جنيف لوفود تجمع مؤتمرَيْ القاهرة والرياض… والتمثيل الكرديّ ليس للتفاوض «رئيس الإجماع» محور المشاورات ولو تأخّرت الجلسة… لا تنافس ولا مغامرات

كتب المحرر السياسي

يواصل التفاهم الروسي الأميركي مفاعيله في ترسيم حدود اللعبة الإقليمية، فيصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الرياض وتستبقه الخارجية ببيان تأمل فيه النجاح بمساعي استئناف العلاقات الديبلوماسية السعودية ـ الإيرانية، بينما تستعدّ إيران للدخول نفطياً إلى السوق الأوروبية، وبالتوازي مع التطبيع الدولي والإقليمي لوضع إيران تسعى باكستان إلى تشكيل لجنة حوار ثلاثية تضمّها مع طهران والرياض، وعكس السير جاء كلام الرئيس سعد الحريري في دافوس ومن ورائه كلام الرئيسين تمام سلام وفؤاد السنيورة منتمياً إلى الزمن الذي يطويه الآخرون، ويقوم على التوتير والتصعيد، في مضمون احتجاجهم على كلام وزير الخارجية جبران باسيل عن النأي بالنفس عن الخلاف السعودي ـ الإيراني، بملاقاته مستقبل المساعي الدولية لتنقية العلاقات وإحلال الحوار مكان التصعيد، فتنأى واشنطن بنفسها عن الخلاف وتلاقيها أنقرة وإسلام أباد، ويستكثر الحريري وسلام والسنيورة على لبنان فعل الشيء نفسه.

المسعى الأميركي الرئيسي في الرياض يطال مستقبل لقاء جنيف الخاص بسورية، الذي قال نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف إنه سيُعقد يومي الأربعاء والخميس في السابع والعشرين والثامن والعشرين من الشهر الحالي، بينما قال زميله نائب الوزير ميخائيل بوغدانوف إنّ الصيغة المثلى لحلّ قضية تمثيل المعارضة السورية وتشكيل وفدها بتشكيل وفد يدمج مؤتمرَيْ الرياض والقاهرة، ومعلوم أنّ مؤتمر القاهرة ضمّ المكوّنات التي غابت عن مؤتمر الرياض، وخصوصاً المكوّن الكردي الذي صدر موقف ألماني لافت يرفض تهميشه من لقاءات جنيف.

جماعة مؤتمر الرياض المربكة بالقرار الأممي 2254 قفزت إلى اتهام موسكو بمحاولة الوصاية على المعارضة، للتغطية على الوصاية التي مارستها السعودية وأنتجت هذه التشكيلة التي تنافي معايير القرار الأممي، سواء بدعوته إلى حوار يشمل كلّ أطياف المعارضة، ويمثل كلّ شرائح الشعب السوري، أو برفضه ضم أيّ من التنظيمات الإرهابية إلى العملية السياسية، ونادت جماعة الرياض بما نصّ عليه القرار 2254 من إجراءات الثقة، خصوصاً وقف النار، وهي التي تعطلت بسبب الوصاية السعودية على المعارضة، وزجّها بالجماعات الإرهابية ضمن صفوفها، بينما دأبت موسكو وطهران على المناداة بالتفاهم على تكوين لائحة للتنظيمات الإرهابية لمنع ضمّها إلى الحوار من جهة وعدم شمولها بوقف النار، الذي بقي ينتظر تحديد مع مَن يكون وقف النار، وكانت روسيا وإيران قد قرّرتا مقاطعة لقاء فيينا الذي عُقد في نيويورك وأعقبه صدور القرار الأممي لولا زيارة كيري إلى موسكو والتزامه بإنجاز هذا التفاهم وتضمين لائحة التنظيمات الإرهابية كلاً من «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» و«جيش الفتح» والمكوّنات المشابهة، فجاء التركيب السعودي للوفد المعارض يسمّي ممثل «جيش الإسلام» كبير المفاوضين ما يجعل السعودية وفقاً لكلام المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في الإحاطة السرية أمام مجلس الأمن قبل خمسة أيام، كما أوردت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، يتهم السعودية بعرقلة مساعي الحوار في جنيف.

لبنانياً بردت سريعاً حرارة إطلاق القوات اللبنانية دعمها ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، وتراجعت بالسرعة ذاتها فرضيات انعقاد جلسة انتخاب تنافسية في الثامن من شباط أو موعد قريب منه لتحلّ مكانها، التحضيرات لرئيس إجماع، يضمن تحقيق النصاب الذي صار ثابتاً أنه لن يتحقق للعبة تنافس انتخابية، تشعر الكتل النيابية أنها مغامرة تُدعى من خلالها إلى توفير النصاب لمنح خيار رئاسي يضمر لها التحدّي فرصة إبصار النور، فيصطفّ الجميع عن التمسك بوضوح المشهد الرئاسي قبل قرار المشاركة في إنتاج الرئيس العتيد نصاباً وانتخاباً.

وعلى إيقاع التباعد في الخيارات الرئاسية، والعودة إلى المواقع الأصلية للأطراف المختلفة، عاد تيار المستقبل إلى تنظيم حملة استهداف لوزير الخارجية جبران باسيل على خلفية موقفه في المؤتمر الإسلامي برفض المشاركة في موقف سلبي بحق إيران، بينما أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية أنّ علاقته بالرئيس سعد الحريري ليست كما يرام، مشيداً بموقف النائب وليد جنبلاط الذي وصفه بالمتفهّم لمعاني ترشيح القوات للعماد عون.

حملة «مستقبليّة» على باسيل

شن تيار المستقبل أمس حملة مبرمجة وممنهجة سياسياً على وزير الخارجية جبران باسيل، إثر موقف لبنان في منظمة التعاون الإسلامي، قادها الرئيسان سعد الحريري والسنيورة وانضمّ إليهما رئيس الحكومة تمام سلام، معلناً من دافوس أن «أصل النزاع بين إيران والسعودية هو التدخل الإيراني القائم منذ سنوات في العالم العربي والذي يزيد الأوضاع تعقيداً». وسأل «بما أن السعودية تعلن أنها لا تتدخّل في شؤون إيران فلماذا تتدخل طهران في شؤوننا الداخلية ولماذا تزيد الأوضاع تعقيداً».

وأكد الرئيس الحريري «أن النأي بالنفس عن موقف عربي جامع في المؤتمر الطارئ لوزراء خارجية المؤتمر الإسلامي للتضامن مع السعودية في مواجهة ما أسماه الاعتداءات على بعثاتها الديبلوماسية في إيران ولرفض ما ادعى أنه تدخل إيراني في الشؤون العربية، يتحوّل اصطفافاً حين تجد الخارجية اللبنانية نفسها للمرة الثانية وحيدة خارج موقف جميع الدول العربية بلا استثناء وتنأى بنفسها وحيدة عن قرار تؤيده جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي باستثناء إيران المعتدية على البعثات الدبلوماسية والسيادة العربية». وسأل «عن ماذا نأت الخارجية اللبنانية بنفسها هذه المرة، خصوصاً أن البيان لم يتضمَّن أي ذكر للبنان أو أي تنظيم سياسي لبناني، أم أننا في صدد محاولة للنأي بالديبلوماسية بعيداً من لبنان وعروبته نحو إيران وعدوانيتها ومصالحها التوسعية»؟

وطالب الرئيس السنيورة بدوره الحكومة «بتصحيح هذا الخلل الفاضح والمتكرّر الذي ارتكبته وترتكبه وزارة الخارجية انسجاماً مع الإجماع العربي وإجماع دول منظمة المؤتمر الإسلامي وحفاظاً على مصالح لبنان واللبنانيين».

الموقف يحفظ الوحدة الوطنية

وردّت وزارة الخارجية على ما يتم التداول به، موضحة في بيان أنّها كانت قد أعطت التعليمات لسفير لبنان لدى منظمة التعاون الإسلامي قبل انعقاد الاجتماع بوجوب اتخاذ الموقف نفسه المشابه للموقف السابق في الجامعة العربية، في حال تضمّن القرار المضامين نفسها الواردة سابقاً، وذلك التزاماً بسياسة الحكومة القاضية بالنأي بلبنان عن هذه المواضيع المشابهة والمرتبطة بالأزمة السورية، وعملاً كذلك بالتوافق على هذا الموقف الذي ظهر جلياً على طاولة الحوار الوطني حول هذا الموقف في جلسته الأخيرة، إبان عرض وزير الخارجية لمعطيات وموجبات الموقف اللبناني آنذاك والتي تكرّرت نفسها الآن في منظمة العمل الإسلامي، وهو الموقف الذي يحفظ الوحدة الوطنية من خلال الالتزام بالبيان الوزاري وبسياسة حكومة الوحدة الوطنية.

«المملكة».. وورقة التعطيل

وتوقفت مصادر سياسية لـ«البناء» عند توقيت هذه الحملة. وأشارت المصادر إلى «أن المواقف التي يتخذها تيار المستقبل والتي عبر عنها الحريري والسنيورة ومال إليها الرئيس سلام لن تغيّر في الواقع بشيء ولن تعيد لبنان إلى دائرة الهيمنة السعودية. ودعت المصادر الحريري إلى عدم التصعيد في المواقف التي لن تبدّل تبديلاً في واقع الأمور بل سترتد على أصحابها وتقطع الطريق عليهم في سعيهم إلى رئاسة الحكومة التي يعمل الحريري جاهداً إلى عودة إليها لتعويض إفلاسه».

ولفتت المصادر إلى «أن ذلك مرده ما حصل في لقاء معراب، ويبدو أن المملكة السعودية شاءت أن تُفهم العماد ميشال عون الذي قال عن مواقف الوزير باسيل إنها «بـتبيِّض الوجه»، أن الفيتو على وصوله إلى الرئاسة يشتد قسوة، ولن تسمح السعودية بوصوله إلى قصر بعبدا». ورأت المصادر «أن الفضيحة تكبر في مواجهة السعودية التي تدّعي أنها لا تتدخّل في الشأن اللبناني في الوقت الذي تقطع فيه الطريق على الرئاسة، وهي التي تتخبط في خيباتها ولم تعد تملك إلا ورقة التعطيل، فهي كما عطلت المفاوضات السياسية اليمنية وتتجه إلى تعطيل المباحثات السورية اتخذت قراراً بتعطيل الانتخابات الرئاسية في لبنان».

الطاعة للعهد السعودي

واستغربت مصادر في 8 آذار لـ«البناء» «كيف ينضمّ الرئيس سلام إلى الرئيسين الحريري والسنيورة وأن يأخذ موقفاً في الاصطفافات»، مشيرة إلى «أن هذه المواقف هي أولاً في إطار الاستمرار في تقديم الطاعة والولاء للعهد السعودي الحالي بشخص الأمير الحالي محمد بن سلمان والاستمرار في تأكيد الالتزام بأمر العمليات السعودي بخاصة أن المملكة منكبّة على مراقبة أي مواقف من أي دولة، مهما كانت صغيرة مثل جزر القمر، فما بالنا بلبنان الذي «نغّص» على الرياض سعادة إدانة طهران بالإجماع في مؤتمر الجامعة العربية ثم في مؤتمر التعاون الإسلامي!». ولفتت إلى «أن هدف الثلاثي سلام السنيورة الحريري تعويض موقف لبنان الرسمي الذي عبر عنه وزير الخارجية، بموقف لبناني رسمي آخر متمايز عبر عنه سلام رسمياً، والحريري والسنيورة سياسياً». وشددت المصادر على «أن هذا الموقف يؤكد إطلاق النار على الجنرال عون الذي يحظى ترشيحه بدعم كبير من حزب الله وتبنّى ترشيحه مؤخراً رئيس حزب القوات، من خلال نافذة الوزير باسيل».

جولة بون عشية زيارة روحاني الفرنسية

في غضون ذلك، توقفت مصادر سياسية عند الجولة التي يقوم بها السفير الفرنسي ايمانويل بون على القيادات السياسية ولقائه أمس، رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية بعدما التقى أول أمس، رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، رئيس حزب القوات سمير جعجع، رئيس حزب الكتائب سامي الجميل ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط في أول حراك دبلوماسي عقب لقاء معراب بين عون وجعجع. وأكدت المصادر «أن جولة بون التي لم تكن مقررة ورتِّبت بشكل سريع تهدف إلى تكوين صورة متكاملة تسمح أن يكون ملف الاستحقاق الرئاسي كاملاً في 29 من الشهر الجاري عشية زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الفرنسية ولقائه الرئيس فرنسوا هولاند».

الولايات المتحدة والفيتو السعودي

وينطبق الأمر أيضاً على زيارة المبعوث الأميركي ريتشارد جونز إلى رئيس حزب القوات سمير جعجع. ولفتت مصادر مطلعة على أجواء اللقاء لـ «البناء» إلى «أن الأميركي معني بهذه اللحظة بفهم كيف تتحرّك الأمور بعد تبني جعجع لعون، وما هي قوة الدفع وكيف تلقفت القيادات السياسية هذه المبادرة، وعلى هذا الأساس سيتبلور الموقف الأميركي»، مشيرة إلى «أن الأميركي لا يتحدث عن أشخاص بقدر ما يضع عناوين ومعايير عامة»، وأضافت أن «أي توافق يلبي هذه المعايير لن يمانع الأميركي في السير به، وهذا ما حصل خلال طرح الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية».

وإذ أشارت مصادر وزارية في 14 آذار لـ«البناء» إلى «أن الأجواء الإقليمية غير مؤاتية ولم تنضج لانتخاب رئيس»، مشددة على «أن الاصطفاف انتقل من تحت إلى فوق ولا أحد يعمل لإيصال مرشحه»، مضيفة» هناك تخمة مرشحين ولا انتخابات وهذه حالة غير طبيعية». وإذ أكدت المصادر الوزارية «أن الفيتو السعودي على وصول العماد عون مستمرّ»، تساءلت إن «كانت الولايات المتحدة ستجاري السعودية في الفيتو عليه»؟ .

أصوات الكتائب لـ «أمين»

وأعلن رئيس حزب الكتائب سامي الجميل أن الكتائب لا تنظر إلى الشخص بموضوع الرئاسة، ولكن إلى مشروعه. وأكد أن حزبه لن ينتخب مرشحاً يحمل مشروع 8 آذار، بل مرشحاً لبنانياً يحمل مشروعاً صُنع في لبنان. وسأل الجميل عون عن موقفه من سياسة لبنان الخارجية وخاصة بالموضوع السوري، وإذا كان مع الرئيس بشار الأسد او على الحياد. وقال: «لن نقبل أن يقيد مشروع الرئيس المقبل السيادة الوطنية». وعلمت «البناء» من مصادر كتائبية «أن الاتجاه داخل حزب الكتائب هو تصويت النواب الخمسة بأوراق تحمل اسم الرئيس أمين الجميل إذا عقدت الجلسة في 8 شباط»، مشيرة إلى «أن النائب إيلي ماروني الذي التقى أمس الوزير نهاد المشنوق موفداً من الرئيس أمين الجميل وضعه في أجواء القرار الكتائبي».

جعجع: لا اتصال مع الحريري

وأوضح رئيس حزب القوات أن ما دفعه لترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون أولاً الشغور الرئاسي المتمادي منذ سنة ونصف، والسبب الثاني هو ترشيح النائب سليمان فرنجية «الذي قطع الطريق على أي مرشح وسطي أو من 14 آذار».

ورأى أن أول مَن تلقف المبادرة بإيجابية كان النائب وليد جنبلاط، مشيراً إلى أن البيان الذي صدر عنه بالأمس لم يحسم ترشيحه لعون إنما أعلن أن الاحتمالات مفتوحة. وكشف أن آخر اتصال مع الرئيس سعد الحريري كان بعد ترشيح فرنجية، مؤكداً أن العلاقة ليست على ما يرام بالوقت الحالي، إنما سيعمل جهده لتعود الأمور إلى ما كانت عليه. وأكد أن لا اتصال بين القوات وبين حزب الله إنما عون على اتصال وتنسيق مع حزب الله. وقال: «سنصل لانتخاب رئيس جمهورية في نهاية المطاف، إنما الأمور تأخذ مداها ومن غير المحسوم أن تنتج جلسة 8 شباط رئيساً».

المستقبل: لن نعترف

وأكدت مصادر في تيار المستقبل لـ«البناء» رفض تيارها وصول الجنرال عون إلى رئاسة الجمهورية داعية إلى «التقيّد بالميثاقية»، ومشددة على «أننا لن نعترف برئيس يُنتخب في جلسة نيابية لا يحضرها تيار المستقبل وكتلته النيابية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى