قانون الانتخابات يعزّز تحالف عون ـ جعجع أم يقوّضه؟
د. عصام نعمان
لم يكن مفاجأة لأحد تحالف ميشال عون مع سمير جعجع وقيام الثاني بترشيح الأول لرئاسة الجمهورية. ذلك أنّ الاتصالات ومساعي تدوير الزوايا بين القطبين المسيحيين كانت ناشطة على قدمٍ وساق منذ أكثر من سنة. لكن المفاجأة المنتظَرة ستقع بعدما يُنتخَب العماد عون أو يتعذّر انتخابه ويصل القطبان إلى ساعة تقرير الخطوة التالية الحاسمة لجهة قانون الانتخاب: هل يبقى جعجع متفقاً مع عون، بعد انتخابه رئيساً، على إقرار قانونٍ للانتخابات على أساس التمثيل النسبي؟ وإذا تعذّر انتخاب عون، هل يجاري جعجع العماد عون في خطوة محتملة للنزول إلى الشارع مع سائر القوى البرلمانية والشعبية من أجل فرضه على سائر أهل النظام خارج الأطر «الدستورية» التقليدية؟
للعماد عون مزايا متعدّدة لعلّ أبرزها مجاهرته دائماً بضرورة التغيير، تغيير النظام الطوائفي الفاسد وصولاً إلى تجديد القيادات السياسية. في هذا السياق، استجاب عون لدعوة القوى الوطنية والاجتماعية الحيّة إلى إقرار قانونٍ للانتخابات على أساس النسبية. بل إنّ العماد لم يكتم استعداده، خلال اجتماعٍ قبل شهرين مع وفد من ممثلي تلك القوى، للنزول إلى الشارع مع سائر هيئات الحراك الشعبي من أجل الضغط على أهل النظام لحملهم على إقرار قانون الانتخابات المنشود بغية إجرائها وفق أحكامه، على أن يقوم البرلمان الجديد بانتخاب رئيس الجمهورية. وعندما طالبتُه بأن يُقدِم وحلفاءه، في حال امتناع أهل النظام عن إقرار قانون الانتخابات المطلوب، على عقد مؤتمر وطني جامع يتولى وضع نظام للانتخابات على أساس النسبية وإجرائها وفق أحكامه بإدارة لجنة تنفيذية يعيّنها لهذه الغاية، أبدى العماد موافقةً مبدئية على اقتراحي، لكنه دعا إلى التركيز، أولاً، على المرحلة الأولى من التحرك الشعبي المقترح لأنها كفيلة، في تقديره، بحمل أهل النظام على الاستجابة لمطلب إقرار القانون المنشود.
لا شك في أنّ التحالف الذي أُعلن بين عون وجعجع في 18 الشهر الحالي وسّع قاعدة التأييد الشعبي للعماد كمرشح جدّي لرئاسة الجمهورية، لكنه لم يؤمّن له، بعد، الأكثرية اللازمة في مجلس النواب لانتخابه. أرى أنّ الأكثرية المطلوبة صعبٌ تأمينها للغاية قبل جلسة البرلمان المحدّدة في 2016/2/8، لكنها ليست مستحيلة. الأرجح أنّ السعي المحموم لتأمينها سيطول، لا سيما إذا ما ارتأت السعودية عدم تظهير موقفها لحلفائها اللبنانيين قبل توصّل الولايات المتحدة وروسيا إلى صيغة تسوية لتمثيل أطراف المعارضة السورية، المتعددة والمتنازعة، في مؤتمر «جنيف – 3» قبل اجتماعه الأول بتاريخ 25 الشهر الحالي، أو ربما بعد انتهاء أعماله.
تقديري أنّ الضوء الأخضر السعودي لانتخاب عون سيطول انتظاره. حتى لو جرى انتخاب عون بعد شهر أو شهرين، فإنّ اختلافه مع جعجع وقوى سياسية أخرى تقليدية حول قضية التمثيل النسبي سيبقى احتمالاً قوياً وله تداعياته. ذلك كله سيضع عون المرشح كما عون الرئيس أمام سؤال مفتاحي: ما العمل لتحقيق مطلبه ووعده باعتماد قانونٍ للانتخابات على أساس النسبية، بما هو المدخل والوسيلة لمباشرة التغيير المرتجى والموعود؟ وهل ينسى عون أنّ حزبه أجرى انتخابات داخلية ناجحة على أساس النسبية شملت معظم مناطق لبنان، وأنها جديرة باتخاذها قدوةً في هذا المجال؟
في موازاة هذا السؤال، وربما قبله، ينطرح سؤال آخر بالغ الجدّية: هل يبقى عون المرشح، وقد أصبح أقوى بتحالفه مع جعجع، مستعداً لتنفيذ خيار النزول إلى الشارع مع أطراف الحراك الشعبي والقوى الوطنية والاجتماعية الحيّة لفرض مطلب التمثيل النسبي على أهل النظام؟ ثم، هل يجاري جعجع حليفه العماد في سلوك هذا المسلك الشعبي أم يبقى بمنأى عنه، أو ربما معارضاً له؟
القوى التقليدية المتشاركة على مرّ التاريخ في تقاسم كعكة السلطة في النظام الطوائفي الفاسد لا يهمّها البتة تقديم أجوبة عن هذه الأسئلة، لأنّ اهتمامها منصبّ، بطبيعة الحال، على مسألة احتفاظها بالسلطة من خلال إبقائها النظام بمنأى عن أيّ تجديد نوعي. غير أنّ عون معنيٌّ جداً بالإجابة عن هذه الأسئلة، لكونه معنيّاً بالدور الذي يريده لنفسه، كما بما سيقوله عنه التاريخ.
القوى الوطنية والاجتماعية الحية، وهي فريق ثالث مستقلّ عن فريقَيْ 8 و14 آذار وملتزم نهج المقاومة وخيار الدولة المدنية الديمقراطية، معنيّ بأجوبة عون عن الأسئلة سالفة الذكر، إذ في ضوئها سيقرّر المثابرة على تأييده بما هو داعية تغيير وتجديد من خلال نظام التمثيل النسبي أم سيُضطر إلى وقف دعمه له والرهان عليه من دون مناوأته بالضرورة.
الأسئلة المطروحة مهمة ومحرجة في آن، لكون الأجوبة عنها ستقرّر سلوكية القوى السياسية المتصارعة في لبنان وما إذا كان قادتها سيضعون عقولهم وأرجلهم على مسار الخروج من أزمة مزمنة شديدة التعقيد والقسوة، أم أنهم سيثابرون على إنتاج المزيد من الشيء نفسه بلا نهاية منظورة.
لا شك في أنّ للقوى الخارجية المتصارعة في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى للصراع في سورية وعليها تأثيراً في بلورة الإجابة عن الأسئلة المطروحة. ومع ذلك فإنّ للبنانيين، قياديين ومواطنين، دوراً وازناً في تسوية الأزمة أو الإمعان في تعقيدها، ذلك أنّ القوى الخارجية منشغلة بنفسها وبصراعاتها وغير قادرة، تالياً، على ممارسة تدخلات مؤثرة كما في الماضي، الأمر الذي يوّفر للبنانيين، ولا سيما للوطنيين المستنيرين وذوي الإرادات الطيبة، فرصةً تاريخية نادرة كي يصنعوا خيارهم وقرارهم ومصيرهم بأنفسهم… فهل يتعقّلون ويتجرأون؟