التنّين الصيني والدبّ الروسي يكرّسان انتصار محور المقاومة

أسامة العرب

أدركت الصين أخيراً ضرورة مجاراة نموّها الاقتصادي الكبير بتنامي قدراتها العسكرية، وضرورة دخول الساحة الدولية للحفاظ على مصالحها السياسية، لا سيما بعدما بدأت أميركا تمارس ضغوطها على حكومة بكين لتأييدها انفصال تايوان عنها، في حين أنّ الصين لا تزال ترفع شعار «دولة واحدة ونظامان» أيّ عودة تايوان إلى وطنها الأمّ مع الاحتفاظ بنظامها الداخلي. لهذا، وجهت وزارة الخارجية الصينية على لسان المتحدّث باسمها هونج لي تحذيراً للمجتمع الدولي، مفاده أنّ بلاده تأمل أن يحترم المجتمع الدولي مبدأ «الصين الواحدة»، وأن يعارض استقلال تايوان بكلّ الأشكال ويساند التطوّر السلمي للعلاقات عبر المضيق، مشيراً إلى أنّ سيادة الصين ووحدة أراضيها لا تحتملان القسمة.

فخطط «أميركا ـ أيباك» التآمرية وألاعيبها أصبحت مكشوفة لدول العالم كلّه، وباتت سياستها المعروفة بـ«قبّل يديه واطعنه في ظهره» لا جديد فيها، حيث كانت الصين على دراية بمحاولات واشنطن استخدام تايوان كسلاح لضرب مصالح بكين واستقرارها، لا سيما أنّ التفاهم الدفاعي الأخير بين الولايات المتحدة واليابان والذي سُمح بموجبه للجيش الياباني بلعب دور أكبر في العمليات العسكرية العالمية إلى جانب القوات الأميركية، أقلق بكين ودفعها إلى تحسُّس الخطر. هذا مع العلم بأنّ اللجنة الأميركية ـ «الإسرائيلية» للشؤون العامة «أيباك» والتي تأسّست باسم اللجنة الصهيونية ـ الأميركية للشؤون العامة عام 1953، كانت أوّل من رَسم استراتيجية «الفوضى الخلاّقة» في الشرق الأوسط، وعملت لاحقاً على تسويقها تمهيداً لتمرير مشروع صهيوني جديد هو «يهودية الدولة الإسرائيلية» والقدس موحّدة عاصمة أبدية للدولة المزعومة، كلّ ذلك على حساب الاعتبارات الاستراتيجية للشعب الأميركي الذي يجهل تماماً كلّ ما يدور في فلك «الديكتاتورية الخارجية الأميركية»، بسبب تشويه الإعلام الغربي حقائق الأمور، لا سيما تلك الدائرة في «الشرق الأوسط الجديد».

تطوّرت معادلة روسيا والصين، التي كان لها أثر كبير في تغيير المناخ الجيوسياسي في الميزان الدولي، فتمّ تفعيل معاهدة حسن الجوار التي وضعت الأساس القانوني الفعّال لتطوير الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، كما تمّ تفعيل منظمة شنغهاي للتعاون والتي تضمّ، بالإضافة إلى روسيا والصين، كلاً من طاجكستان وأوزباكستان وقرغيزستان وكازاخستان بهدف:

ـ معارضة السياسات الأميركية والعالم الأحادي القطب.

ـ التشديد على الدور القيادي للأمم المتحدة وضرورة تطبيق القانون الدولي.

ـ تأسيس مركز قانوني لمكافحة الإرهاب مقرّه العاصمة القيرغيزية بشكيك.

ـ وضع الأساس القانوني للتصدّي للإرهاب المشترك والتطرف التكفيري.

ـ تركيز الاهتمام والجهود على التنمية في مجالات عدّة أبرزها التكنولوجيا والتجارة والصناعات الحديثة.

وتمّ أيضاً تفعيل مجموعة دول «بريكس» التي كان لها دور أساسي في تحقيق الوحدة الاقتصادية والسياسية بين كلّ من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. فاجتمع مجلس رؤساء وزراء بلدان شنغهاي للتعاون وأقر خلال اجتماعه في العاصمة الكازاخستانية أستانا خطة الفعاليات في إطار برنامج التعاون التجاري الاقتصادي بين الدول الأعضاء، من أجل مواصلة العمل على استحداث بنك للتنمية، وصندوق لتنمية «المنظمة» لكسر هيمنة صندوق النقد الدولي على السياسات الاقتصادية في العالم.

واليوم يجري العمل على إنشاء منظمة جديدة للغاز الطبيعي موازية لمنظمة «أوبك»، وإنما برئاسة روسية. كما يجري العمل على إجراء تدريبات عسكرية مشتركة روسية ـ صينية في البحر المتوسط، وهي المرة الأولى التي تجري فيها الدولتان مناورات عسكرية في هذه البقعة من العالم، في ظلّ تزايد الأزمات فيها. علماً بأنّ الصين وروسيا تجريان تدريبات بحرية في المحيط الهادئ منذ العام 2012، إلا أنّ خطوة هذه المناورات الفريدة في البحر المتوسط، تأتي في ظلّ قيام الولايات المتحدة بتعزيز تعاونها العسكري مع حلفائها في آسيا، لمواجهة ما تعتبره مساعي صينية للمطالبة بحقّها في السيادة على مناطق بحرية.

هذا التحوّل في النظام العالمي الجديد إلى عالم ثنائي القطب: الولايات المتحدة من جهة، والحلف الروسي ـ الصيني من جهة أخرى، يجب ألاّ يُستهان به، لا سيما أنّ الهند والبرازيل تقفان وراء القطب الثاني، وتفلت دول أميركا اللاتينية من قبضة الولايات المتحدة.

جاءت جولة الرئيس الصيني شي جين بينغ في الشرق الأوسط والتي شملت كلاً من إيران ومصر والسعودية، لتؤكد للعالم أجمع أنّ الصين أصبحت قوة عظمى وشريكاً أساسياً في تقرير مصير الشرق الأوسط برمّته، لا سيما في مجالات إعادة الإعمار وتحقيق الانتعاش الاقتصادي والاستقرار المفقود. وما القلق الذي يعتري اليوم أميركا و«أيباك» والمحافل «الإسرائيلية» من تصاعد النفوذ الصيني ـ الروسي ونفوذ محور المقاومة، لا سيما بعد توقيع الإدارة الأميركية، مكرهة، على اتفاقية تسوية ملف طهران النووي ورفع العقوبات عنها، وإذعانها مذلولة لبقاء القواعد العسكرية الروسية في سورية للقضاء على الإرهاب التكفيري، إلا أكبر دليل على أنّ المنتصر الأكبر في هذا التحوّل العالمي الجديد هو محور مقاومة «إسرائيل» وإرهابيّيها لتحرير فلسطين والقدس والمسجد الأقصى من رجس الصهاينة، ولكسر هيمنتهم على الشرق الأوسط المُمزّق.

محامٍ، نائب رئيس صندوق المهجّرين سابقاً

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى