دخان جنيف الأبيض ودور السعودية الأسود..!
دخان جنيف الأبيض ودور السعودية الأسود..!
علي قاسم
رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية
أعطى المبعوث الأممي الإذن بتصاعد الدخان الأبيض لانطلاق محادثات جنيف الذي طال انتظاره، رغم ما فيها من بقع متحركة لا تمّت للأبيض بصلة، ولم يتوقف مطولاً عند التعديلات التي طالت برنامج تحركاته السياسية، رغم ما وصله من أخبار بأنه لم يعُد مرغوباً به في السعودية، وفق آخر التسريبات عن الأسباب التي دعته إلى العدول عن زيارتها.
وبالرغم من أن ذلك التجاهل إن صحّت التسمية على ما تبديه السعودية من امتعاض في البروتوكولات الدبلوماسية أو من تعنّت تخريبي في الدفع نحو التعطيل، لا يعني قراراً شخصياً بقدر ما يعكس إرادة تبلورت على المستوى الدولي بتجاوز ما يمكن، لتكون الثقة الأميركية الروسية بانطلاق المحادثات قبل نهاية الشهر الحالي التي أفضى إليها لقاء لافروف – كيري في زيوريخ حقيقة أثبتت أن تلك الإرادة هي التي تحكم في نهاية المطاف السقف الفعلي للجهد الدولي، وليس أي شيء آخر.
ففي الوقت الذي كان فيه المبعوث الأممي يجيب على الكثير من الأسئلة المعلقة على قوائم الانتظار، كانت هناك إجابات غائبة أو مغيّبة، بعضها بحكم الأمر الواقع، وكثير منها بحكم الرغبة لدى اللاعبين الدوليين في إبقائها خارج سياق التداول، حيث العراقيل والعقبات التي تحدّث عنها دي ميستورا بشكل عابر كانت كافية لفهم الدوافع والعوامل التي تحدد سقف أي توقعات مستقبلية، وإن لم تحسم حتى اللحظة شكل الخيارات البديلة، وإلى أي حد تترجم فعلياً على أرض الواقع لغة الحزم الدولية.
الرسالة المحسومة، وربما الوحيدة، التي كانت حاضرة في حديث المبعوث الأممي، جاءت في تعليقه على من حاولوا فرض الشروط المسبقة استناداً إلى تجارب الماضي، حين اعتقد أنهم فهموا الآن!! لكن، هذا ما يفترض أن ينسحب أيضاً على التجربة الأممية التي أخذت في كثير من الأحيان بتلك الشروط، التي كانت تقف أو وقفت خلف ما آلت إليه جولات الجهد السابق.
وإذا كان من المحسوم على الأقل مبدئياً أن ما ظهر من دخان أبيض يشوبه الكثير من تلك البقع الداكنة، وتحول دونه عقبات وعراقيل إضافية طفت على السطح في ربع الساعة الأخير، بالرغم من محاولة تجاهل ما صدر من السعودية وإن لم يُعلن، فإن ما تعنيه من إسقاطات.. وما تنطوي عليه من دلالات يمكن أن ينسحب أيضاً على الموقف ممن تحركهم الأصابع السعودية أو تضعهم على قوائمها التفاوضية، في إشارة إلى ما تسرّب من لغة استخدمها كيري في حديثه مع الطاقم المستنسخ سعودياً.
ورغم أن كيري عاد لينفي ما كانت قد سوّقته ألسنة من داخل ذلك الطاقم، فإن المعطيات التي يمكن الاستدلال عليها من خلال حديث دي ميستورا حتى الآن، تشي بأن الطريق ما كان ليسلك نحو جنيف لو لم تكن دبلوماسية الهاتف الروسية الأميركية قد حطت رحالها على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه رغم التفاوت في سقف الالتزام.
قد يكون من المبكر الجزم بحيثيات وأبعاد ما ذهب إليه الجهد الدولي، وحجم الثغرات التي بقيت من دون إغلاق، نتيجة مماحكات المتضررين من انطلاق المسار السياسي، فإنه على الأقل يمكن فهم بعض من الأسباب التي تبقي ما كان منتظراً على القائمة ذاتها ومن دون تعديل، مع اللوائح المُلحَقة بها، وهي التي أفصحت عنها على الأقل مواقف وتصريحات متباينة تبقى سارية المفعول حتى لحظة الانعقاد الفعلي للمحادثات وانطلاقها في جنيف يوم الجمعة المقبل.
لكن ما أقدم عليه المبعوث الأممي يصلح على الأقل من ناحية الشكل أن يكون مقياساً أو معياراً تتعاطى معه المقاربات الدولية الباحثة عن الحل السياسي، بحيث يتم تجاهل ما يصدر عن السعودية من رعونة وحماقة الربع الأخير من ساعة التوقيت الدولي، على أن يتم تطويرها إلى المضمون، لتكون أيضاً هي ذاتها على من يأتمر بأوامرها، ومن يمثل وجودها الإرهابي على طاولة جنيف، حيث التهديد الذي يُطلقه بعض مرتزقتها بين الفينة والأخرى يعكس حدود ومساحة الخطر الذي تمثله السعودية ومن تسعى ليكونوا على قائمتها تلك.
جنيف.. ربما خطت الخطوة ما قبل الأخيرة حين بدا الدخان الأبيض بالتصاعد نحو استكمال أوراق وأدوات حضورها على جدول البحث عن المسار السياسي المنتظر، وباتت روزنامة الحل المطلوبة متوائمة أو متوافقة في كثير من تفاصيلها مع ما يفترض أن تفرزها القاعات السويسرية من حصيلة أولية للجهد الدولي، لكنها ستبقى على تناقض واضح وجليّ، قبل أن تفتح أبوابها مع اصطفافات ناتجة عن دخان سعودي أسود يتصاعد عبر تحريك أجندات ما هو خارج القاعة، ومحاولة توطينه داخلها ليكون الصوت المعطّل، أو من خلال طروحات مستنسخة من تجارب سابقة كانت مقبلة بالبريد الأميركي المضمون، في شدّ عكسي للعودة إلى المربع الأول!
تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية