رسالة مفتوحة إلى العونيّين: حزب الله جدّي… ولو كان جعجع جدّياً لكان…؟
ناصر قنديل
– في إطلالته التلفزيونية المطوّلة أراد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تسويق التفاهم مع العماد ميشال عون الذي يقوم على تبنّي ترشيح الجنرال للرئاسة، فماذا كانت الحصيلة؟ قال جعجع إنه أنجز ما عليه والطابة الآن في ملعب حزب الله الذي كان قد أعلن مراراً أنّ مرشحه الثابت للرئاسة هو العماد عون، وأنه ملتزم أخلاقياً بهذا الترشيح، مضيفاً سنرى ما إذا كان حزب الله صادقاً بترشيح العماد عون، أو ما إذا كان يريد رئيساً للبنان!
– سنبدأ بجدّية حزب الله، فهل يمكن بعد الذي جرى مع ترشيح النائب سليمان فرنجية من قبل الرئيس سعد الحريري، والتشجيع الذي لقيه الترشيح من النائب وليد جنبلاط وعدم الممانعة من أطراف عديدة من حلفاء حزب الله، وفي طليعتهم الرئيس نبيه بري، التساؤل عما إذا كان رفض جعجع لترشيح فرنجية مثلاً هو الذي عطل الذهاب إلى انتخابه؟ وهل من سبب آخر عطّل ذلك وسعى لإعادة تقديم ترشيح العماد عون كثابت سياسي غير موقف حزب الله؟ وفي الترشيح ما فيه من إغراءات تفادي الاشتباك المذهبي، وليس على حزب الله إلا القول نسير بالترشيح شرط تقديم الضمانات المناسبة للعماد عون ليبارك الترشيح، وبالتالي فتح الباب لمفاوضات يتقدّم فيها حزب الله بشروط مجزية لحساب العماد عون مثل الإصرار على تعديل قانون الدفاع بما يسمح بتعيين العميد المتقاعد شامل روكز قائداً للجيش، ونيل التيار الوطني الحرّ ستة أو سبعة حقائب وزارية منها وزارة المالية للوزير جبران باسيل، وتعهّد فرنجية بأن يتصرَّف وفق معادلة الرئاسة له والزعامة لعون، وفوق كلّ ذلك قانون انتخابات قائم على النسبية، وبدلاً من أن يفعل حزب الله ذلك ذهب إلى القول للجميع، الرئاسة عند عون وهو مرشحنا ولسنا من يمكن أن يطلب منه الانسحاب، وحزب الله يفعل ذلك بعد سنة ونصف السنة من الإصرار على الرئاسة لعون أو لا رئاسة، فهل يمكن أن يسأله أحد بعد كلّ ذلك عن الجدّية، وله بالقصر من أمس العصر، كما يُقال؟
– أما عن السؤال حول ما إذا كان حزب الله يريد رئيساً بالفعل أم يستخدم ترشيح عون لتعطيل الرئاسة، كما أوحى جعجع، فسنرى بعد مناقشة جدّية جعجع بترشيح عون وجدّية الحريري بترشيح فرنجية، والقصد بالجدّية هو عمل ما يجب لضمان وصول المرشح للرئاسة، وليس استخدام الترشيح لإبراء الذمة وتحقيق المكاسب والتنصّل من موجبات السعي لإنجاحه، بعد البحث بجدّية الترشيحَيْن من الحريري وجعجع يصبح مشروعاً السؤال: ماذا كان سيفعل حزب الله لو توافرت هذه الجدّية في الترشيحَيْن؟
– في جدّية الحريري بترشيح فرنجية، أيّ بذل اللازم لإيصاله، يعرف أبسط مبتدئ في العمل السياسي أنّ الطريق لوصول فرنجية، بعد «اقتناع» الحريري بالترشيح، هو تشكيل قناعة مشتركة مع حزب الله، والانطلاق منها لصناعة سلسلة تفاهمات، يكون العماد عون في صلبها، ويكون فرنجية شريكاً فيها، ويكون الرئيس بري عرّابها، وفي المقابل بذل الجهد الموازي مسيحياً من بكركي إلى معراب سعياً للتمهيد والتأييد خطوة بخطوة، فالإخراج هنا ليس مسألة تقنية، وإنتاج الرئاسات على طريقة ترشيح النائب عمّار حوري للرئيس السابق ميشال سليمان زمن ولّى إلى غير رجعة، والحريري لم يسلك هذا الطريق ليس لجهل ونقص في المستشارين، بل لأنه ومَن ومعه ومن وراءه يعلمون أنّ طرح الترشيح، كما طُرح سينتج في وجهه التعقيدات التي تتكفل باستهلاكه كخطوة إعلامية.
– أما عن جدّية جعجع، ماذا لو كان جدّياً؟ لو كان جدّياً لقال إنّ ترشيح القوات للعماد عون يتمّ من موقع إدراك القوات خياراته وتحالفاته المحلية والإقليمية والدولية المخالفة، ولا وهم على أن يخرج العماد عون وينادي حزب الله لسحب مقاتليه من سورية، أو تسليم سلاحه. فالقوات ترى العماد عون مرشحاً مؤهلاً لنيل دعمها كما هو، ومن موقعه وخياراته، لأنها تثق بهويته السيادية والوطنية وبمناقبيته وعصاميته وحرصه واحترامه للدستور، وهذا كافٍ، لا أن يتحدّث عن نسخة أصلية ونسخة تايوانية من الثامن من آذار بطريقة مؤذية وبشعة بحق العماد عون، ولا أن يقول إنّ التفاهم الذي تمّ على مبادئ مشتركة وورقة عمل يشكل ضمانة بالنسبة للقوات، غامزاً من علاقة حزب الله بالعماد عون بعدها بالتساؤل عما إذا كان حزب الله يظنّ أنه قد صادر الجنرال؟
– لو كان جعجع جدّياً لتابع، أنه من موقع إدراك ميزات العماد عون، وهو في خياراته وتحالفاته، يعتبر أننا أمام مرشح له حليفان لترشيحه، واحد من موقع الخيارات المتقاربة هو حزب الله، وآخر من موقع المختلف، ولكن الواثق هو القوات، وهذه فرصة لتسويق الترشيح داخلياً وإقليمياً ودولياً حتى ضمان وصول الجنرال إلى بعبدا رئيساً، وهنا يعترف جعجع أنّ ترشيح حزب الله لعون يجعل مهمة تسويق جعجع للترشيح أصعب كما أنّ ترشيح جعجع لعون يجعل مهمة حزب الله أصعب في التسويق، لكنه يضيف أنّ التغلب على هذه المصاعب ممكن، فالقوات تستطيع أن تقول لحلفائها المحليين والإقليميين والدوليين، وهي لاعب رئيسي بين حلفائها، بأنّ أهل مكة أدرى بشعابها، وكون الرئاسة شأناً مسيحياً، بقدر ما هي خلاف ذلك، فمن حقه على الحلفاء أن ينظروا بعين الخصوصية لترشيحه لعون، هذا عدا عن الإدراك أنّ ضمان قبول الحريري وجنبلاط بالترشيح، أقلّه بقبول تأمين النصاب، يستدعي تفاوضاً وتبادلاً للضمانات يقول عندها جعجع، أريد أن أكون واضحاً، لا أنا ولا الجنرال نريد رئاسة بنصف اللبنانيين وبشعور نصفهم الآخر أنها على حسابهم أو أنها هزيمة لهم، ومستعدّون بما لنا من ثقة متبادلة مع حلفائنا في الداخل والخارج أن نقدّم للآخرين كلّ التوضيحات والضمانات بالتنسيق مع العماد عون، بما يزيل هواجسهم ويلبّي الحدّ المقبول من طلباتهم، فلماذا تنصّل جعجع من كلّ مهمة تجاه حلفائه، واعتبر أنه أدّى ما عليه وانتهى؟
– لو كان جعجع جدّياً، لما قال إنّ حزب الله يستطيع بجرّة قلم أن يجلب حلفاءه لانتخاب الجنرال، وهو يعلم أنّ الأمر ليس كذلك، بل يعلم أنّ حجم الاستفزاز الذي يتضمّنه هذا الكلام يجعل مهمة حزب الله مع الحلفاء أصعب وأعقد، فهل هذا ما يريده، تسهيل المهمة أم تعقيدها؟ التسهيل كان يستدعي العكس، أن يعترف جعجع بتعقيد مهمة حزب الله في إقناع حلفائه بعد تبنّي القوات للترشيح من جهة وترشيح فرنجية من قبل الحريري حليف جعجع من جهة مقابلة، فيعترف أنه يدرك خصوصية كلّ فريق من حلفاء حزب الله إضافة لتعقيد وجود مرشح حليف لحزب لله ولحلفائه في التداول ومدعوم من الحريري حليف جعجع وهو فرنجية، ويعلم أنه كما لا يستطيع هو أن يجلب حلفاءه إلى هذا الخيار بجرّة قلم، رغم مكانة الخصوصية المسيحية التي تمنحه ميزة لا يملكها حزب الله غير المسيحي، فإنّ حزب الله لا يستطيع فعل ذلك، ولكنه يعتقد أنّ حزب الله يستطيع أن يذلل عقبة فرنجية بإدارة حوار تبادل ضمانات بينه وبين الجنرال مقابل خوض جعجع حواراً مماثلاً بين الجنرال والحريري، ويضيف جعجع ولأننا ندرك أهمية مباركة القوى الإقليمية والدولية لضمان نجاح الرئيس العتيد في مهمته، فالقوات ستسعى مع حلفائها للقول إنّ تحالف الجنرال مع حزب الله لا يشكل تعطيلاً لممارسته للرئاسة من موقع سيادي بل يسهّل هذه المهمة، ويكفي أن يسعى حزب الله مع حلفائه للقول إنّ تبني القوات لهذا الترشيح لا يضعف خيارات عون، بل يمنحه مع الشرعية الوطنية ومزيداً من التصالحية والمشروعية المسيحية.
– لم يقل جعجع أياً من هذا بل قال عكسه، وكان يكفي مثلاً أن يقول أنا مستعدّ لتسهيل مهمة الجنرال أن أزور بنشعي شخصياً وأن أقف على خاطر النائب فرنجية وأضعه في أجواء الخيار مع الجنرال وأتمنّى دعمه، ومستعدّ أن أزور طرابلس وأعزّي بالرئيس الشهيد رشيد كرامي، وبعيداً عن الاتهام أعتذر عن أيّ شبهة في ذهن العائلة الكريمة والعريقة حول مسؤوليتي ودوري في الجريمة!! لم يفعل جعجع ولم يقُل ليس لأنه لا يعرف، بل لأنه لا يريد، ويكفيه عنده تحقيق مرابح الترشيح دون بذل أيّ جهد يسهل مهمة وصول الجنرال للرئاسة، لأنّ المسموح لجعجع هذه هي حدوده، أما الرئاسة فقرارها ليس عنده، حدود جعجع هي الحصول على مكاسب مسيحية فئوية تصالحه مع جمهور العونيين وتتيح له الحلم بمكانة الزعيم الذي يرث عون لاحقاً، بإزالة مناخ العداء، وربما استبداله بالعرفان، والحصول على معادلة انتخابات نيابية مريحة، سواء وصل الجنرال للرئاسة أم لم يصل، تغنيه عن تسوّل مقاعد القوات من حليفيه الحريري وجنبلاط.
– لأنّ الحريري لم يتعامل مع ترشيح فرنجية إلا كما رشح النائب عمّار حوري الرئيس السابق ميشال سليمان، ولأنّ جعجع لم يتعامل مع ترشيح الجنرال إلا وفق معادلة اللهم اشهد أني بلغت، تعامل حزب الله بجدّية، لأنه يريد إيصال الجنرال للرئاسة، ويريد الحفاظ على حليفه فرنجية، ولأنه يريد إنتاج رئاسة وليس ألاعيب السياسة، فالتزم الهدوء، وهو يدرك أنّ الرئاسة التي يشعر غالبية المسيحيين أنها انتزعت منهم، ولو لحليف كفرنجية لن تكون بأمان، مثل الرئاسة التي يشعر السنة والدروز أنها مشروع حرب ضدّهم لن تكون بأمان، ولأنه يدرك أنّ الانتخاب يحتاج إلى تأمين النصاب وهو ثلثا النواب، وهو مستحيل بدون الكتل الكبرى أصلاً، ما يعني أنّ التوافق اللازم لتأمين النصاب سيكون من ضمنه حكماً إنتاج رئيس إجماع لا رئيس تنافس انتخابي، فلننتظر تفاهماً بين المرشحَين عون وفرنجية ونسعى إليه، أو بين صاحبَي الترشيحين الحريري وجعجع وعليهما أن يُظهرا جدّية السعي إليه.