ريفي يدفع ثمن الخطاب «المتهوّر» عندما تأتي التسويات
روزانا رمّال
وسط زحمة الخيارات وقلة القرارات وعدم القدرة على الحسم القريب في المنطقة تعيش التحالفات السياسية الإقليمية والدولية ازدواجية مواقف تثير الانتباه وتلفت إلى أنّ المواقف تلعب على أوتار الظرف واستغلاله كفرصة، وليس المبدأ وخلق الظرف المناسب له، ففي الحرب المستمرة على سورية منذ خمس سنوات، ظهرت السعودية وتركيا متفقتين على أهمية تنفيذ مهمة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وكسر هيبة الدولة السورية، لكن بالخروج من سورية نحو مصر حيث اجتاح «الإخوان المسلمون» البلاد واعتلوا سدة الرئاسة، نجد الخصومة الكبرى بين النظام السعودي وبين حكومة أردوغان التي يتزعّم حزب العدالة والتنمية، وهو الأب الروحي لحزب الحرية والعدالة المصري، وفي هذا الإطار عمّمت السعودية مفهوم العداوة الكبرى مع «الإخوان» أينما حلوا وفرضت عليهم إجراءات صارمة في كلّ دول الخليج، حتى تمّت ملاحقتهم لطردهم، عائلات كانوا أم أفراداً.
الازدواجية هنا بين الحلفاء لم تؤدّ إلى انعدام فرص التلاقي، فسورية واحدة من الأمثال التي قرّبت وبعّدت وأعادت رسم الأولويات بين الحليف والحليف على قاعدة الانضواء تحت رغبة الأميركي القادر على ضبط إيقاع الحلفاء وتوزيع مكامن الاختلاف بينهم فرصة لاستخدامها في المناورات. بمعنى آخر، فإنّ هذه الخصومة ساعدت واشنطن في توسيع الخيارات وإطالة عمر الحروب التي أرادتها، فالخلاف التركي السعودي في مصر حتّم إعطاء فرص لتركيا أولاً لتطبيق توجهاتها، فراقب الأميركي نجاعتها، ثم أعطى فرصة للسعودية التي نجحت وساعدت في تثبيت حكم الرئيس السيسي، وكانت واشنطن خلال تلك الفترة تستفيد من المناورات السياسية وتطيل عمر الإرباك وتعطي فرصاً لنمو تنظيمات متطرفة استغلت أحداث المنطقة.
في لبنان تبرز اليوم خلافات بين الحلفاء والحلفاء المتقابلين، وقد طرأت فجأة صيغ لقبول الخصوم التاريخيين بعضهم لبعض، لكن الأهمّ كان قبول خصوم الرئيس السوري بشار الأسد في لبنان، وهم حلفاء الرياض تيار المستقبل – بإيصال صديق الرئيس السوري النائب سليمان فرنجية إلى سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية، بشكل أثار التساؤلات ليتبعه قرار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بدعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، حيث وقعت المصالحة المسيحية لأكبر حزبين متناحرين تاريخياً. وهنا يمرّ لبنان بفرص إتاحة الظرف المناسب للمناورة على غرار ما حصل إقليمياً على مستوى الدول داخل الحلف الواحد، لكن تحت غطاء أميركي موحّد يمكن اعتباره في لبنان موجوداً بين كواليس يعرف المعنيون تماماً هويته.
لا يريد بعض صقور الحرب على سورية في فريق الرئيس الحريري مثل وزير العدل اللبناني أشرف ريفي الانسجام مع ما طرحه حلفه أو من ينتمي إليهم سياسياً بدعم الحريري ترشيح فرنجية رئيساً للجمهورية، مع انه عبّر عن رفضه أيضاً لطرح جعجع دعم ترشيح عون قائلاً: «نريد رئيساً لا يتباهى أنه شقيق المجرم، لا يساوم على أمن وطنه، ويصون علاقات لبنان العربية، وليس حصان طروادة لإيران والمشروع الفارسي، ليس مرتهناً للنظام السوري وإيران أياً كان، يخالف الثوابت الوطنية في 14 آذار، وقد أعلنا مراراً رفضنا لانتخاب رئيس من فريق 8 آذار، والاستسلام ليس موجوداً في قاموسنا».
في فهم كلام ريفي يجب التركيز على فرنجية كخيار طُرح من قبل رئيس ريفي سعد الحريري الذي يعرف صفات فرنجية كلها، وقبل بها بل «فضّلها» من دون الأخذ بعين الاعتبار أولويات 14 آذار التي تحدّث عنها ريفي، وفرنجية حتماً مخالف لثوابتها، وهو يدرك اليوم أنّ الحريري ضرب بعرض الحائط هذه الثوابت معلناً نعيه لمشروع استُنفِد وبات تخطيه ضرورياً، لأنّ إقرار الحريري وجعجع معاً بضرورة أن يكون الرئيس من فريق 8 آذار لاقتسام السلطة هو إقرار بأنّ زمن التفرّد قد ولى، وأنّ الحساب الأميركي الذي ساد بعد اغتيال الحريري بتحويل هوية لبنان لوجهته قد انتهى.
يعرف ريفي أنّ الحريري قدّم طرحه لفرنجية بناء على متغيّرات إقليمية يعرفها السعودي، مرجعية الحريري وفريقه، لكن خروج ريفي عن السكة علناً وعبر وسائل الإعلام يؤكد أنّ هناك ما يضرب خياره الذي سلكه بالأزمة السورية وضلوعه بشيء «ما» له علاقة بسير الأمور فيها. فريفي ليس هامشياً في اللعبة الأمنية المتعلقة بالميدان السوري من بوابة لبنان، وفي كلّ ما من شأنه تأمين المساعدة للخيار الذي يصبّ بمصلحة إسقاط الرئيس الأسد عسكرياً وسياسياً. وفي الشمال وفي طرابلس تحديداً استطاع ريفي إثبات نفوذه لدى مجموعات متطرفة محدّدة وقدرته على المنافسة والخصومة بينه وبين الرئيس السابق نجيب ميقاتي الذي راعى الخصوصية الطرابلسية سابقاً، تؤكد أنّ ريفي مسؤول أمامها شمالاً ومطالَب بوعود قطعها، والإرهابي شادي المولوي نموذج، وكله مرتبط بالأحداث في سورية.
اليوم، يجد ريفي نفسه محرجاً في حساباته أمام مَن وعدهم بنجاح المهمة في الشمال سياسياً وانتخابياً ونفسياً من أهالٍ ومنتمين ومدرّبين ومَن يرون فيه أمل الثبات والوقوف ضدّ أيّ مشروع يعيد الأمل لحلفاء الأسد في البلاد، وارتأى تقديم الاعتراض الذي لن يغيّر شيئاً في موقف الحريري الذي اتصل بفرنجية أول أمس.
الخطاب التصعيدي «المتهوّر» والمتطرف لريفي ورّطه بمواقف وخيارات محدّدة، وأنتج نماذج لن يبقى لها مكان عندما تأتي التسويات، لأنها ذهبت بخياراتها إلى آخر الطريق. سيدفع ريفي ثمن هذا التطرف الذي سيتعزز أكثر عندما يحين موعد المفاوضات الذي بدأ يرخي تشققاً بين الحلف الواحد والحريري الهادئ اليوم والمقتنع بالتسويات على موعد مع الاستقواء بالمناخ الإقليمي الجديد لمواجهة ما يحصل داخل تياره.