تركيا ستطرق باب «إسرائيل»… ومن وقف معها سيحصد الفشل والخيبة!
مصطفى حكمت العراقي
يبدو أنّ أركان الحلف الأميركي في المنطقة لم يكتفوا بتلقّي الهزائم على مختلف الجبهات، والتي كان مصدرها الأساسي الفشل الذريع في سورية، وعدم التمكّن من إسقاط محور المقاومة الذي تحمّل الحرب لخمس سنوات وبدأ يجني ثمار صموده لهذه المدة، فانتصرت إيران في الملف النووي، وتقدّمت سورية كثيراً في مجال القضاء على الإرهاب، وسلّم العالم ببقاء الرئيس الأسد بطريقة أو بأخرى، كذلك رسخت المقاومة قواعد ردع جديدة في الحرب مع الكيان الصهيوني، وصمد الشعب اليمني في مواجهة العدوان السعودي.
كلّ هذه الأسباب جعلت حلفاء الولايات المتحدة يتخبّطون في كلّ شيء حتى وصل الأمر الى نشوء صراعات في ما بينهم، فدخلت «إسرائيل» على خط اتهام تركيا بشراء النفط من «داعش»، وذلك بعدما صرّح وزير الدفاع «الإسرائيلي» موشيه يعالون بأنّ الأموال التركية دعمت التنظيم الإرهابي، وفي معرض حديثه عن مشاركة أنقرة في محاربة الإرهاب، قال يعالون: «إنّ داعش نعِم بالأموال التركية مقابل النفط لفترة طويلة جداً». وأوضح الوزير «الإسرائيلي» أنّ ثمة «أدلة كافية لاتهام تركيا بدعم تنظيم داعش وتقديم التسهيلات المالية له»، مطالباً إياها بـ»إنهاء دعمها للإرهاب».
واشنطن بدورها دافعت عن حكومة أنقرة في مواجهة أقوال وزير الدفاع «الإسرائيلي»… وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر إنهم يعارضون ادّعاءات وزير الدفاع الصهيوني القائلة بأنّ تركيا تموّل تنظيم «داعش» منذ فترة بطريقة غير رسمية من خلال استيرادها النفط منه. وعلق تونر على ادّعاءات يعالون في مؤتمر صحافي قائلاً: «لا نؤيد هذه الادّعاءات. فنحن لم نر أي إشارة أو دليل على هذا». وذكر المتحدث الأميركي أنّ تجارة كهذه ليس لها منطق اقتصادي بالنسبة إلى تركيا، وأضاف أنّ واشنطن ليس لديها دليل على تورّط مسؤولين أتراك بارزين في تهريب نفط «داعش».
يعدّ الاتهام «الإسرائيلي» الأخير الأحدث في إطار سلسلة اتهامات منفصلة إلى تركيا صدرت عن دول عدة بشراء أنقرة النفط من التنظيم، الذي يسيطر على حقول نفطية في العراق وسورية.
وجاءت تصريحات موشيه يعالون بعدما أعلن الطرفان مؤخراً إجراء مفاوضات لتطبيع العلاقات بينهما، وهي المنقطعة نسبياً منذ عام 2010 على خلفية أحداث سفينة «مرمرة»، والتي راح ضحيتها العشرات من المواطنين الأتراك بين قتيل وجريح… الاتهامات التي ترفضها أنقرة في كلّ مرة توجه إليها تهمة دعم تنظيم «داعش»، بل سعت إلى أن تحوّل الاتهامات إلى أشخاص ينتمون إلى دول أخرى من بينها روسيا وسورية… لكن تركيا في هذه المرة لم تبد أيّ ردّ فعل على ما قاله يعالون، أو على الأقلّ لم يكن ردّها مثلما كان عندما اتهمتها دول أخرى مثل إيران وروسيا. وهو ما يثير الانتباه بالنظر الى مستوى العلاقات التركية ـ «الإسرائيلية» والمجالات المتعدّدة التي تتركز فيها، حيث أنّ الدولتين تتمتعان بعلاقات تاريخية قوية تراجعت مؤخراً دبلوماسياً وإعلامياً، لكنها حافظت على مستواها اقتصادياً حيث استمرّت العلاقات الاقتصادية من دون أيّ عائق، فالتجارة ظلت في مستوى مرتفع وواصلت نموّها لأنّ تعليق التجارة بين أنقرة وتل أبيب بعد أحداث سفينة «مرمرة» اقتصر فقط على التجارة الثنائية في مجال صناعة الأسلحة، وحتى هذه الأخيرة لم تتوقف بشكل كامل، خاصة بعد أن خفّ التوتر في العلاقات عام 2013 إثر اعتذار «إسرائيل» عبر الهاتف، وهو جاء لتوحيد الجهود في الحرب على الدولة السورية لإسقاطها.
العلاقات التركية ـ «الإسرائيلية» مؤهّلة للتطوّر بشكل كبير، ولا سيما أنّ تركيا تبحث عن دور فاعل مع «إسرائيل» في ملف الغاز المكتشف قبالة شواطئ غزة. إدارة نتنياهو ذهبت في استفزاز أنقرة الى أبعد من ذلك، فتمّ توقيع عدد من الاتفاقيات مع اليونان وقبرص في مجالات الطاقة، وهو ما يجعل أنقرة في زاوية ضيّقة لجهة التحاقها بمحور «إسرائيلي» اقتصادي في المتوسط يضمّ اليونان وقبرص، وربما مصر في المستقبل القريب، لتنكشف بذلك الكذبة التركية المزيّفة بدعم الشعب الفلسطيني فيما هي تتعاون مع «إسرائيل» كقاتل لهذا الشعب.
أما إذا رفضت تركيا لهذا التعاون، فهو أمر مستبعد، لأنّ أردوغان يهتمّ بالمصالح الشخصية وحلم الزعامة الإسلامية أكثر من أيّ شيء آخر، فإنّ تركيا ستنعزل اقتصادياً، وخصوصاً في مجال الطاقة بعدما عوقبت من روسيا، وبعد دخول إيران في هذا السوق بشكل واسع بعد رفع العقوبات عن طهران… ما يؤيد تلهّف تركيا للارتماء بشكل أكبر في حضن «إسرائيل» حيث أكدت مصادر عديدة بعد أن انتقد وزير الدفاع «الإسرائيلي» إيواء تركيا لمسؤولي حركة حماس في اسطنبول، وطالبها بطردهم كما هو معلن كشرط «إسرائيلي» على تركيا لعودة العلاقات، أنّ أنقرة سائرة لتتنازل عن استضافة أعضاء من حركة حماس على أراضيها. فتركيا تحكمها المصلحة، وهي تبحث عن مصادر الطاقة وغاز شرق البحر الأبيض المتوسط، ما قد يكون أكبر جائزة تعيد «إسرائيل» إلى حضن واحدة من أكبر الدول الإسلامية في الشرق الأوسط.
أما «إسرائيل» فقد أيقنت أنّ تركيا التي فشلت في كلّ شيء أوكل إليها في السنوات الخمس الماضية، لا يمكنها أن تخرج منتصرة في المستقبل القريب، وأنّ الرهان عليها أصبح خاسراً فبدأت تعمل لجعل أنقرة هي التي تطرق باب تل أبيب وليس العكس، وهو ما سيحدث عاجلاً أم آجلاً، ولكنه لن يكون مؤثراً على مستوى صعود محور المقاومة في المنطقة وتكريس الانتصارات المتحققة في الميدان، فما سيعملونه إن اجتمعوا مجدّداً لن يكون أقسى مما عملوه سابقاً، والفشل هو نتيجتهم الحتمية، أما من سار خلف أنقرة من قادة وسياسيين، وكذلك بعض قيادات حماس الذين تركوا محور المقاومة وهو داعمهم الأول والحقيقي، واتجهوا نحو الارتماء بحضن من ترفرف أعلام الكيان الصهيوني في عواصمهم، فسيكونون في وضع لا يحسدون عليه، وأنّ الفشل والخيبة سيكونان ملازمين لهم وسيسقطون شعبياً وسياسياً، فمن خذل وتنازل في العسر لا يمكن أن يعود حليفاً أو صديقاً في اليسر.