«وحش الشاشة» و«ع البكلة» و«للنشر»… استنساخ في محطة واحدة!
جهاد أيوب
البرامج المنوّعة كانت ولا تزال الأكثر متابعة. وبعد عدوان تموز 2006، وانتصار المقاومة في لبنان على العدو الصهيوني، طُلب من المموّل العربي أن يسير الإعلام العربي وغالبية الفضائيات التي يتحكم بها إلى عالم «التسطيل» والخمول والبهرجة، وتغييب الثقافة والأدب، وأن تكثر من برامج الغناء والتنجيم والماكياج والأزياء، أي برامج التسطيح. والغاية لم تكن طيبة وسليمة، إنما كانت لإبعاد الشباب العربي عن فكرة أننا نستطيع أن نقاوم ونفكر، ولزرع التعصّب من جرّاء مشاركة الشباب، ومنافسة ابن القطر على ابن القطر الشقيق في برنامج غنائيّ مشترك.
ومع مرور الزمن وتكالب الأحداث السياسية علينا وعلى المنطقة، خصوصاً بعد كذبة «الربيع العربي»، دخلت على الخط البرامج السياسية العنصرية والمذهبية والطائفية بصورة مكثّفة، ما أصاب المشاهد بالجنون والهبل الوطني، والحقد على جاره حتى أنهك المجتمع العربي. وعاش النفور لدى المواطن من برامج كهذه، آخذاً بالبحث عن المنوّعات، واختراع الحدث الذي سيبعده عن همومه اليومية، وحقده على ذاته وعلى جاره وغيره، وتطرّفه فكرياً ومذهبياً، وصولاً إلى ما تبقى من محبّة في قلبه.
وعادت الفضائيات العربية إلى تقديم كمّية كبيرة من البرامج الخفيفة التي تعتمد على اللهو وصناعة الفراغ والتسلية والفضائح، رغم أنّ المنطقة تغلي سياسياً. ولا شك في أنّ الفضائيات اللبنانية كان لها السبق في استنساخ أفكار البرامج الغربية ولبننتها وتسويقها عربياً، خصوصاً في قنوات «mtv» و«ntv» و«lbc»، رغم أن هذه الأخيرة خفّفت من «دوز» هذه النوعية منذ سنتين تقريباً لأسباب اقتصادية، بينما قناة «الجديد» دخلت هذا الموسم والموسم الذي سبقه بقوّة من خلال تدعيم شبكة برامجها بالمنوّعات، لا بل غامرت بكمّ كبير منها. ومنها ما هو جميل وناجح ومنها ما هو متشابه.
في حلقات الأسبوع الماضي، عرضت كل برامج المنوعات في الفضائيات التي ذكرت فقرات منقولة «فوتو كوبي» وبالمعالجة ذاتها والضيوف أنفسهم أحياناً، ومنها موضوع الأخطاء اللغوية على الهواء، وتصرّفات الفنان جو رعد، ونجم «ستار آكاديمي»، والزميلة التي قالت عن حوار زعامات لبنان «طاولة الحمار»… وهذا أكبر دليل على أنّ هذه البرامج وُجدت لتسلّي الناس بعيداً عن أيّ جهد إعلامي ابتكاري، أو لتصحح معلومة وخلل ما، أو لتفيد المشاهد الذي وبفضلهم أصبح يضحك على حاله ومصائبه.
قناة «الجديد» تعرض هذا الموسم ثلاثة برامج متشابهة: «للنشر» و«ع البكلة» و«وحش الشاشة». ولا ندري ما الغاية من هذه البرامج المتشابكة، وكأن القناة قائمة على نظام البركة دون رقيب. ونحن نعلم أنّ إدارة «الجديد» تراقب وتحاسب وتسعى لأن تكون مختلفة ومتجددة. لذلك نستغرب أن تجمع في دورة واحدة برامج متشابهة وقريبة من بعضها إلى حدّ الاستنساخ.
وحش طوني خليفة العائد بعد فراق إلى «الجديد» يسوّق برامجه السابقة وتجربته ونشاطه، ويصرّ أن يضع الـ«أنا» في حديثه. برنامجه نسخة من برنامج إذاعي «وقفة وموقف» للزميلة هلا حداد في «راديو فان»، ربما توارد أفكار… أقصد تشابه الفكرة. وطريقة أخذ الفقرات والعمل عليها، يريدها طوني حتى الآن ثرثرات وإثارة، وهلا تصنع هدفاً معنوياً ومادياً يصبّ في خدمة الصالح العام ولا تفكر في الإثارة أو الشهرة بقدر إدراكها أن العمل في الإعلام مسؤولية ذات حدّين.
البرنامج حتى الآن يكرّر فقرات عرضت وتعرض في برامج ثانية، خصوصاً الحلقة الثانية منه، ويعاني من عقدة برنامج «للنشر»، ونأمل أن يصحّح الأخطاء الفنية ويعالج فقراته المغايرة حتى يتفوّق على غيره.
«وحش الشاشة» يسجن في «للنشر»، و«فوتو كوبي» مكرّر في اختيار مواضيع فقراته. إلى الآن هو ليس منافساً، وفيه كمّ كبير من الثرثرة، ورغم أنّ طوني خليفة سيّد مكانه، إلا أنّ برامج ثرثارة غير هادفة وأحياناً مضحكة لم تعد تليق به. أما لعبة الإضاءة المزعجة وسوء إدارة الكاميرات فلهما محطة نقدية خاصة يتحمل مسؤوليتهما المخرج!
«للنشر» في هذه الدورة تائه، لم يستطع قطف النجاح السابق والتميّز الذي كان، هو اختلف عن مساره ودوره وأصبح مجرد برنامج منوّع، وعصبية مقدّمته الزميلة ريما كركي وحدّة ردودها أحياناً تعيقان استمرار المتابعة. هذه الحدّة تضرّ بالعمل ككل ولا تصبّ في صالحه. ريما تستحق البرنامج الأفضل الذي يخدم ما تصبو إليه، ولديها إمكانيات تؤهّلها لأن تكون ذاتها، لا لتكمل ذات الآخر.
أما الزميلة نسرين ظواهرة في «ع البكلة»، فتتصرف بشخصانية مع أنها قريبة إلى القلب، والعين تحبّها. وارتفاع صوتها «من دون عازة» وفي المكان غير الصحيح يزعجنا ويصيبنا بالاستهجان كما لو أنها تفتقد للصبر وفنّ الإصغاء. والغريب أنها لا تسمح لضيفها أن يكمل جملته ويوضح وجهة نظره.
باختصار، هذه البرامج الاستنساخية أو القريبة من بعضها في محطة واحدة خطأ إعلاميّ لا نعرف ما المقصود منه، ولا نعتقد أنّ ذلك حالة منافسة للبرامج المنوّعة المكرّرة والمتشابهة والمتشابكة في الفضائيات اللبنانية التائهة.