دائماً لبنان… هو الضحية!
د. سلوى الخليل الأمين
دائماً الشيطان يكمن في التفاصيل وأزيد وأيضاً بين السطور وعلى الألسنة التي تنفث سمومها القاتلة، فمنذ إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة بدأت الاعتراضات والخطابات والبيانات تطلّ من على شاشات التلفزة اللبنانية، مبطنة بالشحن السياسي والطائفي والحقد والعمالة للخارج المتصهين، تنبئ، دون شك، بما لا تحمد عقباه، وهنا لبنان الوطن هو الضحية الناتجة عن تلك الأفعال السوداء.
لقد تناوبوا بفجور فاضح على كيل الاتهامات والتصويب على المقاومة التي حرّرت الوطن من رجس العدو الصهيوني، وحمت لبنان من إرهاب الدواعش، الذين لو ترك لهم الساح، كما هو مخطط وممنهج في أجنداتهم المتأمركة والمتصهينة وأجندات أولئك الزاعقين على القبور، لكانت جونيه وبعبدا وزحلة وبيروت وكلّ المدن الممتدّة من جرود عرسال حتى فقش الموج غارقة في دمائها، لأنّ من يسكنها، حسب عقيدة الدواعش، هم الكفار والرافضة والمرتدّون عن هوى قادة الخلافة الإسلامية التكفيرية، الرافعين شعاراتهم الإرهابية، سبيلاً لبناء دولتهم، التي تجد لها في الساحة اللبنانية مرتعاً.
لهذا ربما من المستحسن التذكير بالماضي الذي يحاول البعض نسيانه وتجاوزه، فلو عدنا إلى الوراء قليلاً وأجرينا مقارنة بين ما كان يقوم به الرئيس رفيق الحريري، وما تنكّبه خليفته في رئاسة الحكومة الرئيس فؤاد السنيورة لوجدنا الفوارق متسعة بل سوداوية بامتياز.
في عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري حدثت مجزرة قانا فما كان منه إلا أن أثار الموضوع عالمياً ومحلياً فارضاً موقفاً لبنانياً سياسياً موحداً، جعل العدو الصهيوني مداناً من كل القوى العالمية، خصوصاً في مجلس الأمن، بعكس ما جرى بعد اغتياله في أثناء حرب 2006، حين فتحت رئاسة الحكومة التي تولاها الرئيس فؤاد السنيورة أبواقها المعترضة على مقاومة المجاهدين في حزب الله للعدوان الصهيوني الشرس على لبنان، وأبرزها الطلب من وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس خلال زيارتها للبنان، عدم إيقاف الحرب، مع ما نتج عن ذلك من خسائر مادية وبشرية، وتمّ تحميل وزرها لحزب الله، منذ ذلك الوقت، بالرغم من إحراز المقاومة النصر على العدو الصهيوني، وتحطيم أسطورة دبابات الميركافا في وادي الحجير، وكذلك أسطورة «الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر»، وهو ما اعترفت به لجنة فينوغراد «الإسرائيلية».
هذه الأمور يعرفها كلّ لبناني، إضافة إلى المسؤولين اللبنانيين الذين تغاضوا عن أفعال رئيس الحكومة آنذاك، المناهضة لوحدة الصف الوطني في وجه «إسرائيل»، والتي رعاها التيار الوطني الحر والأحزاب الوطنية حين تمّت حماية ظهر المقاومة في الداخل اللبناني، في الوقت الذي كانت الحكومة ورئاستها تحاصر رئيس الجمهورية العماد إميل لحود في قصر بعبدا، وتعمل على إصدار قانون إعلان تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري دون موافقة رئيس الجمهورية وعبر مخالفة صريحة وواضحة للدستور اللبناني، كما أنّ رئاسة الحكومة وقتها لم تخف تآمرها على مجاهدي حزب الله الصامدين مقابل آلة الحرب «الإسرائيلية» المدمّرة على أرض الجنوب وفي البحر أيضاً، بكلّ ثبات وشجاعة، دفاعاً عن سيادة لبنان واستقلاله وحرية شعبه.
لقد تجاهلوا عن سابق إصرار وترصّد الدم اللبناني الذي أريق على أرض الجنوب اللبناني، ووقفوا بالمرصاد ضدّ سلاح المقاومة، ورفعوا أصواتهم غير مبالين بالنصر المؤزّر الذي هزّ العالم كله، متهمين حزب الله باتخاذ قرار السلم والحرب، علماً أنّ قائد المقاومة السيد حسن نصرالله قد أهدى النصر للبنانيين جميعهم ولكلّ عربي حر وشريف. لكن مع كلّ هذا الاعتدال الوطني، تمادوا في المقابل في غيّهم وتحايلهم بمحاولة التلاعب باتصالات حزب الله اللاسلكية، وحين تمّ التصدّي لهم بضربة كفّ ناعمة، أرهقوا أعصابنا بعبارات: القمصان السود، حين هم على معرفة تامة أنّ أصحاب القمصان السود ليسوا أصحاب البيانات السوداء والخطابات الممذهبة والشعارات المدسوسة، ولو أرادوا خراب البلد والسيطرة المطلقة عليه، لكان الأمر بيدهم أسهل من شرب الماء، لكنهم أرادوا دغدغة أولئك المتجبّرين المتآمرين وكتبة التقارير، الذين ما زالوا يظنون أنّ الرأي الأول والأخير لهم، حين صاحب الحق الأصيل ممنوع عليه العودة، لكثرة ما تراكم عليه من ديون هم رعاتها ومسبّبوها، بدليل أنهم عرضوا عليه، أيّ على الرئيس سعد الحريري، شراء ما يملك من عقارات، من أجل سداد رواتب موظفيه، وهذا الفعل من جملة مؤامراتهم عليه، التي أغرقوه بها، عن سابق تصوّر وتصميم، طمعاً في رئاسة حكومية قد تؤول إليهم مجدّداً… على حين غرة.
كما أنّ اللبناني لا يمكن له أن ينسى أنّ قيام الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان في وجه العدو «الإسرائيلي» أمر واجب الوجوب، لكنه يتطلب رفد الجيش بالسلاح الثقيل والحديث. علماً أنّ كلّ لبناني يدرك حجم المؤامرة على الجيش اللبناني لجهة عدم تجهيزه بأحدث المعدات والأسلحة المتطورة والطاقات البشرية المتميّزة، في الوقت الذي يعلم الجميع أنّ لبنان دولة مواجهة مع «إسرائيل»، ومن واجب الحكومة تجهيز الجيش اللبناني من أجل التصدّي لأطماع بني صهيون، الذين تماهوا مع مقولة قوة لبنان في ضعفه، إلى أن شبّت المقاومة وقلبت المعادلة وأثبتت أنّ قوة لبنان في قوته وصموده أمام هذا العدو، الذي ما زال يحلم ببناء دولته اليهودية الصهيونية، التي تمتدّ من الفرات إلى النيل حسب بروتوكولاتهم، التي لا يقرأها أو ربما قرأها المسؤول السياسي، الذي يتحفنا على الدوام بخطاباته الرنانة، عند كلّ حدث، المتضمّنة السمّ الزعاف ضدّ المقاومة ورجالاتها الأحرار، دون أيّ تفكير بما قد يستجدّ من مخاطر، تحرك جماعات الشارع المتطيّف، وتؤدّي إلى هلاك الوطن وشرذمة أبنائه والقضاء على أمنه وأمانه… الذي هو على كفّ عفريت.
لهذا يصح السؤال: ترى لمصلحة من العمل على حياكة المؤامرات، ورفع الاستفزازات عقب حادثة إطلاق الوزير السابق ميشال سماحة، التي شهدت الوزيرة القاضية أليس الشبطيني بصحة القرار الصادر عن المحكمة العسكرية بحقه، علماً أنّ حوادث مشابهة قد حصلت سابقاً، ولا تزال مغروزة في أذهان اللبنانيين الذين يحرصون على ألا يسقط مخزون ذاكرتهم في مهاوي النسيان. لهذا لا بدّ من لفت النظر إلى انّ من يبكي على تدهور السلك القضائي في لبنان هو نفسه من أغرقه في متاهات السياسة ورجالاتها، حين الترقيات أصبحت سيفاً قاطعاً على الرقاب، بغضّ النظر عن الأحقية التراتبية والكفاءة والأهلية الوظيفية التي هي المعيار الأساس لتبوّؤ القاضي المنصب الأرفع، وبالتالي لا يجوز أن يكون محكوماً لأيّ جهة سياسية مهما علا شأنها أو شأوها. فالقضاء هو مقياس الأمم الحضارية الراقية، وهو السيف القاطع الذي من خلاله تستقيم الأمور داخل الوطن، خصوصاً إذا ما نفذ القانون بحيثياته على كلّ مرتكب، كائناً من كان، حتى لو كان مسؤولاً حكومياً باع واشترى في مسألة الطوابع التي تصدرها وزارة المالية، وتمّ تهديده يومها في ما مضى بدخول السجن في عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري… والكلّ يعلم كيف تمّت صفقة حمايته وحفظ ماء وجهه في ظلّ الوجود السوري في لبنان…
ما أودّ قوله، ارحموا اللبناني في عقله وضميره وذاكرته الحية وأعصابه المرهقة من تأمين لقمة العيش والقسط التعليمي وفاتورة المرض والماء والهاتف والكهرباء والضرائب المباشرة وغير المباشرة ورسوم الجوازات الجديدة المستجدّة ظلماً وعدواناً، وصفقة ترحيل النفايات، والتدخل في القضاء… فالواجب يحتّم على الجميع ألا يجعلوا لبنان الضحية التي أصبح رأسها على المقصلة… ولات ساعة مندم.
رئيسة ديوان أهل القلم