الجنون قد يدفع الرياض وأنقرة إلى التورّط فكيف سيردّ العقلاء؟
سعدالله الخليل
بين القرار الجدي للسعودية وتركيا بالتدخل العسكري البري في سورية من بوابة التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش وبين التصريحات الإعلامية الداعمة للمجموعات المسلحة المنهارة على الأرض السورية، تتراوح مروحة التوقعات حول جدية الرياض وأنقرة في الإقدام على خطوة تضع المنطقة على شفير حرب عالمية وبين التهوّر والجدية ثمة معطيات لا بدّ أن تقرأ على مهل قبل التكهّن بما ستسفر عنه الأيام المقبلة من مفاجآت على الأرض السورية، أولها سعي الأطراف الدولية جاهدة لتثبيت مواقعها بانتظار القراءة الكلية للملف السوري في الاجتماع الدولي حول سورية في الحادي عشر من الشهر الحالي في مدينة ميونيخ الألمانية.
وفي هذا السياق، طالب المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا انتظار الاجتماع لمعرفة ما ستقوم به الدول المؤثرة في الشأن السوري بدءاً من الأطراف الدولية المتمثلة بالولايات المتحدة وروسيا والدول الإقليمية كالسعودية وإيران وتركيا وقطر، أصحاب التأثير الحقيقي على الأرض السورية، ليواجهوا الحقيقة بأنّ سورية بحاجة إلى عرض جدّي وقوي بضرورة أن تكون محادثات جنيف جدية بحسب تصوّر دي ميستورا، وهو ما يتطابق مع الرؤية التركية التي تخشى من سيطرة الجيش العربي السوري على حلب قبل موعد الحادي عشر من شباط، ما استدعى تشكيل غرفة العمليات المشتركة التركية السعودية للتخطيط للمواجهة البرية على الأرض السورية، وهو ما يقود إلى التساؤل الثاني حول القدرات والإمكانيات التركية السعودية المتوفرة لقلب المعادلة على الأرض السورية في منطقة المواجهة المباشرة على طول الحدود السورية التركية، والتي توفرها لهذه الحظة التاريخية في المواجهة بعد خمس سنوات من الحرب المباشرة ضدّ الدولة السورية، والتي زجّت خلالها المملكة والسلطنة كامل ثقلهما في الميدان، بدءاً من الميزانيات المفتوحة للتسليح العلني للفصائل المقاتلة وانتهاءً بالغطاء السياسي عبر تبنّي مجلس اسطنبول وائتلاف الدوحة واعتبارهما الجناحين السياسيين للقوى المقاتلة على الأرض، والتي ضمّت في ما استقدمته من مقاتلين مرتزقة من أكثر من مئة دولة حول العالم تحت إشراف مباشر من ضباط النخبة في أجهزة الاستخبارات السعودية والقطرية والتركية في قيادة العمليات والسجون السورية تغصّ بعشرات الأسرى من تلك الجنسيات منذ الأيام الأولى للأحداث السورية.
فما الجديد الذي ستستخدمه تلك الدول في التدخل؟ ولماذا تعلن الحرب على داعش في الوقت الذي وصل فيه الجيش العربي السوري على مشارف الحدود التركية، ويواصل حربه على التنظيم، في حين تسللت القوات التركية لنقل رفات سليمان شاه، جدّ مؤسس الامبراطورية العثمانية عثمان الأول ضمن عملية عسكرية أعادت من دون أية معارك مع التنظيم 40 جندياً تركياً يحرسون الضريح في منطقة يسيطر عليها! فما الذي تغيّر لتقرّر أنقرة المضيّ في محاربة التنظيم الذي وفرت له كلّ وسائل الدعم اللوجستي في معاركه تحت أنظار طائرات التحالف الأميركي؟ والتساؤل المطروح هل ستتمكن أنقرة والسعودية من إدخال مدرّعاتهما في الأراضي السورية بحضور الطيران الروسي؟ وما الضمانات التي ستقدّم لموسكو ودمشق بأنّ المستهدف تنظيم داعش الإرهابي؟
وفي هذا السياق يأتي التحذير السوري الإيراني الروسي من مغبة التورّط في خطوة غير مدروسة على لسان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، والتساؤل الذي طرحه في مؤتمره الصحافي عن إنجازات المملكة في اليمن، والتي ترغب في نقلها إلى الساحة السورية بحضور الطيران الروسي! ولعلّ التطورات في اليمن وتساقط الصواريخ على قواعدها ضمن الأراضي السعودية دفعت بمعاون القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي لإطلاق مصطلح «نكتة الموسم» على فكرة التدخل السعودي في سورية لمعرفته بالقدرات العسكرية للمملكة التي لم تعد خافية على أحد في ظلّ عدم قدرتها على ترميم النزيف في ترسانتها التسليحية جراء الأزمة الاقتصادية الضاغطة والنزيف المالي الكبير في مدخراتها، جراء انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وهو ما يدفع منطقياً باتجاه ابتعاد المملكة وتركيا عن أيّ خطوة من شأنها التقدم برياً باتجاه الأراضي السورية…
وحده الجنون السعودي قد يضع حسابات العقل جانباً وحينها يسهل تعامل العقلاء مع المجانين بالمزيد من الهدوء وردّ الصاع صاعين إلى أن يعود إلى رشده أو تكتب نهاية مأساوية لثور هائج في المنطقة يصعب ترويضه.