الانتقادات الغربية لأردوغان
حميدي العبدالله
دأبت الصحافة الأميركية والبريطانية على توجيه انتقادات لسياسة أردوغان، بما في ذلك سياسته في سورية، علماً أنّ مواقف أردوغان من الأحداث في سورية تتطابق تماماً مع مواقف الجمهوريين في الولايات المتحدة ومعسكر المحافظين الجدد، إضافةً إلى مواقف الكيان الصهيوني.
لا شك أنّ هناك أسباباً تدفع الصحافة الغربية إلى انتقاد أردوغان هي غير الأسباب التي يتذرّع بها الإعلام الغربي، ولا سيما الزعم بأنها تأتي رداً على عدم احترامه لمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة، فالدول الغربية تقيم علاقات وطيدة مع أنظمة أكثر استبداداً بكثير من نظام أردوغان الذي يعتبر نظامه واحة للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات بالمقارنة معها، مثل السعودية وقطر.
إنّ الأسباب التي تدفع الإعلام الغربي إلى توجيه الانتقادات إلى نظام حكم أردوغان تعود إلى طموحاته الخاصة، ولا سيما دأبه على إحياء تراث العثمانيين، إذ من المعروف أنّ للغرب ذكريات غير حميدة إزاء سياسات تركيا العثمانية، كما أنّ من بين الأسباب التي تدفع الغرب لتوجيه الانتقادات إلى أردوغان هو عدم انضباطه بالاستراتيجية الغربية، وسعيه إلى توريط الغرب على نحو لا قدرة له على حمل أكلافه في ضوء تجاربه الأخيرة، ولا سيما في العراق وأفغانستان.
تركيا لا تزال عضواً في الناتو، ولا تزال جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الغربية ولا سيما الأميركية، ولكن تركيا أردوغان تسعى إلى الاستقواء بالغرب لتحقيق طموحات أعلى مما هو مسموح لها من قبل الحكومات الغربية، ولا سيما من قبل الإدارة الأميركية.
إنّ طموحات تركيا أردوغان تعقّد وتعرقل عمل الاستراتيجية الأميركية في سورية والعراق. في سورية لأنها ترفض بعناد التعاون مع أكراد سورية، وهم القوة الوحيدة ذات التأثير على الأرض التي يمكن للغرب التعاون معها من دون أن تنقلب عليه، على الأقلّ حتى الآن. وفي سورية أيضاً يسعى أردوغان لتعزيز تواجد مباشر لتركيا لا بدّ من أن ينعكس بمصالح خاصة على حساب ما تتطلع إليه الحكومات الغربية. وفي سورية أيضاً يسعى أردوغان إلى توريط الغرب بتدخل عسكري مباشر، جوي وبري، والغرب يتحاشى هذا الخيار خوفاً من كلفته وتداعياته اللاحقة.
أما في العراق، فيخشى الغرب من سياسات أردوغان المماثلة لسياساته في سورية، فهو أيضاً يتطلع إلى ما هو أعلى من المسموح له من قبل الغرب والولايات المتحدة، كما أنه يستفزّ أطراف في الحكومة العراقية لا تستغني الولايات المتحدة عن العمل معها، سواء في مواجهة «داعش»، أو لتحقيق مصالح أميركية وغربية هامة تكرّست بعد احتلال العراق.
هذه هي الأسباب التي تدفع الغرب، ولا سيما الإعلام الغربي لتوجيه الانتقادات إلى تركيا أردوغان، وهي انتقادات تهدف إلى دفع الحكومة التركية للانضباط في الاستراتيجية الغربية، لا أكثر ولا أقلّ.