«جنيف 3» وبعد… لا خشبة خلاص!

محمد ح. الحاج

اتفقت القوّتان الأعظم في العالم على دعم مؤتمر يجمع السوريين من جديد في جنيف…

اتفقت المعارضات الخارجية… ولم تتفق، ولا لقاء بين المتناقضات رغم المال و…

اجتمعت معارضة الداخل واتفقت أطرافها على المشاركة في حوار سوري ـ سوري…

لملمت الرياض من جديد المعارضات المتناحرة، ونجحت في استدراج هيئة التنسيق للمشاركة، وبقي لغز تشكيل وفد المعارضة للمحادثات غامضاً… بعض الأطراف لم توافق على مشاركة قادة «جيش الإسلام» ولا «أحرار الشام» ولا من يمثلهم، ويبرز هؤلاء في المقدّمة رغم كونهم من «جبهة النصرة»… فصائل منشقة!

لن ينعقد «جنيف 3»، فالرياض ترفض مشاركة الطيف الأوسع من المعارضة الداخلية، التفسير الوحيد… لم يحملوا السلاح بوجه الدولة!

روسيا تعتبر أنّ انعقاد المؤتمر دون مشاركة معارضة الداخل نتيجته الحتمية الفشل، وأميركا في حيرة من أمرها… هل تمارس ضغوطاً على السعودية أم تصدر الأمر؟

كثير من دول العالم تؤيّد أطرافاً في المعارضة الخارجية، هم في الأصل تنظيمات مدنية لا أجنحة عسكرية لها، مثل تيار «قمح»، والسعودية ترفض مشاركة هؤلاء… لن ينعقد «جنيف 3»!

انسحبت هيئة التنسيق من تجمع الرياض، فهل سقطت نتائجه؟ وهل تنهار تشكيلة الوفد أم يتمّ الترقيع؟ ودي ميستورا يوزّع الدعوات ويحدّد يوم التاسع والعشرين من الشهر الحالي موعداً للانطلاق… ولكن من هي الأطراف التي سيحاورها الوفد الحكومي… بالواسطة كما قال كيري؟ ومن هو الوسيط؟ أو مواجهة كما في جنيف السابق؟

ثمان وأربعون ساعة تفصلنا عن ساعة الصفر… مع ذلك لا تأكيد ولا ثقة عند كثيرين أنّ الموعد مقدّس، وأنّ الأطراف جاهزة، وأنّ النوايا خالصة ونظيفة إلا، اللهم عند الحكومة وقلة ممّن لا جناح ولا أجنحة عسكرية لهم، إذ هم لا يراهنون كما السعودية وأدواتها على المجهول!

لا حوار مع الدولة، إلا بعد وقف الغارات وفك الحصار… هكذا كان يصرخ جورج صبرا معبّراً عن أمنيات التنظيمات المشتّتة فلولها في الشمال والغرب والجنوب، من كلّ التصنيفات وجذرها القاعدي واحد، صبرا كان يعبّر عن أمنيات سعودية تركية، وقيل إنّ أردوغان صرخ بصوت عال: سقطت ربيعة يا بديعة… والهزيمة على الأبواب…

الدولة السورية لا تعيش على التمنيات ولا تحقق بالرجاء الغايات، وحده العمل والاجتهاد وانتصارات الجيش البطل على أرض الواقع يفرض التراكيب والجمل الصالحة للحديث مع الآخر الذي توسل السلاح أداة للحوار، بل ومارس الإجرام واستهداف المدنيين العزل من أبناء الشعب لإحراج الدولة والتشهير بها أمام العالم واعطاء المبرّر والذريعة لدول العدوان كي تتدخل.

قصف أحياء دمشق وحلب المدنية الآمنة، وتفجيرات حيّ الزهراء في حمص قبل أسبوعين، واليوم لا تعني أحداً وكأنها ليست أعمالاً إرهابية كما في باريس وأنقرة!

تعترض السعودية على أيّ تدخل في الشؤون العربية! ونحن كذلك، ولم نتدخل في شؤون عروبتها، فالمملكة أعرابية، ونحن سوريون من عالم العربية كما بلاد وادي النيل والمغرب، وربما تعتبر السعودية نفسها مسؤولة عن العرب، والحقيقة هي مسؤولة إلى حدّ ما عن الأعراب، ونحن في بلاد الشام لسنا منهم، الاعتراض السعودي لم يظهر في وجه أميركا، ولا أوروبا في كلّ تدخلاتهم، ولا في وجه تركيا القطب الإقليمي في المنطقة الموازي لإيران… وحدها ايران المستهدفة لغاية لم تعد في نفس يعقوب بل… أعلنها، لاحظوا أنّ المملكة لا تعلن ذلك في وجه قوة عظمى!

ميثاق جامعة الدول العربية لا يسمح بالتدخل حفاظاً على الكيانية وليس احتراماً للقوانين الدولية، لكن السعودية تدخلت قديماً في اليمن، وبالأمس اجتاحت البحرين وما زالت، وتشنّ اليوم على اليمن حرباً يمكن وصفها في بعض جوانبها بأنها تدمير شامل للحجر والبشر، حيث يستهدف الطيران المدن والأحياء وكلّ شيء، أنجزت السعودية تحالفاً خليطاً هجيناً من كلّ الأعراق والألوان والقوميات للهجوم على اليمن وتهدّد بمثله وأكثر تجاه سورية وكأنها لم تفعل!

لم تترك السعودية مجرماً عبر العالم إلا وأستأجرته، تحت يافطة «الأمة الإسلامية»، وفتاوى الجهاد جلبت من كلّ عشائر الأعراب، والأفريقان، والشيشان والداغستان والتركستان ومن كلّ دول ستات ستان، وصولاً إلى الايغور في الصين، وجميعهم… «إخوان»، موّلتهم، وأمدّتهم بالسلاح، وفتحت لهم طرق العبور من دول الجوار، وزوّدتهم بالمفتين والفتاوى لـ«يجاهدوا» كرمى لعيون مملكة آل سعود والأخذ بثأرهم… ولم يشكل كلّ هذا بنظر هؤلاء المتخلفين تدخلاً في الشأن الداخلي لدولة ذات سيادة، الأهمّ ذات حضارة عريقة… أو ربما اعتبروها محمية من محمياتهم، لكنهم يرون في المعونة الروسية والإيرانية بناء على طلب الدولة الشرعية تدخلاً… وهم من تذرّع لدخول البحرين بطلب ملكها، ليست المشكلة قضية قوانين أو شرائع دولية في العلاقة ما بين السعوديين والآخرين، المشكلة هي العقلية الأعرابية البدوية المتخلفة العاجزة عن فهم الشرائع والقوانين والتعامل معها ضمن سوية أخلاقية تحترم هذه الشرائع والقوانين.

تسرّب عن مصادر مقرّبة من وزير الخارجية الأميركي تهديده المعارضة الخارجية الجناح السعودي بأنهم سيفقدون الغطاء والدعم الغربي إنْ لم يشاركوا في «جنيف 3» حتى مع وجود وفد آخر واعتراض سعودي على تشكيلة الوفد الذي فقد قسماً منه هيئة التنسيق ، وبالكاد يمكن تصديق أنّ حكام السعودية لديهم القدرة على مشاكسة التعليمات الأميركية، هل هي مسرحية أو أنها ظروف نهاية الفترة الثانية من حكم أوباما، وأنّ وزير خارجيته ليس من منبت عسكري، مع ذلك، فقد يمكن للسعودية إفشال المؤتمر، وهي لا شك طامحة إلى ذلك رغم التساؤل عن جدوى الرهان على تغيير في الواقع المشحون بالهزائم وسقوط أدواتها المتتالي على الساحة، وهل يكون السقوط الأكبر للمملكة في ساحة اليمن؟

ما يحصل على الساحة السورية أمور تبعث على الحيرة، تدفع إلى طرح عشرات الأسئلة وبعضها قد يبقى بلا جواب:

ما الذي تخطط له الإدارة الأميركية على ساحة الشام، ولماذا تقيم قاعدة لها على الأرض السورية دون موافقة الحكومة الشرعية، هل لفرض أمر واقع ما؟

لماذا يتمّ تجميع «داعش» في المنطقة الشرقية الرقة وريف دير الزور ولماذا يقصف طيران التحالف الوحدات العسكرية السورية في المنطقة، وهل ما زال حلم إقامة قاعدة جوية أميركية في دير الزور قائماً طبقاً لاتفاقية جوبيه أردوغان العام 2010؟ في المقابل يتمّ تجميع «النصرة» ومشتقاتها في إدلب!

ما الذي يعنيه أحدهم بالحديث عن سورية الغربية وسورية الشرقية، ومناطق شرق الفرات، وهل ما زالت خريطة البنتاغون قيد التطبيق سايكس بيكو الأميركي الذي يعني تقسيم سورية والعراق وتركيا والسعودية وكذلك باكستان؟

هل حقاً هناك اتفاق روسي أميركي من تحت الطاولة لإعادة اقتسام المنطقة والعالم، بعد أن فاجأت روسيا الغرب بقوة حضورها على كلّ الأصعدة وخاصة منها العسكرية؟

هل تتبلور أحلاف ومنظمات جديدة، على أسس أحدث مع الحديث عن نهاية الأمم المتحدة، التي بلغت بها السخرية أن جعلت من أتعس نظام في العالم وأكثره امتهاناً لحقوق الإنسان السعودية رئيسة للجنة حقوق الإنسان؟ السخرية على أشدّها في شوارع ومدن الغرب وأخصها لندن.

يحدّد دي ميستورا – زمن انعقاد مؤتمر «جنيف 3» بستة أشهر! لماذا التحديد وهو سابقة لم تحصل في أية مفاوضات؟ أم أنه تحديد لاستهلاك زمن يتضمّن بعد ذلك مشروعاً آخر؟

قد ينعقد «جنيف 3»، وقد يستمرّ على مدى الأشهر الستة المحدّدة، لكنه على الأرجح لن يصل إلى نتائج ضمن المعطيات المطروحة والخلافات العميقة بين الأفرقاء، الدور الأكبر للأوصياء والأولياء، وليس حقيقة أنّ الأمر سيكون للشعب السوري فقط… واجهات تحمل الهوية السورية، وأجنداتها وتعليماتها خارجية… «جنيف 3» وحتى أيّ رقم يصله، لن يكون خشبة خلاص السوريين.

تتعامل الحكومة السورية مع الأزمة على ثلاثة مستويات، الأول: مع معارضة خارجية تدرك أنها ليست ذات صلاحية وليست معنية بالحفاظ على الأرض أو الشعب، لاهثة للوصول إلى السلطة، وهي من طالبت بالتدخل الخارجي. الثاني: مع معارضة داخلية يمكن الوصول معها إلى الكثير من نقاط التوافق والمشاركة وقد بادرت الدولة ولبّت الكثير من مطالب الإصلاح… الثالث: هو الأهمّ، التعامل مع العصابات المسلحة المنتشرة على مساحة الوطن، أما نوع الحوار فهو التصفية والقضاء عليها عسكريا لاستئصالها، وهذا العمل وحده من يقرّر ويحافظ على مصالح الشعب وأرض الوطن… هنا يتضح معنى مطالبة جماعة مجلس اسطنبول بوقف القصف وتقدّم الجيش وفك الحصار قبل الحوار، هدفهم التقاط الأنفاس وانتظار المزيد من الدعم الذي لن يصل أبداً، فلينتظروا ما شاء لهم الانتظار…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى