حزب الله… يشدّ عصب الحلفاء

هتاف دهام

ترسّخ حضور حزب الله بقوة في المعادلة الإقليمية مع صحة خياراته في حربه ضدّ الإرهاب في سورية منذ العام 2012، ولم يعد بإمكان أحد في الداخل والخارج تجاوز دور المقاومة التي لها الكلمة الفصل في الاستحقاق الرئاسي، فحزب الله هو الناخب الأكبر والأقوى، وإنْ كان لا يجاري من يمتهنون الخوض في سجالات عقيمة، فهو لا يحبّذ التطرّق إلى أيّ ملفّ في جوّ مشوّش، إنما يتحدّث عندما يسود الصفاء في النفوس والعلاقات.

لا يعتبر حزب الله نفسه حتى الآن مضطراً لأن يكون جزءاً من المهاترات الحالية، بخاصة أنّ هناك أسباباً تمنعه من أن يكون طرفاً فيها. قد يكون مراهناً على استحقاقات ميدانية كبرى على صعيد الإقليم، لا سيما في سورية، تساعده على تظهير موقفه ضمن حيوية أكثر حسماً من اللحظة الحالية التي لا تزال تكتنفها الضبابية.

إنّ دعم حزب الله لترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون للوصول إلى سدّة الرئاسة هو الموقف المبدئي الذي يؤكده في كلّ مناسبة سياسية، وبالتالي فإنّ تبنّي رئيس حزب القوات سمير جعجع لترشيح الجنرال يصبّ في ما رآه حزب الله باكراً أنّ جنرال الرابية هو الشخصية المسيحية الأوسع تمثيلاً. أما الإلحاح من معراب وغيرها على حارة حريك لتكون جزءاً من السجال، فإنّ حزب الله يرى أنه من المبكر الحديث عن المآل النهائي للمواقف، لأنّ لحظة الرئاسة لم تحن بعد، ولأنّ تموضع القوى الداخلية لا يؤمّن رافعة نهائية لبعضها، بل على العكس هي في حالة استقطاب سلبي لإمكانية انعقاد جلسة توصل العماد عون إلى الرئاسة الأولى.

لم تنضج اللحظة الرئاسية بعد لا محلياً ولا إقليمياً ولا دولياً، وإنْ كان موقف جعجع يصبّ في الإطار «الإيجابي» الذي من المفروض أن يوصل عون إلى بعبدا حين تتكامل كلّ المعطيات. لذلك فإنّ محاولة الآخرين، خاصة رئيس «القوات»، استدعاء حزب الله إلى ميدان المواقف الاستعراضية والإعلامية بالطريقة التي وجهها في إطلالتيه التلفزيونيتين عبر «MTV» و«العربية»، هي دعوة تسعى لإدارة موقف الضاحية الجنوبية واستدراجها بناء على أجندة الآخرين، علماً أنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ينقل مواقفه إلى حلفائه مباشرة أو بشكل غير مباشر عبر موفدين مقرّبين منه مكلّفين بهذا الملف، وهو على تشاور وتنسيق معهم لا سيما الجنرال عون، ويرى أنه ليس من داعٍ لأن يُدلي بدلوه في لجّة السجالات والاستقطابات الحاصلة.

تتطلع حارة حريك إلى العمل على شدّ عصب حلفائها، لا سيما بين الرابية وبنشعي، أكثر من إصدار مواقف إعلامية ترضي جشع خصومها الذين عندما يعجزون عن اتخاذ موقف يلهثون مطالبين الضاحية الجنوبية بموقف ينقذ وضعهم، وأكبر دليل أنّ مبادرة طرحت منذ نحو ثلاثة أشهر سمع عنها حزب الله من الجميع إلا من أصحاب المبادرة أنفسهم، فالرئيس سعد الحريري لم يعلن رسمياً حتى الساعة مبادرته الباريسية، ومسؤولون في تياره لا ينفكون يقولون إنها فكرة لم تصل إلى مبادرة ولا تزال تُطبَخ، فهو لا يريد أن يعمّق الالتباسات التي تحيط بالأزمة الرئاسية أو يزيدها بصورة عامة، وداخل فريق 8 آذار بصورة خاصة، فكثرة الكلام لا تفيد بشيء، فضلاً عن أنّ التيار البرتقالي يعلم خريطة المواقف، وكلام حزب الله لن يزيد الأمور وضوحاً، طالما أنّ اللحظة الراهنة هي لحظة مليئة بالحساسيات، ولذلك فإنّ التبرّع بمواقف لا طائل منها قد يزيد الأمر تضعضعاً.

ويجزم مصدر مطلع في 8 آذار بأنّ عقد هذا الفريق لم ينفكّ، فهو لا يزال متماسكاً ومترابطاً بغضّ النظر عن بعض الأجواء التي ظهرت في الآونة الأخيرة.

ويشير المصدر لـ«البناء» إلى زيارة سيقوم بها وفد رفيع من التيار الوطني الحر إلى بنشعي استكمالاً للمساعي السياسية التي يقوم بها التيار العوني المعنيّ بالاستحقاق الرئاسي، والذي يتحرك مع القوى المسيحية الأخرى للوصول إلى رأي مشترك، وانْ كان من المبكر الحديث عن اتفاق أو عن جلسة انتخاب في 8 شباط، أو الحكم على هذه الجلسة سلباً أو إيجاباً، أو إلى أين ستؤدّي الاتصالات على ضوء الحراك السياسي الفاعل، لا سيما أنّ الوضعية التي دخل فيها الملف الرئاسي تحتاج إلى مشاورات لا إلى مواقف متضاربة.

لا يناور حزب الله في دعم ترشيح الجنرال، وأكبر دليل على ذلك أنه عندما طُرحت فكرة ترشيح النائب فرنجية الذي هو من النواة الصلبة لفريق 8 آذار لم يتراجع عن دعمه «العماد» إنما بقي متمسكاً بموقفه انطلاقاً من التزامه النهائي السياسي والأخلاقي بترشيحه، ولا يرى حاجة إلى إصدار أيّ موقف جديد يؤكد دعمه وصول مرشحه الاستراتيجي إلى قصر بعبدا، أو يجدّد تمسكه بتحالفه الاستراتيجي مع النائب فرنجية، فالأمر المحسوم عند حزب الله: الجنرال هو المرشح الرئاسي الاستراتيجي، وفرنجية حليف استراتيجي دائم، وليس هناك أكثر من التوضيح الذي صدر من فوق درج بكركي على لسان رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد ابراهيم أمين السيد، وقبل بكركي على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن «لا تغيير ولا تعديل في موقفنا حول الانتخابات الرئاسية، وانّ العماد عون هو مرشح طبيعي ومرشح قوي وله قاعدة تمثيل عريضة، ولذلك لا يجد حزب الله ضرورة في التعليق على حصول أيّ حدث أو لقاء سواء في باريس أو في معراب، وإنْ كانت القوات اللبنانية تحاول أن تبني جسور العلاقة مع حزب الله فالحزب لم يستجب لحوار منظم مع «القوات»، لكنه لم يغلق أبواب الاتصال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى