حكمة رابح… رابح

شهناز صبحي فاكوش

انتهى عصر الشاه، تغيّرت السياسة الإيرانية، قطع الذراع الأطول لأميركا في المنطقة، بهذا فَقَدَ الاحتلال الصهيوني في فلسطين أهمّ حلفائه، سقط علمه على الأرض، ارتفع علم فلسطين لأول مرة منذ احتلالها في سماء إيران.

استشاطت أميركا غضباً، لم تعتد على الصفعات، فكيف إنْ كانت بهذا الحجم، وبهدوء، استفاقت لتجد أكبر أدواتها تهشّم، حاربتها بجارتها العراق، بفتنة حجتها الطائفية والإسلام، طاحونة رحاها كسرت العراق وإيران معاً، ثماني سنوات عجاف.

خرجت كلتا الدولتين منهكة، تآكل فيهما الاقتصاد والمال، وقضمت من البشر والحجر الكثير، ضاع بعدها بسنوات العراق، لقلة حكمة حكامه، ورطته أميركا بحرب مجنونة، ثم حاصرته بحجة امتلاك سلاح نووي وتركته مكشوف الظهر.

غزته واحتلته، دمرته لعشر سنوات، ثم أعلنت خطأ تقديراتها، بعد الخراب تركته للاحتضار والموت، للطائفية وتقسيم لمناطق نفوذ، اختطفت علماءه وباحثيه، أعدمت من بقي من خيرة شبابه، بعد إعدامات عبثية لنرجسية حكامه قبلاً.

أعلنت أميركا الحصار الذي ساندتها فيه الدول الأوربية على إيران، لكنها لم تعبأ به رغم حجز أموالها، ومحاولة إفقارها لإركاعها، سوّرت نفسها بعقيدتها وإيمانها، وثقت بقدرتها على التنامي رغم كلّ الضغوط، فرضت نفسها في المجتمع الدولي.

كان لها ما أرادت، تنامت على الصعد كافة، طبياً، اجتماعياً وثقافياً. اكتفاء اقتصادي تقبّله جميع مواطنيها، ساندوا دولتهم اجتهدوا لأجلها بكفاف العيش، تسامقت عمرانياً بسرعة تفوق الزمن، والأكثر التنامي النووي، رغم الترغيب والترهيب.

حاول العالم الغربي وأميركا كسرها، أو إضعافها على الأقلّ، لكنها أصرّت أن تأخذ مكانها الذي وضعته هدفاً لها. وصلت إليه بإرادتها ودعم الشعب وعقيدة الانتصار، حاول العالم إنهاكها، لكنها أصرّت أن تنتهي إلى نتيجة رابح… رابح.

وقّعت إيران الاتفاق النووي وانتهت من ملفه، مع إصرارها على عدم إدخال أيّ موضوع إقليمي أو دولي معه، رغم الضغط الكبير الذي تعرّضت له. التزمت الدول الست بقرار أوباما لإنهائه وقع الجميع، وفشلت معوقات نتنياهو والوهابيين.

أعوام من التحدّي النووي والحصار، فرضت فيها إيران ذاتها دولة أممية. ولاعباً إقليمياً هاماً. وكرّست نفسها حليفاً حقيقياً لسورية، في حربها ضدّ الإرهاب.

فرضت النتيجة التي أرادت على العالم كله، ها هي تخرج بنتيجة رابح… رابح، حكمة وعقلانية، أوصلتها إلى مصاف الدول العظمى، حكمة تفتقدها حتى دول الفيتو في مجلس الأمن، ممّن كانت لهم شمس لا تغيب، واحتلال للعرب قرناً.

اليوم تحتفل إيران برفع العقوبات الاقتصادية، والإفراج عن أموالها، يعترف أوباما بأنّ حصارها ما كان مجدياً، هي إرادة الشعوب إذاً تلك التي تفرض ذاتها ولا تخذل. تفتح إيران أبوابها للاستثمارات، للعالم كله، بلا تحفظٍ، طبعاً عدا «إسرائيل» دولة الاحتلال.

يطلق الرئيس حسن روحاني رسائله إلى العالم، باحتفائه بما وصلت إليه بلاده، من انتصار ونصر، وكأنه يقدّم تجربته للعالم، ويدعو الجميع إلى بلاده، مُجدداً وقوفه إلى جانب حلفائه، يفصل بين الاقتصاد والسياسة ليمكّن بلاده من الازدهار.

يبقي روحاني على المحظورات بينه وبين العالم الغربي وأميركا، لكنه يستقبل الاستثمار منهم مرحّباً بكلّ ما يمكن أن يرتقي بشأن بلاده وأبناء شعبه، الأولى لأجل رفد أسطول الطائرات المدنية، لأنها أهمّ سبل التواصل مع العالم.

يقدّم رسائله للسعودية، بأن تغيّر سياساتها في المنطقة قبل وصولها إلى الهاوية بسبب سياساتها الخاطئة في المنطقة، هذه التي حاولت مع الكيان الصهيوني نسف جهود أوباما، تسامحٌ قد لا يرتقي إليه ملوك الرمال، بسبب حماقاتهم وطيش غطرستهم.

دخلت طهران ملعب الكبار، تقبل الاستثمارات والتقنيات من العالم لتنمية اقتصادها من دون الإخلال بمبادئها. الاهتمام بالوصول إلى الأماكن المستهدفة، لتصدير منتجاتها غير النفطية، استدارات هائلة لدول العداء نحوها، قبل فوات الفرصة وعدم شغور مكان.

أما أوباما فيصرّح بأنّ خلافات كثيرة ما زالت عالقة مع إيران، داعياً الشعب الإيراني إلى إقامة روابط جديدة مع العالم، ومطالباً الشعب الأميركي بذات الوقت باستغلال العلاقة الجيدة مع إيران، لمصلحة الشعبين، بعد الخطوات الإيجابية بينهما.

أوباما أعلن أنّ عدم الحديث مع إيران لعقود، لم يحقق شيئاً للسياسة الأميركية أو اقتصادها. خطابه يطمئن «إسرائيل» والسعودية إلى أنّ أميركا لا تتخلى عن حلفائها، وأنّ خلافاً ما زال قائماً مع إيران بسبب عدم استقرار المنطقة، لأنها تشكل تهديداً لهم.

التطمين لجميع دول الخليج و«إسرائيل» والسعودية، إعلان غير صريح أنها داعمة الإرهاب الضارب في سورية والعراق. حلفاء استثمرت أميركا دورهم الوظيفي حتى في ترويج الإرهاب، الذي أصبح الخطر الأكبر على العالم.

مخاوف بعض الدول الخليجية، عبّرت عنها «إسرائيل»، ومسؤولين أميركيين، وحلفاء يدعمون الإرهاب ويشجعونه، لمكاسب لا تتحقق وفق حساباتهم بدونه. ضغط اللوبي الصهيوني يجعل الجميع بروتونات تدور حول النترون «الإسرائيلي».

«إسرائيل» التي ترتعد من انفتاح الاقتصاد الإيراني، وفتح أجنحته على العالم، وهي الخبيرة في الاقتصاد العالمي، حيث كانت ضمن الدول الستة عشر قبل الحصار.

هل تجري الرياح بما تشتهيه السفن، حتماً فالشعب المؤمن بقدراته، وإمكانات أبنائه وحكمة قياداته، ووضعه هدف الوصول إلى نتيجة رابح… رابح ووصوله إليه، لا بدّ منتصر. ترى كم من الدول يمكنها أن تمتلك الحكمة، وتحتذي حذوها؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى