العدوان على غزة: المطرقة على رأس من؟

عامر نعيم الياس

استمر القصف الجوي والمدفعي لجيش الاحتلال الصهيوني على غزة موقعاً حتى اللحظة أكثر من 200 شهيد و ما يتجاوز الألف ومئتي جريح. قصف وحشي استهدف قبل يومين منزلاً في قلب قطاع غزة بحجة وجود قائد للشرطة من حماس فيه، ما أدى إلى مجزرة بشعة راح ضحيتها عشرات النساء والأطفال.

حكومة الاحتلال اعترفت للمرة الأولى عن قيام وحدة كوماندوس خاصة بالتسلل إلى شواطئ غزة، ووقوع أربعة جرحى في صفوفها بعد تعرّض الوحدة لكمين من مقاتلي المقاومة الفلسطينية، ماذا يعني ذلك؟ صحيفة ليبيراسيون الفرنسية عنونت أحد مقالاتها «قصف غزة: استراتيجية المطرقة» لكن من يستخدمها وضد من؟ هل تلغي هذه الاستراتيجية العملية البرية أم أنها مرحلة قبل اللجوء إليها؟

من غير الممكن استبعاد سيناريو العملية البرية الإسرائيلية على قطاع غزة بشكل مطلق، خصوصاً بعد اتخاذ قرار في المجلس الوزاري المصغّر بتوسيع نطاق العمليات العسكرية لجيش الاحتلال، فالنوبات الهستيرية لدى قادة الكيان وفي مراحل سابقة وتواريخ ماضية لم تجعل للحسابات المنطقية اليد الطولى في فهم سياسة العدو، لكن المؤشرات المنطقية تميل في هذا التوقيت إلى استبعاد توسيع العملية العسكرية الصهيونية واللجوء إلى الاجتياح البري وذلك بناءً على عوامل عدة أهمها:

عامل الوقت الذي أتيح لتل أبيب بدأ بالنفاد في ضوء عدم القدرة على استدراج صمت دولي وعربي لوقت أطول، ومعيار ذلك الدعوة للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي جاء بعد ثمانية أيام من العدوان الإسرائيلي، وسقوط أكثر من 200 شهيد فلسطيني.

الموقف الدولي من الأحداث التي تشهدها جبهة الكيان المحتل مع غزة، جاء هذه المرّة على غير العادة وباتجاهين، الأول، كما جرت العادة، عدم اللجوء إلى تضخيم العدوان لمنح الوقت للكيان الصهيوني لإحداث تغيير ما لصالحه، أما الثاني والأهم فهو إيصال رسالة إلى الأطراف المحافظة داخل الإدارة الأميركية أولاً، ولوبيات الضغط اليهودي ثانياً، بعدم صوابية سياسات نتنياهو التي أفشل بموجبها محاولات أوباما عبر وزير خارجيته جون كيري فرض اتفاق إطار بين أبومازن ونتنياهو، كان رئيس السلطة مستعداً لإبرامه، وبالتالي دفع هذه الأطراف إلى إعادة النظر باستراتيجيتها سواء على مستوى عملية السلام وبناء السياسات الخاصة بدولة الاحتلال، أو سواء على مستوى المعركة مع إدارة أوباما والتي استطاع نتنياهو نقلها إلى الداخل الأميركي بعد الموقف المرحب من الإدارة الأميركية بحكومة الوفاق الفلسطينية برئاسة رامي الحمدالله.

الموقف الأميركي يوازيه الموقف الأوروبي وإن استمر إعلامياً بمساواة الضحية بالجلاد، لكن إدراك الغرب لحقيقة التوجهات الأميركية والتوازنات التي باتت أمراً واقعاً على الأرض، دفع بالأصوات التي تؤيد حل مشاكل المنطقة باعتماد لغة أكثر دبلوماسية إلى إبداء رأيها وتحميل حكومة نتنياهو بعضاً من المسؤولية وهو موقف يتطابق مع المواقف الرسمية الأخيرة من حكومة نتنياهو، وفي هذا السياق ترى افتتاحية الغارديان البريطانية أن «الأسئلة نفسها يطرحها آخرون حينما يرون «إسرائيل» تقصف ملجأً للمعوّقين، وحتى لو كانت حماس تخفي فيه معدات، لماذا كان على المعوّقين أن يموتوا ؟ إن تكرار هذه العمليات العسكرية «الإسرائيلية» أربع مرات خلال ثماني سنوات بالدوافع نفسها هو دليل على عدم نجاعة الحل العسكري».

إن الموقف الأميركي مما يجري في غزة وبدء الحراك الدبلوماسي أو «الاتصالات» التي يجريها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والتسريبات التي تحدثت عن اتصالات يقوم بها مدير الاستخبارات المصرية لإيجاد مخرج ما والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، تؤشر إلى أن الكيان الصهيوني وليس قطاع غزة وفصائل المقاومة الفلسطينية، هو الذي يعيش تحت رحمة استراتيجية المطرقة، فعلى الرغم من استمرار الكيان في عمليات القصف العنيف، إلا أن استمرار إطلاق الصواريخ، وانضباط فصائل المقاومة في ما يخص تنسيق عمل الفصائل في الميدان وفي الإعلام، فضلاً عن استهداف مناطق أوسع بمديات الصواريخ التي تملكها المقاومة، تختلف عن تلك التي استخدمت عام 2008، والتمهل الأميركي المقصود في معالجة هذه الأزمة التي عزّزت بوضوح معطيات الردع المتبادل، هذه الأمور مجتمعة تقلب المطرقة على رأس نتنياهو الذي ربما يلجأ إلى اجتياح بري محدود في مواجهة الفشل في تطوير التهدئة مع فصائل المقاومة للخروج من ورطته.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى