جين بينغ يُعبّد طريق الحرير
نظام مارديني
من جديد عاد مصطلح «طريق الحرير» ليفرض نفسه بعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ كلاً من مصر وإيران والسعودية، وبعدما بدت الحاجة ملحة إلى محتوى هذا الحزام الاقتصادي، والتبادل التجاري والاندماج الحضاري والتعايش المتناغم بين مختلف الدول والأمم.
قد تبدو نظرة الصراع الصفري مرتفع الحدّة للمسألة ميكافيللية لا داعي لها راهنياً، ولكن هل يجب أن تقابل الولايات المتحدة أيّ تقدم صيني بالعداء، وتعتبر أنه يأتي على حسابها؟
تعتمد إجابة هذا السؤال ومعرفة كيف يجب أن تنظر واشنطن لبكين، على أهداف الصين وخطتها الاستراتيجية الكبرى، رغم أنها دولة منسجمة مع نفسها، لدرجة قد لا يتخيّلها الكثيرون.
وها هي بكين تنتقل في خطواتها من شعار «اخفِ قوتك، وانتظر الوقت المناسب لك» إلى السعي نحو «الحلم الصيني» بمنتهى الثقة، فقد حل النمو الاقتصادي السريع كمحرك أساس للنظام بدلا من الأيديولوجيا منذ فترة طويلة.
ورسالة الصين واضحة، فهي تقيم «نظام سلطة عالميًّا جديدًا» بعدما وصل النظام العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية إلى نهايته، فسيعتمد الأمر على مهارة الصين في إدارة أكثر من إنشاء بنك الاستثمار في البنى التحتية.. فهو سيعتمد على نجاح مشروع «طريق الحرير» ليؤكد مهارة المجتمع الذي يستخدم دبلوماسية «الأبر» لمعالجة جسد الإنسان، فكيف إذا كان جسد المجتمع الدولي؟
في هذا المعنى نقرأ زيارة جين بينغ المتأخرة إلى المنطقة، بأنها هجوم دبلوماسي من جهة، واستراتيجية اقتصادية من جهة أخرى، لشق «طريق الحرير»، براً وبحراً، في القرن الحادي والعشرين، وحيث ستكون آسيا وأفريقيا وأوروبا مقصدًا لمشروع كبير يضمّ استثمارات وبنى تحتية وتأثيرًا سياسيًا.
ولأن الصين بصفتها «دولة كبرى مسؤولة»، في الوقت ذاته الذي تسعى فيه إلى توسيع فضاء نموها الاقتصادي، فهي من حقها تأسيس حزام تعاون اقتصادي آسيوي أوروبي أفريقي لدفع إعادة تشكيل الخارطة الاقتصادية العالمية، وهذا يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة لتغيير الخلل الكبير في توازن البنية الاستراتيجية الدولية وتأسيس نظام دولي جديد أكثر عدلاً وإنصافاً.
السؤال الذي يطرحه المراقبون إذا استمرّت المصالح الصينية في التنامي خارج حدودها: كيف ستضمن الصين أن تكون بمأمن؟ وهل لدى الصين القدرة العسكرية والإرادة السياسية لحماية مواطنيها وشركاتها في الخارج؟ وهل يمكنها مواجهة تلك الحكومات التي تتهدّد مصالحها الاقتصادية؟
كل هذه المسائل مهمة بالنسبة للصين في تنفيذ مشروع «طريق الحرير».. لكن، مهما كانت الاستجابة الصينية للتحديات الراهنة والمقبلة، فإن طريق الحرير ضرورة تغيير!