الصراع التركي المصري السعودي في غزة

ناصر قنديل

الصراع على المرجعية المقابلة لإيران في العالم الإسلامي في ذورته، ومن دون حسمه لن تستقيم معادلات المنطقة، فالوضع الدولي القائم على الثنائية الروسية ـ الأميركية بعد كلّ اختبارات القوة، على رغم التحالفات التي تستند إليها روسيا وتلك المقابلة التي تستند إليها أميركا، يمسك الروسي والأميركي بالخيوط الأساسية للمعادلات، وفي المقابل إقليمياً فيما حسمت إيران تمثيل حلفائها ورضاهم بموقعها المتقدم في المعادلة التي تحكم الشرق الأوسط، وبرضا الروسي والصيني وحلفائهما، بينما في المقابل يبحث الغرب وعلى رأسه واشنطن عن الممثل القادر على تمثيل مصالحه التفاوضية في رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط.

كان كلّ تمني الغرب أن تكون الصورة كما كانت بعد حرب عام 1967 «إسرائيل» وحدها مقابل العالمين العربي والإسلامي لتكون المعادلة إيران ومصر والسعودية وتركيا في كفة و»إسرائيل» في كفة مقابلة، وبعد كامب ديفيد صار التمني الغربي أن تكون «إسرائيل» في ضفة ومعها مصر وتركيا وفي المقابل إيران الجديدة وسورية في ضفة والسعودية في الوسط، وبعد حرب تموز عام 2006 صار التمني الغربي أن تكون تركيا وإيران وقطر في ضفة و»إسرائيل» ومصر والسعودية في ضفة، وبعد الأزمة في سورية صار تمني الغرب أن تكون السعودية وتركيا وقطر و»إسرائيل» ومصر في ضفة وسورية وإيران في ضفة، وبعد حسم الملف النووي الإيراني وتقدم الحسم السوري صارت المعادلة أنّ إيران وسورية والمقاومة في لبنان في ضفة والضفة الأخرى تنتظر حسم ممثليها، فكان لا بدّ لـ«إسرائيل» أن تحاول حجز مقعدها، ومع الفشل صار الأمر محصوراً بحصيلة من يحتلّ المقعد المقابل لإيران، بكلّ من تركيا وقطر من جهة ومصر والسعودية من جهة مقابلة.

حرب غزة التي أرادتها «إسرائيل» لحجز مقعدها على مائدة التفاوض حول المنطقة ولم تستطع تحمّل تبعات المضيّ فيها قدماً، حوّلتها من لاعب إلى طابة، فالأميركي صار مضطراً سياسياً وعسكرياً لاعتبار «إسرائيل» عهدة عليه تحمّل مسؤولية حمايتها، لكن عليه البحث خارجها عن الشريك المقابل أو الموازي لإيران، وعندما أعلنت مصر مبادرتها لوقف إطلاق النار بمباركة أميركية وعربية، كان واضحاً أن التوازن مختلّ لحساب السعودية ومصر في وجه تركيا وقطر، وكان واضحاً أن حدود الدور القطري التركي المغطى أميركياً هو رعاية التفاهم الفلسطيني ـ الفلسطيني في أنقرة مقابل الدعم القطري للمبادرة المصرية.

المعادلة الميدانية التي رسمتها صواريخ المقاومة ومفاجآتها مقابل هشاشة القدرة الإسرائيلية أنشأت هامشاً جديداً للمعادلة، فالمقاومة لا تزال تملك قدرة الصمود ومواصلة الحرب، بينما «إسرائيل» التي تصرخ أنها قادرة على مواصلة الحرب تعرف جيداً أنها تكذب، وأنّ كلامها عن امتلاك شرعية الذهاب إلى النهاية هو مجرد أكاذيب، فالقضية لم تكن يوماً عند «إسرائيل» بالتغطية بل بالقدرة، قرّرت المقاومة تعديل الشروط التفاوضية والحصول على مكاسب حقيقية مقابل التضحيات عنوانها فك الحصار، وبذلك ترمي حماس المبادرة المصرية بحجر الانتقام للإخوان، ليصير الدور المصري كله على الطاولة مقابل فتح الباب بصورة أكيدة لمبادرات لاحقة يكون التركي والإيراني والقطري شركاء فيها مقابل المصري والسعودي، اللذين يريدان تقاسم مرجعية السلطة والضفة عبر السعودية، ومرجعية غزة لمصر، لتصير المعادلة غزة لمرجعية إيرانية تركية قطرية، ومقابلها الضفة لمرجعية مصرية سعودية.

الصراع على المرجعية الموازية لإيران تنتج خلط أوراق كبيراً في المنطقة، خصوصاً بعد الاستشعار التركي لخطر تقسيم العراق ونشوء دولة كردية، لا تلبث أن تنتقل كعدوى لأكراد تركيا، وبالمقابل التطورات في اليمن والحاجة السعودية إلى تدخل إيراني فاعل، والتقدم العسكري في كلّ من العراق وسورية يمنح إيران الشعور بالثقة والقدرة لتكون اللاعب الأبرز القادر على تقاسم معادلة الخليج مع السعودية، ودخول المشهد الفلسطيني بشراكات متعدّدة، وتقاسم تركيا والسعودية ومصر بعضاً من الصورة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى