أردوغان… والدماء الكردية
نظام مارديني
عشيّة الذكرى السادسة عشرة لاعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، تتسارع الأحداث ككرة الثلج، ويُستباح الدم الكردي كما في مدينة سيزري جنوب شرق مؤخّراً، على مرأى ومسمع العالم «الحر» كما يدّعي.
أدّت هذه الدماء إلى تحوّل حادّ في موقف أكراد تركيا، وهو ما وجد صداه منذ فترة في دعوة جميل بايك، أحد أهم القادة الميدانيين الكردستانيين، كرد تركيا إلى حمل السلاح «دفاعاً عن النفس»!، كما في دعوة نظيره السياسي، وعضو البرلمان، صلاح الدين دمرطاش إلى الاستعداد لتحقيق «الأمن الذاتي».
نعم، لم تلقَ الدعوتان اللّتان أطلقهما أوجلان، في 2013 و2015 على التوالي، لحزبه إلى التخلّي عن السلاح والانخراط في الحياة السياسية، صدىً عند آل طغرل لخفض فوّهات بنادق الجيش التركي من أمام صدور الأكراد، ولا يمكن هنا قراءة ردّ فعل حزب العمال في التصعيد المفاجئ بأنه «فورة دم» أو ردّة فعل غير محسوبة بعد سلسلة المجازر. فقد واجه حزب أوجلان، بجناحيه السياسي والعسكري، مواقف أصعب ببرودة أعصاب و«ضبط نفس» يُحسد عليهما.
مشكلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنّ كلّ أوراقه باتت مكشوفة داخل تركيا وخارجها. فالحرب التي زعم أنه يشنّها ضدّ الإرهاب تحوّلت إلى حرب ضدّ قواعد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديز شمال العراق كما حصل في «زاخو» أمس، كما وضدّ أكراد سورية… ليس هذا فقط، بل وعلى الحزب السياسي الذي يمثّل أكراد تركيا داخل البرلمان التركي، أي «حزب الشعوب الديمقراطي»، وبالأخصّ زعيمه صلاح الدين دمرطاش.
هذه الحرب على أكراد تركيا تتكامل مع الحرب التي يشنّها أردوغان ضدّ أكراد سورية الذين أجرموا، من وجهة نظر أردوغان، لأنهم واجهوا «داعش». وقد كشف أردوغان في تصريحات، ومن دون أن يدري، عن خيوط علاقته مع «داعش» وكيف أنّه تعاون مع هذا التنظيم الإرهابي لأنّه كان يقف حجر عثرة أمام بطولات أكراد سورية في كوباني ورأس العين.
سيظلّ أردوغان أسير قناعتين: الأولى، أنّ العدو الأول والحقيقي لتركيا هو حزب العمال الكردستاني التركي وحلفاؤه من فصائل اليسار التركي وليس تنظيم «داعش». والثانية، أنّ أيّ إضعاف لـ «داعش» هو بالضرورة تعزيز للقوة الكردية في الداخل، لذلك ظلّ أردوغان حريصاً على عدم المشاركة في الحرب ضدّ «داعش».
إنّ انتقال الحرب إلى داخل تركيا يُعتبر التحدّي الأكبر الذي يواجه أردوغان الآن بالتزامن مع هاجس الرعب الذي ينتابه من تنامي الكرد، خصوصاً مع بدء ارتفاع حظوظهم في أي انتخابات، حتى أنّ صحافياً إسلامياً معارضاً لأردوغان علّق ساخراً من أجواء الرّعب هذه بالقول «إنه كيوم البربارة الأميركي»!
إنّ ما يجري في تركيا بات أشبه بلعبة «جرّ الحبل» لأزمات قد تضع الدولة ومؤسساتها عند عتبات أزمات معقدة، أبرزها الحرب الأهلية. والرهان الطائفي لا يشبه الرهان السياسي، وربما سيكون خياراً خطيراً لسياسات قد تُفضي إلى المزيد من الأزمات والحروب، وهو ما تسير إليه تركيا الآن.