السينما في مواجهة التواطؤ والجهل العالميَّيْن!

دمشق ـ «البناء»

افتتح مساء أمس، برعاية شركة «سيريتل» وإذاعة «نينار أف أم» العرض الرسمي للفيلم الروائي الطويل «فانية وتتبدّد» للمخرج السوري المبدع نجدة اسماعيل أنزور، والسيناريو والحوار لديانا كمال الدين، عن فكرة للكاتبة هالة دياب، وذلك في القاعة الرئيسة في دار الأسد للثقافة والفنون بحضور المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان، وزير الثقافة الدكتور عصام الخليل، وزير الإعلام عمران الزعبي، إضافةً إلى وزراء: العدل، الشؤون الاجتماعية، السياحة، العمل، والتربية، وعدد من السفراء ومديري المؤسسات الإعلامية والثقافية. وحشد كبير من الوجوه السياسية والفنية والإعلامية والثقافية.

يروي الفيلم الذي استمر على مدى ساعتين وربع الساعة، حكاية «أمّ نور» التي جسّدت شخصيتها الفنانة رنا شميس، المرأة التي يقوم مجرمو تنظيم «داعش» الإرهابي بخطف ابنتها التي لا يتجاوز عمرها 11 سنة، من أجل تزويجها بأحد أمراء التنظيم الإرهابي. إلا أنّ قوّات الجيش العربي السوري تنجح عبر أحد العملاء، باختراق تحصينات التنظيم وإنقاذ الطفلة «نور» من براثن أمير التنظيم.

لقد استطاع المخرج أنزور في فيلمه نقل أجواء التنظيم الإرهابي من خلال تكوينات بصرية جالت في خفايا الإرهاب الدولي وكواليسه، ناقلة صوراً واقعية عن ممارسات الظلاميين والمتطرّفين التي يفرضونها على المناطق التي يسيطرون عليها، من تكفير وإحراق للكتب واغتصاب للنساء والأطفال، وفرض مناهج تعليمية بِاسم الدين بعيداً عن أيّ منطق إنساني أو علمي.

ويبيّن الفيلم التناقضات الفكرية الخاصة بـ«عقيدة» التنظيمات الإرهابية من خلال تشريح الشخصيات التي شاهدها الجمهور في «فانية وتتبدّد». إذ تابع الحضور مفارقات أقرب إلى الكوميديا السوداء. تداعيات التنظيم التي يرفعونها في المدن والشوارع التي يسيطرون عليها بينما يمارسون خلف سوادها كل الموبقات والفواحش والاعتداءات على عقائد الناس وحرمة بيوتهم، من دون أيّ رادع إنسانيّ أو أخلاقيّ.

ويروي الشريط الذي أدّت أغنية الشارة له الفنانة ليندا بيطار، وأدار تصويره الفنان يزن شربجي، وصمّمت له الأزياء سحاب الراهب، ووضع موسيقاه التصويرية الفنان فراس هزيم، حكاية مجموعة من النساء اللاتي يقوم تنظيم «داعش» الإرهابي باختطافهن وكيف يتعرّضن لأعتى عمليات التعذيب والإهانة بِاسم الدين. إذ ينقل أنزور كاميراه إلى مستويات الصدام وتعرية الإرهاب الدولي وممارساته الدموية في سورية والعراق.

وقال مدير عام مؤسسة السينما محمد الأحمد في كلمته إن أهمية الفيلم تكمن في أنه يتصدّى للفكر «الداعشي» وللايديولوجية «الداعشية» التي تنتج هذا النوع المرعب من الوحشية والإجرام.

وأضاف الأحمد: «كي ننتصر على داعش وسواه، لا يكفي أن نتصدّى له في ميادين القتال. إنما ينبغي ـ وقبل كل شيء ـ أن نواجهه ونحاربه في ساحات الفكر والرأي والعقيدة». مشيراً إلى أن الفيلم هو التعبير الأصدق عن وعي السينما السورية بطبيعة المعركة المقبلة وسبل مواجهتها، لا سيما أن التيارات التكفيرية الوافدة إلى بلادنا التي فرّختها ممالك الرمال ممالك النفط الموغلة في الخيانة والتآمر باتت تشكل تهديداً ليس للمنطقة فحسب، إنما للعالم كلّه.

وأوضح المخرج أنزور في تصريح أن الأعمال التي قدّمها كلّها، كانت تنبّه لخطر هذا الإرهاب الذي يشكل خطراً على النسيج السوري. مبيّناً أنه من واجب الفنان التصدّي لهذا الإرهاب من خلال الأعمال الفنية التي يقوم بها، وهو محارب أيضاً ويجب أن يأخذ دوره ليحافظ على مجتمعه وبلده.

وتابع أنزور: «اليوم استثنائيّ، فالجيش العربي السوري يحقّق إنجازات واسعة وانتصارات كبيرة على الإرهاب على متسع جغرافيا هذا الوطن. ووفدنا الدبلوماسي في جنيف يقارع الجميع من أجل الحفاظ على السيادة السورية». مبيّناً أن للفنانين وللكتاب وللأدباء دوراً في مواجهة هذا الإرهاب إلى جانب جنود الجيش العربي السوري وخلفهم القائد الفذّ الصامد الذي لا يرضى إلا بالنصر.

وأضاف أنزور:«تمت ترجمة الفيلم إلى بعض اللغات العالمية ليتسنّى عرضه في عدد من دول العالم». معبّراً عن سعادته بالحضور وبالوجوه السورية المشرقة والمصمّمة على هزيمة الإرهاب. وهذا الشعب لديه إرادة ومتمسك بالحياة رغم صعوبتها ورغم سنوات الحرب.

من جهتها، ذكرت الفنانة أمية ملص التي جسدت دور سيدة مسيحية تتعرّض وعائلتها للابتزاز من قبل تنظيم «داعش» لتغيير دينها، موضحة أنّ الهدف من الفيلم إيصال رسالة إلى العالم عن حقيقة ما يحدث. فثمّة قنوات كثيرة كانت تشوّهها وتقدّمها بصورة معاكسة. مشيرةً إلى أن للفنان دوراً كبيراً في مواجهة الإرهاب، والدفاع عن بلده، معبّرةً عن سعادتها بالمشاركة في فيلم من إخراج اسماعيل نجدت أنزور.

وعن دوره في الفيلم، قال الفنان علي بوشناق أنه جسّد شخصية «مازن»، الضابط في الجيش العربي السوري الذي تتعرّض أمه وأخته الطفلة للسجن من قبل تنظيم «داعش» الإرهابي، ويقوم بمساعدة رفاقه من أبطال الجيش العربي السوري وأحد أصدقائه القدامى «عروة» الذي يعود إلى رشده بعدما جُنّد مع التنظيم تحت اسم «أبو دجانة»، وبعدما يكتشف حقيقة الإرهاب وجرائمه، يعود إلى نصرة بلده ضدّ الإرهاب، ويتم إنقاذ عائلة «مازن» واستعادة بلدته من أيدي التنظيم.

أما الطفلة إيميه فرح التي جسّدت دور «نور»، ويُعجب بها أمير «داعش» ويسجنها من أجل أن يتزوجها، ثم يقوم شقيقها «مازن» الضابط في الجيش العربي السوري بإنقاذها، فعبّرت عن سعادتها للمشاركة بالفيلم الذي يحمل رسالة إنسانية كبيرة ويفضح جرائم تنظيم «داعش» الإرهابي.

مؤتمر صحافي

ولمناسبة إطلاق الفيلم، عُقد في فندق «داما روز» مؤتمر صحافي، بحضور كل من المدير العام للمؤسسة العامة للسينما محمد الأحمد، مخرج الفيلم نجدة اسماعيل أنزور، الكاتبة ديانا كمال الدين وبطل الفيلم الفنان القدير فايز قزق. إلى جانب لفيف من الإعلاميين والوجوه الثقافية.

تنوّعت أسئلة الصحافيين وتمحورت حول العمل الإبداعي والإخراجي إلى جانب الفكرة الرئيسة للفيلم، والخطوط الدرامية المتنوّعة التي تمّت عبر مسارات عدّة، وتقاطعت في ما بينها لتخرج بمسار واضح في مناحي الفيلم كافة، والتي تعرّي فكر «داعش» التكفيري، وتؤسّس لثقافة الحياة الحقيقية لدى الشعب السوري بعد الخلاص من هذا السرطان الذي تغلغل في أرجاء الوطن.

وأدلى أنزور بتصريح جاء فيه أن العمل يتم حالياً على الترويج للفيلم على نطاق عالمي، إذ تُرجِم لتسع لغات متنوّعة. منوّهاً بأن السينما رسالة عابرة للحدود. كما أكد دعمه الدائم للوجوه الجديدة في مجال السينما، ومنها شخصية «ثريا» التي أدّت دورها الفنانة رنا شميس، والتي تعدّ تجربتها السينمائية هي الأولى، والتي تميّزت فيها بقوة الأداء وجمالية التقمّص وذكاء الحضور.

وأضاف أنزور أنّ الذاكرة السينمائية السورية يجب أن تحمل الكثير من تفاصيل الأزمة في طيّاتها لتكون شاهد عيان في المستقبل.

وقال الأحمد إن الفيلم سيعرض تجارياً كما هو محدد يوم 14/2/2016 في: «مجمّع دمر الثقافي»، صالة «الكِندي»، دمّر، و«صالة الدراما» في دار الأوبرا كي يكون متاحاً للجميع. وأشار إلى أن تكاليف الفيلم كانت متوازنة مع القيمة الإخراجية لباقي الأفلام التي تنتجها المؤسسة عادة، وهي قيمة زهيدة للغاية إذا ما قورنت بإنتاج الأفلام في الدول العربية أو العالمية، عدا عن أن فترة إنتاج الفيلم كان مجموعها 35 يوماً، وهو زمن قياسيّ جدّاً بالنسبة إلى إنتاج الأفلام الطويلة.

وأضاف الأحمد أنّ المؤسسة كانت وما زالت خلال سنوات الأزمة تعمد قدر الإمكان إلى تأريخ أحداث الأزمة عبر السينما التي هي إرث حقيقي للأجيال القادمة، وشاهد على عصر دخل فيه الأغراب إلى بلادنا وعاثوا فساداً. وهذه المادة الوثائقية الهامة ستكون دليل المستقبل لهم. ورغم قساوة المشاهد التي يعرضها الفيلم، إلا أنها لا تشكل إلا الجزء البسيط مما يحمله الواقع.

الممثل فايز قزق قال إنّ الشخصية كانت صعبة للغاية، إذ توجّب عليه أن يلبس ثوب الشيطان في تفاصيله كافة، في شخصية «الأمير الداعشي»، والتي تبيّن أن «الأمير» في النهاية صمّم إمارة خاصة له، وهو شخص استغلالي يهتم بالنساء والمال فقط، يحمل فكراً دينياً مشوّهاً يعتمد عليه في تطويع المجموعة التي يرأسها.

أما الكاتبة ديانا كمال الدين، فأشارت إلى أن الفيلم في النهاية يروّج إلى أن السوريين أخوة، والصلح هو الحلّ، ولا بدّ أن نمدّ أيدينا جميعاً لبناء هذا الوطن الذي يحتاج إلى كثير من الإعمار بعد الخراب الذي خلّفته المجموعات الإرهابية. كما أجابت في المؤتمر عن أسئلة هامة تخصّ الشخصيات وتفاصيلها، خصوصاً شخصية «ثريا» المرأة التي لبست ثياب القوة رغم وجودها في مجتمع مغلق، وحاورت بذكاء تعصّب المكان واستطاعت أن تتحدّى فكر «داعش» بجرأتها.

ضمّ الفيلم على لائحة البطولة فيه نخبة من الفنانين السوريين أبرزهم فايز قزق، زيناتي قدسية، أمية ملص، رنا شميس، بسام لطفي، علي بوشناق، وآخرون. وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وشركة أنزور للإنتاج الفني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى