سمير آمغار يرصد أحوال «الإخوان المسلمين» في أوروبا

كتب د. خالد عزب: ترصد دراسة «الإخوان المسلمون في أوروبا: دراسة تحليلية لتنظيم إسلامي» تحليليًّا امتداد جماعة «الإخوان المسلمين» في أوروبا كجزء من تركيب الوجود الإسلامي المعاصر في القارة الأوروبية، وتهدف إلى تحليل ظاهرة الإسلام النضالي الذي أوفده «الإخوان المسلمون» إلى أوروبا من خلال تتبع سجلات الدعوة «الإخوانية» وأثرها في هذا التشكيل النفسي والأيديولوجي لتلك المجموعات.

كاتب الدراسة هو سمير آمغار، باحث متخصص في شؤون الحركات الإسلامية ويعمل أستاذًا لعلوم الاجتماع في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس.

بدأ التغلغل «الإخواني» في القارة في خمسينات القرن الفائت وكانت وجهة بعض «الإخوان» الفارين من القمع في بلادهم العربية، مصر تحديداً، بغرض اللجوء أو العمل أو الدراسة، وتوسع هذا الوجود وبدأ يأخذ أبعادًا أكثر تنظيماً حتى أصبح أقرب إلى السديم أي التيار الفكري ذي التأثير والمرونة والممتدّ إلى مجالات شتى. وهذه الحركة تقف في منتصف الطريق بين تكوين شبكات قابلة للتكيّف، ومنظمة دولية ذات طابع هرمي.

يقسم الكاتب المنتسبين إلى الحركة ثلاثة تيارات تعبر عن الفكر «الإخواني»: المستقلون الذين لا ينتمون في أي شكل من الأشكال إلى «الجماعة» وتنظيمها الدولي، إنما يتحركون كفاعلين مستقلين وأبرز الأمثلة على ذلك طارق رمضان الداعية السويسري المشهور، وابن سعيد رمضان أحد مؤسسي التنظيم الدولي. ثم هناك المعارضون وهي الشخصيات والتنظيمات التي قررت الخروج على الاتجاه السائد في التنظيم الدولي أو هي تعارض طريقة عمله وتوزيع السلطة بداخله.

وهناك أخيرًا الأعضاء العاملون داخل التنظيم الدولي والمرتبطون بالجماعة الأم في مصر، غير أنهم يلتزمون بالمبادئ العامة لـ«الجماعة» ويحتفظون باستقلاليتهم في تطبيق الفكر «الإخواني»، وفي مقدم هذه التنظيمات يأتي «اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا» ومقره بروكسل، وهو الممثل الرئيس لـ«الإخوان المسلمين» في أوروبا. ويتحدث سمير آمغار عن نحو خمسمئة مؤسسة في 28 بلدًا أوروبيًّا تتبع هذه المنظمة التي يديرها حاليا السويدي شكيب بن مخلوف.

تنقسم المنظمات الإسلامية في أوروبا نوعين جماعات دعوية أو تربوية مختلفة في درجة علاقتها بـ«الإخوان»، أو كيانات أكثر تخصصًا مكملة للدعوة «الإخوانية» مثل جمعيات الشباب والطلاب و«المنتدى الأووربي للنساء المسلمات» و«جمعية الإغاثة الإسلامية» و«لجنة إغاثة ودعم فلسطين»، و«جمعية ابن سينا الطبية». وثمة سيطرة مصرية ومغاربية على هذه الجمعيات وغيرها التي تجتذب البورجوازيات المتعلمة والمهاجرة وتتقاسم مع نظيراتها المفهوم المتشدد والمسيس للإسلام والتخصصات العلمية الدقيقة وغايات التعليم الدين الأكاديمي، كما تجتذب هذه الجمعيات أبناء المهاجرين إلى أوروبا الذين يجدون فيها تعبيرًا جديدًا عن علاقتهم بالدين وأسلوبًا جديدًا في الاعتقاد والتعبير عن الانتماء إلى الإسلام. ويشكل هؤلاء القاعدة الاجتماعية للتنظيم، فيما يظل التنظيم الهلامي بعيدًا عن أبناء الضواحي المهمشين الذين يجتذبهم الفكر السلفي وربما الجهادي.

بفعل النشأة التاريخية، كانت أوروبا نقطة لنشاط «الجماعة» التي تستهدف الإصلاح السياسي داخل بلادها الأم، كما نقدت الإمبريالية والسياسات الغربية، واستهدفت إعادة أسلمة الوجود الإسلامي في أوروبا وحمايته من الاندثار داخل الثقافة الغربية. مع ذلك، لم تلق التوجهات الإسلاموية أي المسيِسة للإسلام ترحيبًا داخل الجاليات الإسلامية في أوروبا، ما خلق نزاعًا بين اتجاه يرى القيادات الراغبة في التوجه التقليدي نفسه لـ«الجماعة» والتيار الراغب في توجيه النشاط نحو الواقع الأوروبي، بدلاً من السعي وراء السلطة في البلدان الأصلية، وهو التوجه الذي انتصر في التسعينات بقرار «الجماعة» الأم أن يتخصص كل فرع وطني بالعمل داخل البلد الأصلي الذي يوجد فيه، ومنذ ذلك الحين أضحت مهمة المنظمات الإسلامية في أوروبا متمثلة في تمثيل حقوق مسلمي أوروبا الذين قرروا التخلي عن فكرة العودة إلى بلدانهم والدفاع عنها، وركز هذا الإسلام النضالي المنبثق عن الإسلام السياسي على العمل الاجتماعي والسياسي في البلدان المضيفة كسبيل لتمثيل المسلمين والدفاع عن حقوقهم، وهو الاتجاه الذي لاقى ترحيبًا داخل المسلمين من الجيل المولود في أوروبا.

رغم النجاح الذي حققته الجماعة في أوروبا، غير أنها مرت في الآونة الأخيرة بأزمتين يحددهما آمغار بالأزمة الأيديولوجية التي تتمثل في تآكل اليوتوبيا الإسلامية التي تقدم إجابات كبرى ونهائية حول جميع القضايا ويعبر عنها في البلدان الإسلامية بأنّ الإسلام هو الحل، إذ أثبتت التطورات عجز الحل الديني عن التعامل مع كثير من القضايا. ومع تأزم الأوضاع في البلدان الأصلية، وجدت المنظمات الإسلامية في أوروبا في حالة نضوب أيديولوجي وفكري إذ لم تحدث أي تجديدات فكرية منذ عقدين من الزمان، وفقد «الإخوان» زخم الأيديولوجيا وتفككت أيديولوجيتهم لدى احتكاكها وتعمقها في الواقع الأوربي، وترتب على ذلك انخراطهم في ألاعيب السياسة وأحابيلها، ما أدى إلى فقدانهم الصدقية لدى الشباب الأوروبي، ولا أدل على ذلك من موقف اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا المتخاذل من اضطربات الضواحي الفرنسية عام 2005.

يصف آمغار الأزمة الثانية باعتبارها أزمة النضالية، وتتمثل في وجود انقسامات وأزمات نتيجة طابع المنظمات الإسلامية «الإخواني» المرتبط بالسرية والثقل البيروقراطي والهيمنة المغاربية عليه، إذ يسعى التجديديون داخل هذه المنظمات إلى تخليصها من هذه الهيمنة «الإخوانية» والمغاربية، ما أدى إلى تكوين جماعات أخرى منقطعة في ثقافتها وتنظيمها مع المنظمات، ما يعني التناقض في العمل النضالي المجتمعي المعبر عن الوجود الإسلامي في أووربا. وتضاف إلى هاتين الأزمتين أزمة مالية، إذ راح ممولو التنظيمات مثل «رابطة العالم الإسلامي» و«جماعات التبليغ والدعوة» في التدقيق ومراعاة الحرص، ما أدى إلى التضييق على عملها.

يحاول «الإخوان المسلمون» رغم هذه الأزمات الظهور بمظهر النشطاء الدينيين الفاعلين على الساحة السياسية الأووربية، وسط تراجع المرجعية الإسلامية التي يتحدثون عنها باعتبارها المتحدث الوحيد باسم الإسلام في أوروبا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى