بين بايدن والجبير… المشروع الهدّام

معن حميّة

قبل أيام قليلة أعلن وزير البلاط السعودي عادل الجبير لـ«سي أن أن» الأميركية قائلاً: «يمكننا البحث في إمكانية إرسال قوات خاصة إلى سورية». وبعد يوم على كلام الجبير، أعلن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وزراء تركيا أحمد داوود أوغلو، عن الاستعداد لحلّ عسكري في سورية في حال فشل الحلّ السياسي. فهل ثمة ترابط بين الإعلانين المذكورين؟

البيت الأبيض سارع إلى التنصّل من تصريح بايدن، موضحاً أنه كان يقصد بتصريحاته حول العمل العسكري في سورية تنظيم «داعش» حصراً. أما البلاط الملكي في الرياض، فلم يُصدر أيّ توضيح بشأن ما أعلنه الجبير، وهذا برأي متابعين، أمر طبيعي، إذ إنّ الولايات المتحدة الأميركية دولة مؤسسات، وموقفنا المناهض لسياساتها في المنطقة لا يقلّل من شأنها ومن كونها قوة كبرى، في حين أنّ هناك ممالك لا تزال على قائمة «أشباه الدول»، ليس فيها مؤسسات بل «ديوانيات» أمراء وحاشيات.

على أية حال، لا يمكن إغفال فرضية أنّ هناك ترابطاً بين إعلان الجبير وتصريح بايدن، فالاثنان تحدّثا عن تدخل عسكري في سورية. فما هي طبيعة هذا الترابط والتزامن؟

العارفون بطبيعة علاقات وارتباطات الوزير السعودي عادل الجبير، يجزمون، بأنّ هذا الشخص لم يكن ليتولّى منصبه الحالي، من دون وجود قوة مؤثرة وضعته في هذا المنصب المخصّص أصلاً للأمراء، والمغلق في وجه الحاشيات.

ويجزم العارفون أنّ فترة وجود الجبير في الولايات المتحدة الأميركية بصفة سفيراً للسعودية على مدى تسع سنوات 2006 ـ 2015 ، مكّنته من إقامة شبكة علاقات واسعة مع الاتجاهات كلها، لا سيما مع «المحافظين الجدد»، والعديد من المنظمات واللوبيات. علماً أنّ الجبير لم يبدأ بنسج شبكة علاقاته وتمتين ارتباطاته منذ العام 2006، بل قبل ذلك التاريخ بعشرين عاماً، منذ أن عيّنه السفير السعودي الأسبق في واشنطن بندر بن سلطان موظفاً متعاقداً في السفارة عام 1986. ويُقال إنّ بندر بن سلطان وثّق صلاته بجهات متعدّدة، وكان يعتمد عليه في الكثير من المهمات.

ثلاثون عاماً قضاها الجبير في واشنطن موظفاً وسفيراً قبل أن يعيَّن وزيراً للخارجية، فترة كافية لأن تجعل من هذا الشخص متمرّساً في أداء مهامه وفي ترجمة السياسات والتوجهات الأميركية التي لا تخرج قيد أنملة عن سياق المصلحة «الإسرائيلية».

أما نائب الرئيس الأميركي جون بايدن، فهو معروف بدعمه المطلق لـ«إسرائيل»، وفي العام نفسه الذي عُيّن فيه عادل الجبير سفيراً، أعلن بايدن بصفته عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن خطته لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، راسماً من خلال هذه الخطة قواعد ونقاط اشتباك فتنوي طائفي ومذهبي واثني. وتزامن طرح بايدن لتقسيم العراق مع حرب «إسرائيلية» مدعومة أميركياً وغربياً وسعودياً على لبنان بهدف تصفية المقاومة، باعتبار أنّ القضاء على المقاومة في لبنان، ممرّ إجباري يتسنّى من خلاله مواصلة الضغط على سورية الذي بدأ في العام 2004 بالقرار 1559، لشطبها كلياً من معادلة المنطقة. لأنها الدولة الأساسية التي تحتضن المقاومة، وتقف سداً منيعاً في مواجهة مخطط تصفية المسألة الفلسطينية.

في حرب تموز 2006، لم تتمكّن «إسرائيل» وكلّ محور بايدن ـ الجبير وأدواته من اللبنانيين من تحقيق أحلامهم وأهدافهم بتصفية المقاومة. والمقاومون الذين قيل عنهم إنهم «مغامرون» صنعوا نصراً مدوّياً وألحقوا بالعدو هزيمة نكراء، بفعل بطولاتهم وقوّة بأسهم والدعم السوري. ولأنّ حرب تموز 2006 كشفت الكثير من الوجوه المتآمرة، فإنّ الرئيس السوري بشار الأسد لم يخطئ حينما أطلق عبارة «أنصاف الرجال».

لقد رسم جو بايدن في خطته لتقسيم العراق، الخط البياني لمخطط الفتنة في المنطقة، و«الربيع العربي» ليس منعزلاً عن هذا السياق، فمن خلاله تمّ إدخال الإرهاب عنصراً رئيساً لتنفيذ مشروع التفتيت والفتنة.

وبالرغم من أنّ في سجل بايدن إشارة إلى أنه في العام 1988 عولج مرتين من جراء تمدّد في الأوعية الدموية العقلية، وتمّ منعه من ممارسة عمله في مجلس الشيوخ لمدة سبعة أشهر. إلا أنّ خطته التقسيمية شكلت محور سياسات الولايات المتحدة. فالإدارة الأميركية ملتزمة بدويلة كردية في شمال العراق، وهي تتعامل مع هذه المنطقة بصورة مستقلة عن العراق، حتى أنّ التحالف الدولي بقيادة واشنطن، أوقف غزوة «داعش» إلى هذه المنطقة. لذلك فإنّ تصحيح البيت الأبيض لتصريحات بايدن، قد لا يكون لوماً له، بل مقتضيات تكتيكية وسياسية.

وفي سجلّ بايدن، أنه في العام 2014 أعلن الحقيقة أمام طلاب جامعة هارفرد، إذ قال «إنّ تركيا ودولاً أخرى في المنطقة وفّرت الدعم للجماعات الإرهابية في سورية، ومن بينهم تنظيم داعش». حقيقة سرعان ما اعتذر عنها خلال اتصال مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان!

أما اليوم، فإنّ إعلان بايدن من أنقرة «الاستعداد للحلّ العسكري في سورية»، فهذا بالتأكيد تهديد يحمل «طابعاً هداماً»، بحسب وصف مصدر دبلوماسي روسي.

إذن، بين تصريحَي بايدن والجبير رابط أكيد هو التلويح بالتصعيد والتهديد بالتدخُّل، وهما المتدخّلان بفعل دعمهما الإرهاب والهدف من وراء هذه التهديدات هو تحشيد حلف الإرهاب في الوقت الذي تمسك فيه سورية بالمبادرة العسكرية على الأرض وتصل إلى تخوم الأراضي السليبة، فتستعيد سلمى وربيعة، وتُطبق الخناق على الباب وجسر الشغور، وفي وقت تمسك روسيا الاتحادية بزمام المبادرة السياسية، حيث يتمّ التحضير لـ «جنيف 3» خالياً من الإرهاب، من أجل بلوغ حلّ سياسي للأزمة السورية.

بين بايدن والجبير، علاقة واحدة مشدودة إلى مشروع التفتيت والفتنة، وفي نطاق هذا المشروع فإنّ التركي أحمد داوود اوغلو وسفير الرياض في بغداد، وآخرون كثر، ينفثون سموم الطائفية والمذهبية التي تصبّ في مصلحة «داعش» و«إسرائيل».

مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى