تقرير
جاء في صحيفة «ديلي بيست» الأميركية: تم التدقيق تقريباً في كلّ جانب من جوانب سياسة إدارة أوباما في سورية، وتعرّض إما للنقد أو للإشادة في الأشهر الأخيرة، ولكن إحدى الحقائق الهامة، أن برنامج «CIA» السرّي لمصلحة تدريب «المتمرّدين السوريين»، مرّ من دون أن يلاحظه أحد.
لقد حان الوقت لكي نبدأ بالاهتمام، لأن هذه المبادرة أفادت كل الجماعات الجهادية التي كانت تقاتل الولايات المتحدة طوال الأشهر الـ15 الماضية.
برنامج «CIA»، الذي انطلق في عام 2013، كان الهدف منه في البداية أن يكون وسيلة لتعزيز قتال «المتمرّدين المعتدلين» ضد نظام بشار الأسد من دون وجود أيّ قوات أميركية ملحوظة على الأرض.
بدأ البرنامج بداية متواضعة، مع تذمر قادة «المتمرّدين» من أن «CIA» كانت بطيئة الحركة لخشيتها من وقوع الأسلحة في يد الجماعات المتطرّفة. نتيجة لذلك، أجبر «المتمرّدون المعتدلون» في بعض الأحيان على تقنين استخدام الذخائر. على الأقل هناك جماعة «متمرّدة» واحدة قطعت علاقتها مع «CIA» وانضمت إلى تحالف يقوده الإسلاميون، في حين توقفت جماعة أخرى كانت تحظى بدعم «CIA» عن القتال.
بعد هذه السقطات المبكرة، شهد البرنامج تطوّراً.
صرّح مسؤولون أميركيون متعدّدون للإعلام بأن «المتمرّدين» الذين تدعمهم «CIA» بدأوا في تحقيق نجاحات غير مسبوقة، خصوصاً شمال غرب سورية. هذه المكاسب كشفت الجانب المظلم من انتصارات الجماعات التي تدعمها «CIA»، حتى أن تأطير المسؤولين الأميركيين لهذه الانتصارات أثار أسباباً كثيرة للقلق. وكما ذكرت وكالة «أسيوشيتد برس» في تشرين الأول الماضي، فإن المسؤولين بيّنوا أن الجماعات التي تدعمها «CIA» استطاعت أن تستولي على أراض جديدة من خلال القتال جنباً إلى جنب مع الفصائل الأكثر تطرّفاً.
من هي هذه الجماعات المتطرّفة التي تم القتال إلى جانبها؟ تحليل جغرافية مكاسب «المتمرّدين المعتدلين» خلال هذه الفترة والتقارير الواردة من أرض المعركة تُظهر أن الجماعات التي تدعمها «CIA» تعاونت مع «جيش الفتح»، وهو تحالف إسلامي تلعب فيه «جبهة النصرة» التي تعتبر ذراع «القاعدة» في سورية دوراً ريادياً.
يقول حسان حسان، وهو مؤلّف مشارك إلى جانب مايكل ويس الكاتب في صحيفة «ديلي بيست» في كتاب «داعش: داخل جيش الإرهاب» إنّ مكاسب «المتمرّدين» في إدلب في نيسان 2015 بيّنت حالة التزاوج بين القوات التي تدعمها «CIA» و«النصرة» عندما يتم نسب نجاحات «المتمرّدين» إلى الهجمات الانتحارية التي يتم نشرها عادة من قبل النصرة والجماعات الجهادية الأخرى وصواريخ «تاو» الأميركية المضادة للدروع. في جنوب سورية، قاتلت الجبهة الجنوبية المدعومة من قبل «CIA» إلى جانب «النصرة» في الحملة التي كانت تهدف إلى السيطرة على مدينة درعا في حزيران 2015.
الجماعات «المتمرّدة» التي تدعمها «CIA» شمال غرب سورية اعترفت علناً بعلاقتها مع «النصرة». قائد «فرسان الحق»، وهي جماعة تلقت صواريخ «تاو» من خلال قنوات «CIA»، وضّح أن «هناك أمراً أُسيئ فهمه من قبل قوى العالم وهو إن علينا العمل مع النصرة وجماعات أخرى للقتال ضدّ كل من نظام الأسد وداعش».
وبالمثل، برّر المتحدّث بِاسم «صقور الحق» التي تحظى بدعم «CIA» تعاون جماعته مع «النصرة» عبر القول «إننا نعمل مع جميع الفصائل عندما يكون هناك هجمات على النظام، إما من خلال التنسيق المباشر أو من خلال تنسيق تحرّك القوات بحيث لا نطلق النار على بعضنا».
حقيقة أن الجماعات التي تدعمها «CIA» تعمل مع «النصرة» لا تعني بالضرورة إثبات أنهم يكنّون مشاعر من التعاطف مع الجهاديين، ولا أنهم يخادعون المسؤولين الأميركيين الذين فحصوهم. في عدد أو في معظم الحالات، فإن قرار هذه الجماعات للتعاون مع «النصرة» هو وليد للنظرة البراغماتية.
عند قتال نظام الأسد، فإنه من الطبيعي البحث عن الحلفاء أينما كانوا. وعلاوة على ذلك، كأحد اللاعبين الرئيسيين شمال سورية، فإن في وسع «النصرة» فرض شروطها على فصائل «المتمرّدين» الصغيرة. تجربة «حركة حزم» و«جبهة ثوار سورية»، وهما من الجماعات التي دعمتها «CIA» وقامت «جبهة النصرة» بتدميرهما تماماً نهاية 2014، ما هو إلا تحذير صارخ على ذلك.
جمال معروف، قائد «جبهة ثوار سورية»، وضّح بعدما طُردت جماعته من سورية بأنه ليس هناك أي مجموعة منضوية تحت مظلة «الجيش السوري الحرّ» يمكن أن تعمل شمال سورية من دون موافقة «جبهة النصرة».
نظراً إلى قوّة «النصرة»، دخلت الجماعات التي تدعمها «CIA» معها في ما يمكن أن يطلق عليه «زواج الضرورة» مع هذه الجماعة الجهادية، التي استغلت موقعها للحصول على الأسلحة الأميركية.
بعدما سيطر «المتمرّدون» على قاعدة عسكرية سورية في محافظة إدلب في كانون الأول 2014، اعترفت الجماعات التي تدعمها «CIA» أنها أجبرت على استخدام صواريخ «تاو» الأميركية لدعم الهجوم الذي كانت تقوده «النصرة». يقول أحد «المتمرّدين» إنّ «النصرة» سمحت للجماعات التي تدعمها «CIA» بالحفاظ على السيطرة على الصواريخ في جعبتها وذلك للحفاظ على مظهر من مظاهر التحكم، وبالتالي السماح بالحفاظ على علاقتهم مع «CIA». باختصار، «جبهة النصرة» تلاعبت بمنظومة العمل في وقت ما.
ولكن، على رغم هذه الحيل، فإنه من المستحيل في هذه المرحلة الجدل في أنّ المسؤولين الأميركيين الذين انخرطوا في برنامج «CIA» لا يمكنهم أن يكتشفوا أن «جبهة النصرة» ومتطرّفين آخرين استفادوا من البرنامج. وعلى رغم ذلك، قرّرت «CIA» زيادة دعمها الفتاك لفصائل «المتمرّدين» التي تم فحصها بعد التدخل الروسي في سورية نهاية أيلول.
«الثوّار» الذين اشتكوا سابقاً من خطوات «CIA» البطيئة وجدوا فجأة الباب مفتوحاً على مصراعيه، خصوصاً في ما يتعلق بصواريخ «تاو». يقول أحد «المتمرّدين»: «يمكننا الحصول على ما نريد من هذه الصواريخ. ما علينا سوى تحديد العدد فقط». تذكر التقارير أن إدارة أوباما والدول السنّية الداعمة لـ«المعارضة» ناقشت، على رغم عدم التزامها بذلك في ما بعد، تقديم صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف للجماعات التي خضعت للفحص.
مع مضاعفة «CIA» دعمها «المتمرّدين» السوريين، فقد أصبح أهم من أي وقت آخر الدخول في مناقشة عامة وصريحة حول برنامج الوكالة. ببساطة، مثل هذا التغيّر المفاجئ في السياسة الأميركية ـ دعم جماعات تساعد «القاعدة» من أجل تحقيق التقدّم، بعد إمضاء عقد ونصف من قتال الجماعات الجهادية ـ يجب ألا يتم من دون مناقشة عامة تساعد الأميركيين في فهم سبب حدوث هذه التغييرات الدراماتيكية في سياسة الولايات المتحدة.
ثمة شخصيات بارزة دافعت عن هذا البرنامج. على سبيل المثال، روبرت فورد، سفير أميركا السابق في سورية، قال إنه من خلال الحفاظ على تدفق المساعدات الفتاكة لـ«المتمرّدين المعتدلين»، فإن «CIA» ربما تكون قادرة في النهاية على بناء هذه الفصائل كبديل فعّال عن «النصرة» و«داعش».
ولكن تكاليف البرنامج تفوق منافعه المحتملة. في حين أن مساعدة «القاعدة» في التقدم ليست من أهداف البرنامج، إلا أن هذا ما يحصل. ولهذا، وبعد قتال «القاعدة» وتوابعها لعقد ونصف العقد، فإن «CIA» تساعدهم الآن في تحقيق المكاسب على الأرض في سورية.
في الوقت الحالي، تحاول «القاعدة» إعادة تصنيف نفسها من خلال مقارنة منهجها مع ما يمارسه «داعش»، وللأسف فقد حقّقت بعض النجاح بسبب تجاوزات منافستها الجهادية وتسارع الصراع بين إيران والسعودية.
صوّرت «القاعدة» نفسها للدول السنّية وللمسلمين بصورة عامة على أنها الحصن المنيع ضدّ كل من تمدّد «داعش» و«التعدّيات الإيرانية» على حد سواء. إذا تعاون «المتمرّدون» الذين تدعمهم الولايات المتحدة مع «القاعدة»، فإن الولايات المتحدة سوف تكون مضطرة إلى وقف «القاعدة» من الحصول على مساحة أكبر للعمل في المنطقة.
من غير المحتمل أن تفهم الولايات المتحدة المتحدة الوضع في سورية على الأرض أفضل من «القاعدة»، وذلك مع انعدام أي تواجد مفيد لأميركا هناك، وأن تتغلب استراتيجياً على الجماعة الجهادية. الخطر كبير جداً من أن استمرار هذه السياسة سوف يزيد من قوة «القاعدة»، وفي نهاية المطاف إجبار صانعي القرار على مواجهة قوة «القاعدة» المتزايدة في سورية.
هذا هو السبب، على الأقل، الذي يحتّم علينا أن نثير نقاشاً عاماً حقيقياً في ما إذا كان علينا الاستمرار في هذه الطريق، وهو نقاش يقف فيه الكونغرس الأميركي في وضع مناسب لإطلاقه من خلال جلسات استماع عامة حول برنامج «CIA». السماح باستمرار هذا النقاش من دون تفكير حذر حول المنافع والكلف والعواقب غير المقصودة أمر محفوف بالمخاطر، ويمكن أن يقوّض ثقة الناس ودعمهم.