ما الخطط المستقبلية لتنظيم داعش؟

تشارلز ليستر

منذ سيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق في العاشر من الشهر الماضي، وهو يحقق تقدماً نحو الجنوب باتجاه العاصمة العراقية بغداد، وسيطر على عدد من البلدان والقواعد العسكرية وبعض الأصول والموارد التي عثر عليها في طريقه.

لكن ما هي خطة هذا التنظيم على المدى الطويل؟

يعتبر هذا التنظيم أغنى تنظيم مسلح في العالم، إذ يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، تمتد من مدينة الباب شرق محافظة حلب في سورية وعلى مسافة 670 كيلومتراً، وحتى سليمان بك في محافظة صلاح الدين بالعراق. ويعلن التنظيم صراحة رغبته في إقامة دولة إسلامية.

وعلى المدى القريب، سيسعى داعش إلى اكتساب زخم في العراق من خلال الاستيلاء على مزيد من الأراضي والأصول الأخرى المدرة للأموال.

لكن تنظيم داعش لا يعتبر وحده هو من يقاتل القوات الحكومية في العراق. فعلى رغم بعض الاحتكاكات القليلة، لكن هناك «ائتلاف للمصالح» يشمل إسلاميين وصوفيين وبعثيين وقبائل قد تشكل لتقويض شرعية رئيس الوزراء نوري المالكي. وبقدر صمود هذا التحالف الفضفاض سيجري تحديد طبيعة دور داعش فيما أصبح انتفاضة «سنية» في العراق.

وبفرض سيطرته على السكان وتطبيق أنموذجه الاستبدادي من الحكم، سيتمكن داعش من تصوير نفسه كأنموذج صاعد لحكومة الظل.

ويمتد ذلك بطبيعة الحال إلى سورية، حيث يسيطر داعش بالفعل على عدد كبير من البلديات، من بينها «القلب النابض للتنظيم» في مدينة الرقة.

ويقوم تنظيم داعش على الوحدات الفرعية بينما يعتمد بدرجة عالية على النظام البيروقراطي، وتنسيق سياسي عسكري على مستوى التخطيط والحكم، لكنه غير مركزي على مستوى التنفيذ. وبالنسبة إلى صناع القرار في أي مكان، فإن التعامل مع داعش في سورية والعراق على أنهما كيانان منفصلان يمثل مستوى مقلقاً من السذاجة. فمع تمكن الجماعات المسلحة من عبور الحدود بين سورية والعراق بحرية كاملة، وقيام كلتا الحكومتين بتنفيذ ضربات عسكرية محددة الأهداف على أراضي الدولة الأخرى خلال الشهرين الماضيين، فإن الحدود بين الدولتين أصبحت فعلياً غير موجودة.

مكاسب قوية

وسيكون الهدف القريب لداعش هو تعزيز سيطرته على المدن والبلدات الحدودية في كلا الجانبين.

وترمز الهجمات الأخيرة لداعش في محيط مدينة البوكمال السورية التي تقع على الحدود مع العراق، وتحول العديد من الأعضاء البارزين بجبهة النصرة في المدينة إلى داعش، يرمز إلى الاستراتيجية التي من المرجح أن ينفذها داعش، وهي استغلال سمعته البراقة حالياً من أجل هزيمة الجماعات المسلحة المنافسة له في المناطق التي تتمتع بأهمية استراتيجية كبرى. لقد أرهق تنظيم داعش في سورية خلال عام 2013 وربما يكون قد تعلم الدرس.

وفي العراق، وبدلاً من الإصرار على هجوم سريع وضخم على العاصمة بغداد، فإن التنظيم استهدف وبتأنٍّ النقاط الحكومية الضعيفة، بهدف السيطرة على المناطق التي من شأنها أن تسهّل عليه شن هجوم من جهات عدة على العاصمة. وفي سورية عزز داعش سيطرته على مناطق الشمال الشرقي الغنية بالموارد، وسعى إلى استعادة هيمنته على المناطق المحاذية للحدود العراقية في دير الزور والحسكة.

ورجوع التنظيم إلى الغرب باتجاه المناطق التي فقد السيطرة عليها في شباط وآذار الماضيين في محافظات حلب وإدلب وحماة واللاذقية، يبدو كخطوة حتمية يقوم بها في وقت لاحق من العام الحالي.

ويزدهر تنظيم داعش في ظل عدم الاستقرار، لذا فإنه سيسعى جاهداً لذلك. وفي تلك الحال، فإن تحقيق أنموذج بديل للحكم سيكون مهماً بدرجة مماثلة. وفي غضون ساعات من سيطرته على الموصل، نشر داعش ميثاقاً سياسياً على غرار ما يطبقه بالفعل في الرقة، والمناطق الأخرى بسورية.

وإضافة إلى فرض قيود صارمة على الممارسات الدينية، وزي النساء وحظر المخدرات والحكول والسجائر، فإن أنموذج ممارسة داعش للحكم الآن يتضمن أيضاً تأسيس عدد من برامج الرعاية العامة، وتقديم عدد كبير جداً من أشكال الخدمات الاجتماعية والتفتيش على جودة السلع التجارية، ومكاتب الضرائب وشركات النقل والمواصلات وغيرها.

وبشكل قاطع، فإن ذلك يعد جزءاً من عملية التمويل الذاتي الكاملة التي يتبناها داعش، فالتنظيم لا يعتمد على مصادر خارجية للتمويل.

تهديد لدول الجوار

وبنظرة أوسع، فمن المرجح أن يمد داعش آفاقه إلى ما وراء سورية والعراق خلال الأشهر المقبلة.

ففي العراق، يحكم مسلحو داعش الآن سيطرتهم على مناطق تبعد بنحو 60 ميلاً من الحدود الأردنية عند معبر الطريبيل الذي يسيطر عليه مسلحون قبليون معارضون لحكومة المالكي.

وفي الأردن نفسها، يتمتع داعش بتأييد شعبي من جانب مجموعة متزايدة من المتعاطفين في مدينة معان الجنوبية، حيث جرت العديد من التظاهرات المؤيدة لداعش خلال الأسابيع الأخيرة، كما سيكسب بالتأكيد تعاطف المزيد ممن يؤيدونه سراً بمناطق أخرى.

وعلى رغم أنه من غير المرجح أن يسعى داعش إلى شن هجوم على الأراضي الأردنية في الوقت القريب، إلا أن الجيش الأردني عزز من قواته العسكرية على طول الحدود مع العراق، والتي يبلغ طولها 110 أميال.

كما لا يبدو محتملاًً في هذه المرحلة أن يقوم داعش بمحاولة جريئة لتأسيس وجود له في الأردن، إلاّ أنه من المتوقع أن يشن هجمات متفرقة عبر الحدود مع تزايد التأييد الشعبي له في الأردن.

وفي غضون ذلك، يسعى داعش إلى تعزيز التأييد الشعبي له داخل المملكة العربية السعودية، حيث بدأت منشورات ورسوم جدارية مؤيدة للتنظيم في الظهور، وأيضاً في لبنان حيث يبدو من المؤكد أن داعش سيصبح لاعباً عسكرياً فاعلاً في وقت قريب.

وهناك اعتقاد واسع في تركيا بأن حملة عسكرية حكومية شنت حديثاً على المناطق الحدودية في شمال سورية قد تركت عشرات إن لم يكن مئات من أعضاء محتملين في داعش تقطعت بهم السبل هناك، ما قد يؤدي إلى إنتاج منطقة أخرى يسودها عدم الاستقرار.

مرحلة حرجة

عام 2013 شن داعش نحو 10 آلاف عملية عسكرية في العراق، وبسط سيطرته على مناطق مهمة في سورية، وتبرأ منه تنظيم القاعدة بسبب طعنه في شرعيته.

واليوم يقدم داعش نفسه على أنه الطليعة الجديدة «للجهاديين»، وبتقدمه العسكري المذهل وثروته منقطعة النظير وجهازه الإعلامي الماهر يمكن القول إنه نجح في تحقيق المكانة التي طالما سعى إليها.

ويستمر العديد من المتطوعين في الانضمام إلى صفوف داعش، ويأتي العديد منهم أيضاً من الغرب.

وبتحديه للقاعدة، فإن داعش الآن في مرحلة حرجة يهدف فيها إلى تعزيز هيمنته بشكل حاسم.

وفي مثل هذه الظروف، يبدو مرجحاً أن يسعى داعش إلى تنفيذ هجمات في مناطق أبعد من ذلك.

عضو زائر بمركز بروكينغز الدوحة قطر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى