أيَّتُها السيدة الجليلة… يا كبيرة هذا الوطن
د. نجاح العطّار
وداعاً تقول لك سورية. ونطوي الصدور على الجراح، وعلى ما في قلوبنا من أسى، ومن ذوب مرارة.
لقد طالت يد المنون فلم تنفع معها مهارة الطبّ، ولا بلغت أن تردها عزمة النفس، لسيدة أكبرنا فيها نبالة المشاعر، وحسّ المسؤولية، ومحبة الناس، والحرص على مساعدتهم، بقدر ما تستطيع، وبكثير من التواضع، والإيمان بحقوق مواطنتهم، وفي العيون تتحيّر اليوم دموع صادقة، وإحساس بالخسارة الفادحة.
إنّ كلّ الذين واللواتي أتيح لهم أن يعرفوا السيدة عقيلة الرئيس الراحل حافظ الأسد، قد أدركوا، بالتأكيد، أيّ بيت كريم منسجم، متناغم، هو هذا البيت الذي عمّرته، وأيّ سيدة نبيلة كبيرة هي هذه السيدة التي تقدّم الصورة المثلى للزوجة والأمّ والمرأة العربية الواعية المثقفة، الجديرة بالاحترام والتكريم، في عمق الصورة الوجدانية، التي ملأت قلوبنا، وأحلّتها في المكانة الرفيعة التي رأيناها جديرة بها.
ونتذكّر الآن، وبكثير من التقدير، ومن الإحساس بالفقد، رفيقة درب الرئيس العظيم التي واكبت خطاه، وأسهمت في كفاحه، وحملت معه همّ الوطن، وعملت إلى جانبه بكثير من الصمت والصبر، وبحجم بالغ من التضحيات، عبر مسيرة طويلة وماجدة، في رحلة شوق مضنية، من أجل استنهاض الوطن، وتعزيز بنائه، وتحقيق أهداف الأمة، من خليجها إلى المحيط، ومن أجل أن تنتصر القيم العادلة التي ينبغي أن تستعلي في وجه القوى الغاشمة…
وتسألني ذات يوم: هل تتابعين مشاهد الهول على الشاشة؟ جثث الأطفال، وبرك الدماء، وأشلاء الضحايا، وأنقاض البيوت، والأحياء الباقون من نساء وصبية…؟ إنّ الحزن يملأ جوانحي، نحن أبناء هذا الوطن قبل أن نكون أيّ شيء آخر.
تقول: أعرف أنه ينبغي أن نترفّع على الجراح، وأنّ وطننا هو الأكبر من كلّ النوازل والملمات… وأنّ أبناءه يدركون ببصيرتهم السياسية معنى هذا الذي يجري وأهدافه، ويردّون مع جيشنا العظيم، بالصمود والتجلّد والثبات والحزم والعزم والاستبصار، أنبل ردّ، وأشجع ردّ.
تقول: لشدّ ما يؤلمني أن أرى إلى الذين يتآمرون على الحياة، باسم الدين، والدين منهم براء، ويرضون أن يكونوا حِراب تدمير، من الداخل، في أيدي الأعداء، دون أن يحرّكهم أبسط شعور إنساني أو وطني… فماذا ترين؟
وأقول: سيظلّ وطننا، في جبهة الشمس، ولن تنتصر الظلامية، مهما اشتدّ سوادها وطغيانها، وجيشنا الباسل يدفع عن سورية العزيزة كنور العيون، ويحمي أهلها، وترابها، بقيادة ابنك المناضل الرائع، وألمعية إمكاناته، وشجاعة قلبه ومبدئية فكره، وحيوية ضميره، وحكمة قراراته.
إنّ ابنك، أيتها الأمّ العظيمة، يمضي بنا في طريق الكفاح، يسدّ الأفق على الاستسلام والمستسلمين، وعلى الطامعين والمتربّصين، معلناً، كما أعلن الراحل الكبير، والده، من قبل، أنه لا تفريط بذرة واحدة من تراب الوطن الذي سقاه شهداؤنا، وعبر تاريخ طويل، بالنجيع السخي، وافتدوه بالروح.
أيتها الأخت الغالية
أنت باقية في ذاكرتنا، سكناً وفيئاً وخاطراً، تعيشين معنا قيماً ومودّات بما نلت من رضى الناس، ورضى الضمير، وما قدّمت في حياتك من أعمال صالحة، واجترحت من حسنات، وكنت من القلائل في حياتنا ممن جسّدن قيم الفضائل.
ولقد ناضلت بوجدان حيّ، ولم تغرّك الدنيا الغرور، وكنت متجليةً في تحليقك الخُلقي، مبرّزة في دورك الإنساني، صانعة مآثر ومكرمات، في نبالةٍ فائقة، وكفاءةٍ مستعلية، مسجلة في كفاح المسؤولية، ولهيب التضحيات، صفحات مشرقة، ستظلّ حية في ذاكرتنا جميعاً، نساء ورجالاً.
عزيز علينا أن ننعاك، وأن نفتقد حضورك البهي، وحديثك العميق العذب، وصدق تطلعاتك… عزيز علينا أن نفتقدك، فالنبأ كان فاجعاً وأليماً وقاسياً، أثار في نفوسنا مكامن أشجان هي جزء من ماضٍ عزيز، فيّاض بالمودّات، لكنه الموت يمسح بيده القاسية على زهو الحياة، وبهيّ لألائها، فيغيب الأعزّ، الأعزّ من الأحباء، ويحملهم إلى جوار ربهم.
الفجيعة لنا جميعاً، وقد يصعب الصبر، لكن الله رحيم.
التحية منا لذكرى الرئيس العظيم حافظ الأسد، ولرفيقة دربه، والعزاء، أصدق العزاء، لأبناء الفقيدة، الرئيس البشار، والدكتورة بشرى، والعميد ماهر، فالفجيعة بالأمّ هي الفجيعة بالحنان قلباً ويداً وخافقة، هي الشعور بالأسى عميقاً وموجعاً، لكن تلك الروح الطهور هي الآن في جنات الخلود، كفاء ما قدّمت في حياتها من جليل الأعمال.
نأسى أيضاً لأنها لم تشهد انتصارات الوطن، وتطمئن للمستقبل القريب الذي سيعيد الحياة الآمنة إلى ربوعه.
الله معكم أيها الأبناء الأعزاء، فأنتم في حضن الوطن الذي يعزّكم وتعزونه، والرئيس البشار سيظلّ نجماً يتوهّج في سمائه محققاً كلّ ما نحلم به من أهداف.
افتتاحية صحيفة تشرين السورية