همسات في الليل
بلال شرارة
الآن في ليلي القليل، أعود الى وحدي، مثلي كمثل شجرة بلهاء تقف على رصيف المدينة دون عمل أو ظلّ أو فائدة، تصرخ أحياناً وتتوجّع دون أن يسمعها أحد، وفي الحقيقة دون أن يفهمها أحد، لم يعد في المدينة أيّ فلاح يأتي حاملاً سلة غلّته ليبيعها على أرصفة المدينة، أو يرفع الصوت عالياً إلى الشقق المرتبة فوق بعضها كأنها نعوش، ولأنّ الأمر كذلك فمن ذا سيقرأ شفاه الشجرة؟ من سيفهم عليها؟ من سيضع مظلته فوق رأسها حتى لا يبللها المطر أو حتى لا تأكل ضربة شمس ، إذن من سيسمعني لو صرخت بأعلى صوتي: «يا سامعين الصوت صلّوا على النبي»؟ من سيسأل لماذا أعكر ليل المدينة بوجع القلب أو أيّ وجعٍ آخر؟
انا لا أعرف عن ماذا تتحدّثين: داء النقرس؟ هل تشتمين أهل بيتي؟ أمي؟ اخواتي؟ ماذا قلت: الصداع النصفي؟ أنا كأنني أحضر درس القواعد الأجنبية! لا أفهم كلمة واحدة: السانوزيت؟ ماذا بالعربي: التهابات الجيوب الانفية! أنا عندي جيوب… وأنفية؟ يا الله أدركني!
الآن في ليلي القليل، سأنام ملو عيني فقد انتهيت من كتابة فروضي الأسبوعية ببلاش الى صحف صديقة. كلّ ما في الأمر أنني أجّلت رغبة الى الأسبوع المقبل للكتابة عن الفساد الثقافي في غمرة الإشارات الخجولة الى الفساد السياسي والإداري والمالي و…
الآن في ليلي القليل، لو أنكِ تنتبّهين يا امرأة إلى أنني يجب أن أدهن ساقيَّ بمرهم الفولترين إذ إنّ أوجاعي في هذه الحالة ستكون موجودة ولكن دون أن أشعر بها، لو تنتبّهين لذلك فإنّ هذا الأمر لا يفسد الوضوء ولا صلاة العشاء. وأنا في ليلي القليل أسأل الله سبحانه أن يسامحكِ على قلة الاكتراث أو القصور إذا لم يكن التقصير والاعتقاد المفرط بأنني لا أقهر أنا المقاتل البطل الذي نخر البرد عظامي، وأنا أحرس ليلكم ولا أقول ذلك من باب الجميل أو الانتباه المسبق الى العدو الذي يتربّص بنا الدوائر، بل للإشارة الى أنّ البرد الذي ينام في داخلي يستيقظ في البرد يرتجف ويؤلم.
في ليلي القليل، وبعد قليل من الآن، سأكون قد غفوت تماماً فلا تردّي القبر عفواً الباب على نومي وتطفئي النور، فأنا هكذا أنام على الضوء، فقد سهرت على العتم ربما عقدين أو أكثر، ولم يكن معي أحد ولم يكن ثالثنا أو ثانينا الشيطان، فقط أنا وأنا وحلم ناضج بشجرة نساء: أنتِ.