14 آذار ترهن البلاد للعبة الإقليمية وجنبلاط لن يسحب مرشّحه سوى لمرشح ثالث
حسن سلامه
رغم تزاحم الملفات التي تحاصر اللبنانيين من كل نحو وصوب، يبقى استحقاق رئاسة الجمهورية المدخل الأساسي لحلحلة معاناة اللبنانيين، بعدما ربطت بعض القوى السياسية وبخاصة فريق «14 آذار» معالجة هذه الملفات بانتخاب رئيس للجمهورية ـ بما يتوافق ورؤية هذا الفريق! ـ وبالتالي اعتماد الشغور في مقام الرئاسة مبرراً لتعطيل المؤسسات، بدءاً بمجلس النواب، وتحويل مجلس الوزراء إلى تصريف الأعمال، بالإضافة إلى الحملات المستمرة من «المستقبل» وحلفائه ضد الأجهزة الأمنية والقضائية تحت حجج واهية.
بناء على ذلك، كيف تبدو مواقف القوى السياسية بدءاً بقوى 14 آذار من الاستحقاق الرئاسي؟ وهل يمكن فصل هذا الاستحقاق في ظل المتغيرات في الشرق الأوسط عن الوضع الإقليمي؟
جواباً عن السؤال الأول، تلاحظ مصادر سياسية عليمة أن «كرة الاستحقاق الرئاسي» هي في مرمى «المستقبل» وحلفائه، انطلاقاً من حسابات هؤلاء الداخلية وعدم قدرتهم على تقرير الموقف من الانتخابات الرئاسية من دون ضوء أخضر خارجي وتحديداً من السعودية.
فعلى مستوى الحسابات الداخلية تلاحظ المصادر أن مواقف هذا الفريق تنطلق من الاعتبارات الآتية:
– تيار «المستقبل» غير جاهز على مستوى حسابات الداخلية وارتباطاته الإقليمية للسير في دعم العماد عون، أو حتى أن يكون لـ»الجنرال» الدور المركزي في تسمية المرشح لرئاسة الجمهورية. وتشير المصادر إلى أن الأدلة على ذلك عديدة، بدءاً بتمسك «المستقبل» بترشيح سمير جعجع، إلى مراوحة الحوار القائم بينه وبين التيار الوطني الحر، إذ يحول ارتباطه العضوي بالسياسة السعودية دون اتخاذه قراراً حول ترشيح العماد عون، لا سلباً ولا إيجاباً، فالرياض لا تريد حسم الأمور في ما يتعلق بمسألة الاستحقاق الرئاسي. فالحسابات السعودية حتى الآن، وفق معلومات المصادر، تقضي بإبقاء الساحة اللبنانية ورقة ضغط في اللعب الإقليمية، وهي لا تريد التسليم بدور مفصلي لحزب الله في الانتخابات الرئاسية إذ ترى في وصول عون انتصاراً لتوجهات حزب الله وحتى إيران وسورية، نظراً إلى التحالف القائم بين الحزب والتيار الوطني الحر.
– لا ينوي رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع سحب ترشيحه، رغم مناورة استعداده لذلك في حال جرى التوافق على مرشح ثالث سواه وسوى العماد عون، فجعجع يصرّ على استمرار الترشيح لثلاثة اعتبارات، الأول قطع الطريق على وصول عون، والثاني منع الأخير من أن يكون صاحب القرار الفصل في تسمية الرئيس الجديد، والثالث اعتقاده أنه يمكن أن يجمع 65 صوتاً إذا سحب النائب هنري حلو ترشيحه. وتشير المصادر أن جعجع يعتقد أن بعض نواب اللقاء الديمقراطي يمكن أن يصوّتوا لمصلحته إذا ترك جنبلاط الخيار لهم بعد سحب ترشيح حلو.
– إن النائب وليد جنبلاط ليس في وارد التراجع عمّا أعلن عنه صراحة وبصورة غير مباشرة من خلال رفضه وصول كل من عون وجعجع. وهو لذلك سيستمر في تبنّي ترشيح عضو كتلته النائب حلو، طالما أن عون وجعجع مستمران في الترشيح. وفي تقدير المصادر أن رئيس اللقاء الديمقراطي لا يستبعد أن تذهب بعض أصوات كتلته إلى عون أو حتى إلى جعجع، إذا سحب ترشيح حلو، لذا تشير المصادر إلى أن جنبلاط لن يتراجع عن هذا الترشيح قبل الاتفاق على مرشح ثالث يرضى عنه ولا يعترض عليه أيّ من فريقي 8 و14 آذار.
– أما العماد عون فأطلق مبادرته التي تقترح إجراء تعديل دستوري محدّد يقوم على انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب بعدما لمس أن فريق 14 آذار ومعه «بعض الوسطيين»، بدءاً من النائب جنبلاط، يرفضون وصول شخصية مارونية تمثل الأكثرية المسيحية، وظهر ذلك من خلال الاعتراض عليه، لذا كان لا بد من وضع جميع القوى، خاصة المعترضين على إيصال الرئيس القوي، أمام مسؤولياتهم من خلال طرح التعديل الدستوري، علماً أن المعلومات تشير إلى أن الحوار بينه وبين رئيس «المستقبل» سعد الحريري لم ينتج مقاربات جدية حول الاستحقاق الرئاسي، وأمسى الحوار لأجل الحوار فحسب.
لذلك يُطرح سؤال آخر: ما هو مصير الاستحقاق الرئاسي؟ وهل يوقع حصول حلحلة في وقت قريب؟
وزير بارز من كتلة وازنة يلخّص أمام بعض الذين التقاهم في الساعات الأخيرة قائلاً: «لا انتخابات رئاسية، لا انتخابات نيابية، لا تنشيط للحكومة وحتى لا سلسلة رتب ورواتب، فهناك من يبرّر تعطيل الاستحقاقات بانتخابات رئيس الجمهورية، بينما هم يرهنون في حقيقة الأمر جميع الاستحقاقات بالمتغيّرات الإقليمية». ويلاحظ الوزير المذكور أمام زوّاره أنه لو كانت هناك نيّة لدى هؤلاء بإطلاق عجلة الدولة لما لجأوا إلى تعطيل المؤسسات في انتظار التوجيهات التي لن تصلهم قريباً من محرّكيهم في الخارج.