 نشط لاحقاً في الجامعة اليسوعية، وكان أحد ركائز العمل الحزبي فيها.

يا ليت أمكن لجدران «مكتبة برباري» أن تسجل كل الأحاديث، وتلتقط كل الصور عن المئات من رفقاء وأصدقاء طلبة، الذين أحتفظ في ذاكرتي بالعشرات العشرات منهم، وأرجو أن أتمكن من الكتابة عنهم، أو أن يكتب رفقاء آخرون نشطوا في هاتيك السنوات، حفاظاً على ذاكرة الحزب.

إنما وليعذرني جميع الرفقاء، إن اخترت من بينهم جميعهم وقد كانوا مميزين في التزامهم الحزبي، الرفيق الرائع يوسف سالم 9 الذي نشط كثيراً في أوساط الطلبة، بدءاً من كلية العلوم في الجامعة اللبنانية 10 متولياً مسؤولية منفذ عام الطلبة الجامعيين، ولاحقاً منفذ عام المتن الشمالي، مجلّياً بذكائه، وحيويته، ووعيه العقائدي. الرفيق يوسف سالم إمكانية حزبية فذة خسرناها باكراً جداً.

هوامش

1. سعيد عطايا: من ضهور الشوير. تولى في تلك المرحلة مسؤولية العمل الطلابي في المنطقة العليا من المتن الشمالي بكفيا، الخنشارة، ضهور الشوير، برمانا

2. هنيبعل عطية: أديب وشاعر وفنان وخطيب ومذيع مميّز. سقط شهيداً في السبعينات.

3. سمير ضومط: تولى مسؤولية العمل الطلابي في المنطقة الساحلية من المتن الشمالي، كان يقطن أنطلياس، وافته المنية منذ سنوات قليلة.

4. صدرت الأحكام بحق الأمين عبدالله محسن، وكان يتولى رئاسة اللجنة المركزية للحزب في لبنان، والأمناء لاحقاً ، بهيج أبو غانم، لبيب ناصيف، أنطون حتي، جميل عساف، كمال نادر. والرفقاء سهيل عبد الملك، محمد السعدي، نقولا نصر من البقاع، غير الرفيق نقولا نصر، من كفرشيما، والمستقر حالياً في نيويورك ، غانم خنيصر.

5. كنا نقطن في منزلين متجاورين في منطقة يزبك – المعلوف في المصيطبة.

6. نبيل رياشي: شقيق الامين شوقي. نشط جيداً في ستينات، وسبعينات القرن الماضي.

7. جورج شربل: للاطلاع على النبذة المعممة عنه، الدخول الى الموقع المشار إليه آنفاً.

8. مأمون منصور: من مشغرة. ساهم في العمل الحزبي في بيروت. نشط في نقابة المصارف وانتخب عن الحزب عضواً في مجلس النقابة. كان موظفاً مرموقاً في بنك بيروت الرياض. وافته المنية وهو في اوّج عطائه.

9. يوسف سالم: من نابية المتن الشمالي والده الرفيق ميشال الخوري سالم، من أوائل الرفقاء في نابية، ومن مؤسسي العمل الحزبي فيها. كنت كتبت نبذة عن الرفيق يوسف سالم، للاطلاع، الدخول الى أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

10. كلية العلوم: كانت من أقوى فروع الحزب في الجامعة اللبنانية. من بين العدد الكبير من الرفقاء فيها أذكر الرفيق الراحل يوسف سالم، والرفقاء: موسى قبيسي، ماجدة قبيسي، فهيم خوري، وسام رفول، فايزة بيطار، مفيد القنطار الأمين ، ميشال نخلة عميد الثقافة الحالي ، زهى عيسى، دوسي منيّر، رفيق عساف الشهيد لاحقاً ، جبران عواد، جان بستاني، شحادة الغاوي، والصديق نبيل عوض.

نأمل من كل رفيق يملك من معلومات تضاف إلى النبذة، أو تصويبات معينة، أن يكتب إلى لجنة تاريخ الحزب

الرفيقان سمير صيقلي ووليد شفيق عبد الخالق وجانب من العمل الحزبي في الستينيات

عرفتهما طالبين في الصف الرابع تكميلي في مدرسة «التنشئة الوطنية» لصاحبها الرفيق إياد موصلي. كلاهما لفتاني بأخلاقهما، بسوية التزامهما، وبسلوكيتهما. كنت ألتقي بهما من ضمن متابعة الوحدات الحزبية والرفقاء. إلى ذلك كنّا اعتمدنا في مكتب الشؤون الطلابية تكليف رفيق طالب جامعي بمتابعة العمل الحزبي في ثانوية محدّدة. ذلك أن الطالب الجامعي أكثر تأثيراً على الطالب الثانوي، من زميله في الصف.

الرفيق جميل عسّاف الأمين، عميد المالية لاحقاً الذي كان مكلّفاً بمدرسة التنشئة، اعتقل بتاريخ 19 نيسان 1967 مع الرفقاء أنطون حتّي الأمين لاحقاً جان نادر، كمال نادر الأمين لاحقاً نقولا نصر 1 ، سهيل عبد الملك 2 ومحمد السعدي 3 .

في تلك الفترة كان الطالبان سمير صيقلي ووليد عبدالخالق قد تقدّما بطلبيّ انتماء، وتمّت الموافقة.

قدرتُ انهما سيتراجعان فور معرفتهما باعتقال الرفيق جميل عساف والرفقاء الطلبة، فهما في عمر السادسة عشرة ولا بد أن يؤثر ذلك على نفسيتهما. فما حصل هو العكس، فقد اتصل بي الطالبان سمير ووليد فور معرفتهما بالاعتقالات التي شملت عدداً من الرفقاء الطلبة مبديان رغبتهما في أداء القسم. وتمّ ذلك في شقة في منطقة الأرلكان القنطاري يقيم فيها رفيقان نشطا حزبياً في تلك الفترة. توجّهتُ إليها مع عضو مكتب الشؤون الطلابية الرفيق بهيج أبو غانم الأمين لاحقاً، عضو المجلس الأعلى . تحدثت إليهما عن معنى الانتماء، عن الصعوبات التي ستعترضهما. وشرحت لهما ما كان وصلنا عن تعرّض الرفقاء الذين اعتقلوا إلى «حسن ضيافة» في ثكنة الأمير بشير.

أصـرّا أكثـر. فأقســـما.

بعد أيام وتحديداً في 25 نيسان 1967 اعتقل الأمين عبدالله محسن، اعتقلتُ، واعتقل الرفقاء بهيج أبو غانم، غانم خنيصر، منذ ذلك الحين استمرت علاقتي وطيدة، ثابتة بالرفيقين سمير ووليد، حتى عندما انتقلا إلى الجامعة فمغادرتهما الوطن إلى ولاية «نورث كارولينا» حيث ما زالا مقيمان.

من بين مآثر العمل الحزبي في الستينات أنه أمكن للرفيق سمير أن يصل مع والده سامي صيقلي، صاحب «معهد لبنان» 4 ، إلى تأمين شهادات بالمحاسبة معترف بها لقاء مبلغ مالي 300 ل.ل تسدد للجهة الجهات في الوزارة المعنية بغية الحصول على التواقيع الرسمية. كثيرون من الرفقاء الذين تابعوا دروس المحاسبة في سجن القلعة على يد رفقاء مختصّين، أمكنهم التوظّف بفضل هذه الشهادات بعد خروجهم من الأسر.

عرفتُ في الأشرفية رفيقاً من الجنوب السوري كان يشعّ مناقبية ووعياً والتزاماً وسلوكية: الرفيق جان خوري. كان يتولى دائماً مسؤوليات محلية في تلك المنطقة من بيروت التي كانت تضم في السبعينات 5 إلى 6 مديريات ومئات الرفقاء.

كانت علاقتي بالرفيق جان تسودها المودّة والاحترام. كنت أرتاح إلى سويته الأخلاقية. هذا الرفيق اقترن من شقيقة الرفيق سمير صيقلي.

في الحرب المجنونة تهجّرا من الأشرفية فانتقلا إلى رمل الظريف قرب سجن النساء في ذلك الحين ، إلى بيتهما انتقل الأمين الياس جرجي لأشهر، عندما تهجّر من منزله في سن الفيل.

كنت أزور الرفيق جان، ثم أتردد إليه بعد أن عاد من النمسا، حيث كان يعمل مفتشاً مالياً في الأونروا ومثله كان يعمل الرفيق حنا الياس الشيتي 5 حاملاً الداء الذي راح يقتات من عافيته.

حدثني عن قريته في فلسطين، وعن أحداث حزبية يا ليتني دوّنتها وسجلّتها في حينه. كنت أحرّضه كي يتوجه إلى المركز في الروشة سيراً على الأقدام. فيفعل أحياناً. وأزوره كلما تسنّى لي ذلك. الجلوس معه كان فرحاً لي. نستعيد الذكريات. أطمئن من عقيلته على شقيقها الرفيق سمير الذي سكن ذاكرتي وأحفظ له الكثير من الحب.

كنت مع عدد من الرفقاء ممن يعرفونه، في كنيسة «نياح السيدة» في شارع المكحول. فوجئت بصيدلي صديق في المصيطبة، سمير حداد والد مقدم البرامج المعروف هشام ، بادرته: شو جابك لهون؟

ابتسم. لقد عقد ابن الرفيق جان خطوبته على ابنته، بعد فترة تمّ القران وغادرا إلى النمسا.

كلما التقيت الصديق سمير، يكون الرفيق جان ثالثنا، وأسأله عن عقيلته شقيقة الرفيق سمير صيقلي، وتعود بي الذكريات، والحنين إلى رفقاء عرفتهم في مسيرتي الحزبية، وما زلت أذكرهم واحداً واحداً.

وتعرفتُ إلى والد الرفيق وليد، الرفيق المناضل شفيق صدقة عبدالخالق الموظف المرموق في مصلحة الليطاني وكان واسطة التعارف الأمين القدوة عاصم الداعوق 6 ، وعرفت رفقاء آخرين في المصلحة.

عندما توليت مسؤولية وكيل عميد الداخلية في أوائل سبعينات القرن الماضي اخترت الرفيق شفيق لتولي مسؤولية مندوب إداري لمندوبية المتن الأوسط التي تضم مديريتي العبادية وشويت ورفقاء في حارة حمزة، عاريا، وغيرهما.

في تلك الفترة عرفت الرفيق شفيق أكثر، بتميّزه الأخلاقي، والتزامه الصادق، ووعيه القومي الاجتماعي.

وغادر إلى ولاية «نورث كارولينا». فكنت كلما التقيت قريبه الرفيق جهاد توفيق عبدالخالق أسأل عنه. عندما حضر إلى الوطن ليرمم منزله في عين الرمانة، التقيت به وفرحت. إلا أن فرحي لم يطل فالرفيق شفيق كان فريسة داء السرطان الذي لم يمهله كثيراً. فرحل باكراً.

كم أرجو أن تبقى لي عافية وذاكرة، فأتكلم عن جميع الرفقاء المميّزين الذين عرفتهم في حياتي الحزبية، وكم أرجو لو يفعل أيضاً أمناء ورفقاء يملكون أيضاً ما يسطرونه، وفاءً لتاريخ حزبنا، فنحفظه لأجيال الحزب والأمة.

هوامش

1. نقولا نصر: من منطقة بعلبك. تعيّن مديراً عاماً لوزارة النفط.

2. سهيل عبد الملك: من بتاتر، ومن الرفقاء الذين نشطوا حزبياً على مدى سنوات طوال، متولياً في الحزب مسؤوليات محلية ومركزية. يصح ان نكتب عنه.

3. محمد السعدي: من كفرنبرخ. كان يعمل ناطوراً لبناية في عين الرمانة. في منزله كانت تعقد الحلقات الاذاعية لطلبة ثانوية «فرن الشباك» وغيرها.

4. معهد لبنان: كان من أهم المعاهد التي تدرّس مادة المحاسبة. تقع مكاتبها في بناية اللعازارية، وسط بيروت.

5. حنا الشيتي: والده، الرفيق الشهيد الياس الشيتي الذي سنورد النبذة عنه في مرحلة شهداء الحرب اللبنانية.

6. عاصم الداعوق: منفذ، عميد، عضو مجلس اعلى، الخ… عرف باسم عصمت شاتيلا. مراجعة قسم أرشيف الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

مجتمع النهضة

يبتسم لك إن كانت له منفعة من تواصله معك.

يهرع إليك إذا كان وجد أن منفعة على وشك أن تتحقق، وإلا يبتعد.

ينساك في لحظة وقد كان يلتصق بك كل لحظة. فأنت، إن احتاج إليك، قصدك كل يوم، وأفاض حديثاً ومديحاً ودجلاً ورياء.

أما إذا احتجتَ إليه في أي وقت، هرب منك وأقفل أذنيه وبابه وسماعة الهاتف.

كانوا يحكون لنا عن الضعفاء في نفوسهم، ذوي المصالح الخاصة، اللاهثين وراء المنفعة الشخصية، المطلّقين مبادىء الوفاء والأخلاق والايثار والتفاني.

وما كنا نصدق ذلك. إذ ما قد تجده في أي مكان خارج حزبك، لا حضور له في داخله، فكلمات القسم تفرض عليك سلوكاً مغايراً لكل بشاعة:

فأنت لرفيقك عند الحاجة، إذا قدرت.

تعوده في المستشفى إذا وقع فريسة المرض. تزوره في منزله إن بات مسناً، وفي حاجة لبسمة تقدم له زاداً معنوياً.

أن تشعر أن رفيقك هو جزءاً منك.

علاقته بك نابعة من قسمٍ، ومن نهج أخلاقي جسّده سعاده ودعانا إليه… هو رفيقك، غنياً مادياً أو فقيراً، متعافياً أو عليلاً. مكتفياً أو محتاجاً.

بذلك تشعر وإياه أنكما في حزب يبني شيئاً آخراً… غير كل البالي في المجتمع القديم.

وألا تكون في حزبك، قد أخذت بمفاهيم وسلوكية و»تقاليد» يُفترض أنك تخليتَ عنها مذ رفعت يمينك بالقسم.

إن لم نبنِ في الحزب مجتمع النهضة، القادر أن يلفظ التقاليد والعادات البالية، ويؤسس للتقاليد القومية الاجتماعية، فماذا نبني إذاً؟!

كل شيء يُمكن أن يُؤجَّل…

شرط أن يبقى الوطن

لو أن ما يجري فوق أرضنا من بشاعات لا حد لها، يحصل في مجرّة أخرى، لحقّ للواعين من أبناء شعبنا أن يتعاطوا مع كل تلك الجرائم التي لا تحتاج إلى تعريف أو إلى وصف – وقد باتت معروفة جداً- بغير اهتمام، فيبقون بمنأى عن كل تلك العواصف التي تهبّ، عن كل التحديات التي تواجه أمتنا، وتتهدد مصيرها، بالفعل لا بالافتراض، وعن كل التضحيات التي يقدمها رفقاؤهم وأبناء شعبهم.

نتفهّم أنه، في حالات الازدهار والبحبوحة، يدبّ الارتخاء لدى أبناء الشعوب، ويركنون إلى حالات من الخنوع. إنما أن يحصل ذلك وجحافل المغول والتتر تهدم وتقتل وتذبح وتطيح بكل حضارتنا وبكل مفاهيمنا الموروثة وبكل دين حقيقي، وتؤسّس لنظام ما قبل الجاهلية، لا يستسيغه عقل ولا منطق ولا وجدان إنساني، فهذا أمر مرفوض وطنياً وقومياً وإنسانياً.

ماذا ينتظر الواعون أكثر من هذا الويل الذي يتهدّد أمتهم، كي يُستنفروا مادياً، ونفسياً، وتدبّ الحميّة في نفوسهم، فيضعون جانباً كل الاهتمامات، ويرتفعون عن كل الصغائر، ويتوقفون عن هدر الطاقات في تناول بعضهم البعض، وفي التلهي بأمور لا تصب في مصلحة عافية حزبهم أو في مناعة أمتهم.

أمام الأخطار التي تهدد مصيرنا، عار على أي منا أن يتفرج، أن لا يهبّ لنجدة عائلة رفيق شهيد، أن لا يتحرك نبض الانتماء القومي في أعماقه، أن لا يخاف على مستقبل حزبه وعلى مصير أمته، أن لا يشعر أنه يحمل «قضية تساوي وجوده» وأنه معني بتحقيق غاية الحزب التي أقسم عليها حين رفع يمناه ذات يوم.

كل شيء، كل شيء، يمكن أن يؤجل، وتتم مناقشته والبحث فيه ومعالجته في أي زمنٍ آت، شرط أن يبقى الوطن.

في هذه المعركة التاريخية المصيرية، كلنا مدعوون أن نعمل في سبيل منع تحقيق المؤامرة بحق الأمة السورية، في تاريخها وحقيقتها ومستقبلها. كلنا مدعوون أن نكون إذاعة ثقافية تتصدى للهستيريا التكفيرية، في كل متحداتنا، وطناً وعبر الحدود، في إعلامنا المكتوب والمرئي والمسموع، مع كل مواطن في محيطنا، وفي كل مكان فوق أرضنا، وفي أوساط جالياتنا في الخارج.

كلنا مطالبون أن نرفع شعاراً واحداً هو أن نحمي أمتنا من أعاصير الجهل، والغباء، ونبقيها لأجيالنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى