المعارضة السورية تؤخر جنيف بانتظار غودو وأسباب الارتياح السوري الروسي لهذا التأخير
ميشيل حنا الحاج
«غودو» هو بطل في مسرحية «صموئيل بيكيت» الشهيرة بعنوان «في انتظار غودو»، الذي يتتظر أصدقاؤه وصوله الموعود بفارغ الصبر، ليساهم في إبداء المشورة في حلّ قضايا معقدة اختلف حولها هؤلاء الأصدقاء. إلا أنّ غودو المنتظر، اعتذر في اللحظة الأخيرة عن القدوم.
وغودو هنا هو الرئيس المقبل للولايات المتحدة الذي سيجري انتخابه قريباً، حيث تتوقع المعارضة أن يصل إلى السلطة حاملاً معه هدايا ثمينة، هي هدية رفض الحلّ السلمي في سورية، وخوض حرب طويلة تسعى إلى إسقاط الرئيس السوري. ولكن في هذه الحالة، فإنّ وصول غودو إلى موقع الرئاسة أمر مؤكد، أما ما هو غير مؤكد، فهو أن يحمل معه هدايا، وإنْ حملها فقد لا تكون بالمقاييس التي تتوقعها المعارضة السورية المسلحة المنتظرة قدوم «غودو»، مع وجود احتمال آخر هو وصول «غودو» متأخراً بعد ظهور وضع جديد على أرض المعركة السورية… وضع قد لا يكون قابلاً للإلغاء الا بحرب دولية يرجح ألا تقدم أميركا عليها.
فالمعارضة السورية المسلحة تسعى باستمرار إلى تأخير انعقاد مؤتمر جنيف للسلام، متذرعة بأسباب عديدة منها ضرورة فكّ الحصار عن المدن المحاصرة، إضافة إلى مطالبتها بوقف القصف السوري ـ الروسي، كشرط للعودة إلى طاولة المفاوضات في الموعدد الجديد الذي حُدّد له وهو الخامس والعشرون من شهر شباط الحالي.
لكنّ المعارضة، بوعي تام أو بجهل فيما تفعله، تتناسى أنّ المؤتمر الذي بدأ انعقاده في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، لم يكن «جنيف3» الساعي إلى حلّ عقدة المسألة السورية، بل كان ممهداً لمؤتمر السلام الحقيقي وهو «جنيف3»، حيث أنّ موضوع البحث في المؤتمر الأخير الذي تمّ انفضاضه بشكل مبكر، كان السعي إلى التمهيد لمؤتمر السلام الحقيقي وذلك بمناقشة ما يلي:
1ـ قضية فكّ الحصار عن المدن المحاصرة وإيصال الغذاء والدواء إليها.
2ـ الاتفاق على وقف إطلاق النار تمهيداً لتحقيق المطلب الثالث، وهو وضع حلول جذرية للأزمة السورية، كخطوة ضرورية لتفرغ القوى المتقاتلة لمجايهة داعش وقوتها الغاشمة التي لم تعد مؤرقة لسورية فحسب، بل للعراق وليبيا واليمن أيضاً، إن لم نقل للعالم بكامله.
وهكذا يبدو أنّ مطلب المعارضة المسلحة، إنما يضع العصي في دواليب الوصول إلى حلّ لمشكلة المناطق المحاصرة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، ما قد يكشف عن مساعٍ مبيتة لتأخير التوصل إلى اتفاق مبدئي حول هذه المسائل التي هي ليست شائكة، ويمكن تحقيقها في وقت قريب إذا صدقت النوايا في السعي إلى تحقيقها.
والواقع، فإنّ انسحاب المعارضة من مفاوضات جنيف، إنما يؤدي إلى تأخير تحقيق الأهداف التي يطالبون بتحقيقها كشرط قبل العودة إلى المؤتمر. وهم بذلك عملياً وعلى أرض الواقع، إنما يطالبون بإلغاء مؤتمر جنيف، مع رغبتهم بالتوجه فوراً إلى «جنيف3» عندما تتحقق مطالبهم بفكّ الحصار ووقف القتال خارج طاولة المفاوضات التي عقدت أصلاً من أجل تحقيقها.
ولكنّ ذلك هو ما يبدو على السطح ويتبادر للوهلة الأولى إلى الذهن. فلدى المعارضة المسلحة أسباب أخرى تكمن وراء سعيها إلى التأخير غير المنطقي أو المبرّر. لأنهم في واقع الأمر، يعولون كما يبدو لبعض المراقبين، على الحصول على مزيد من الأسلحة التي قد تستطيع السعودية أو قطر شراءها لهم من مصادر مختلفة، إذا تعذر توفيرها من المصدر الأميركي، إلى جانب وعود تركية بتمريرها إليهم رغم إعلانها المتكرر عن إغلاق حدودها في وجه الإرهاب والإرهابيين، مع قناعة تركية غير معلنة كما يبدو، بأنّ الإرهاب المقصود هو إرهاب «داعش»، ولا يمتد إلى المعارضة السورية المسلحة بما فيها «جبهة النصرة» المنتمية للقاعدة. فأسلحة كهذه، قد تمكن المعارضة المسلحة من تحسين وضعها العسكري على الأرض.
ولكنّ انتظارهم ذاك على أرض الواقع، ليس انتظاراً فحسب لوصول أسلحة ما بما فيها صواريخ «لاو»، و «تاو» المقاوم أحدهما للطائرات المغيرة، والآخر القادر على التعامل مع الدبابات المهاجمة… بل هو انتظار لقدوم شيء آخر على الساحة السياسية هذه المرة… إنه انتظار لاستكمال الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة التي تطلّ على الإدارة الأميركية برئيس جديد بعد تسعة أشهر، يتسلم سلطاته رسمياً بعد شهرين تقريباً من تاريخ انتخابه. وهم يعولون على احتمال أن يكون رئيساً له توجهات أخرى تختلف عن توجهات الرئيس الحالي، العازف عن خوض حرب جدية إلى جانب المعارضة المسلحة ضدّ الحكومة السورية القائمة، ليس رغبة منه فحسب في العزوف عن الحروب، كما قال لدى تسلمه سلطاته قبل سبعة أعوام، بل تخوفاً من قبله من وصول حكومة ذات توجه إسلامي متشدّد إلى سدة القيادة في سورية، مستذكراً تجارب سابقة للحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه، عندما تعاملت حكومته مع الخميني في إيران، ثم مع المجاهدين الإسلاميين التكفيريين في أفغانستان، وأفرزت التجربتان اللتان شرع بهما في عام 1979، نتائج وخيمة على الولايات المتحدة.
فالرئيس الأميركي الجديد القادم لا محالة، قد يكون جمهورياً كما تتوقع المعارضة السورية المسلحة، وبالتالي غير متأثر بعقدة الحزب الديمقراطي تجاه الإسلاميين المتشدّدين، وقد يكون ديمقراطياً، ولكن أقلّ تخوفاً من سلفه في التعامل مع التيار الإسلامي الجهادي التكفيري. فهذا ما يتطلعون إليه وينتظرونه، غير مقدرين أنّ انتظارهم ذاك، قد يكون، كما سبق وذكرت، كانتظار غودو في مسرحية «صموئيل بيكيت» الشهيرة، وعنوانها «في انتظار وصول غودو»، عندما أرجأ بطلا المسرحية حلّ قضية معقدة، انتظاراً منهما لوصول «غودو» الذي كانا بانتظاره، ولكنه لم يصل أبداً، بل اعتذر في اللحظة الأخيرة عن القدوم. فـ»غودو» الرئيس القادم المتوقع وصوله، قد يكون وقد لا يكون بالمواصفات التي يتوقعونها، ويبنون عليها فكرهم غير العميق في التأخير، مع ما ينطوي عليه ذلك من مزيد من القتل ومزيد من الدماء.
كلّ ما في الأمر أنهم لا يقيمون أنّ انتظارهم وتلكؤهم ذاك، قد لا يوصلهم إلى ما يتوخونه، بل ربما يقودهم إلى وضع أسوأ. فسورية وروسيا من ورائها، إنما تحاولان إخفاء ارتياحهما لهذا التأخير، لكونهما تستفيدان من فترة التلكوء والمماطلة، بتحسين الوضع على الأرض تمهيداً للوصول إلى مؤتمر «جنيف3» وهم في وضع يؤهلهما لإملاء الشروط، أو في وضع لا حاجة معه إلى انعقاد ذاك المؤتمر أصلاً. ويقدر بعض المراقبين، وجود احتمال قوي بأن تحسم الحرب ضدّ المعارضة المسلحة، فلا تبقى ثمة حاجة إلى الدخول في مفاوضات مع خصم لم يعد يسيطر سيطرة فعلية على كم هام من الأراضي السورية تستدعي التفاوض معه.
وتقول آخر الأنباء، أنّ الحكومة السورية قد فكّت الحصار عن مدينتي نبل والزهراء، كما باتت مقبلة على استكمال محاصرتها للمعارضة المسلحة في مدينة حلب بعد غارات مكثفة قيل إنّ عددها قد بلغ 900 غارة خلال يومين، ما بات يعني احتمال إحكام السيطرة على محيطها واستكمال محاصرتها في وقت قريب جداً، تمهيداً لاقتحام مناطق المدينة التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، أسوة بما حدث قبل أسبوعين في مدينة الشيخ مسكين الجنوبية.
ومعروف أنّ سقوط حلب في أيدي القوات السورية، سيؤدي تلقائياً إلى التوجه نحو محافظة إدلب والشروع بإحكام السيطرة عليها. كما أنّ ما تحقق بعد إحكام القوات السورية السيطرة على الشيخ مسكين وإجبارها مقاتلي «جبهة النصرة» على الفرار منها، سيؤدي إلى التوجه قريباً إلى مدينة درعا الحدودية والقريبة من الشيخ مسكين. فإذا حصل هذا وذاك، وكلّ المؤشرات تدلّ على احتمال وقوعهما في مدة زمنية أقلّ من المتوقع، لن تبقى بعد ذلك حاجة إلى انعقاد مؤتمر جنيف أو جنيف3، إلا إذا أُريد منه أن يصبح مؤتمراً جدياً همه الأكبر توحيد الجهود ورصّ الصفوف في مواجهة «داعش».
وهكذا يتضح تماماً من هو المستفيد حقاً من هذا التأخير غير المبرّر إلا بأوهام وصول غودو بعد انتظار طويل. فمؤتمر جنيف كان بوسعه أن ينهي الحصار هنا وهناك، وأن يحقن بعض الدماء، وأن يوفر وقف إطلاق للنار إن لم يكن فوراً ففي وقت قريب. لكنّ تعنت المعارضة المسلحة المتشبثة بمواصلة التأزيم والتأخير، على أمل أن تتحقق معجزة تقلب موازين القوى عاجلاً أو لاحقاً إثر وصول رئيس جديد للولايات المتحدة، غير مقدرين أنّ مجيء الرئيس، أو صول الأسلحة إليهم قد يكون متأخراً جداً، عندها تكون المعارضة قد خسرت الأرض وكلّ شيء آخر قد لا يجعل الجلوس معها على طاولة المفاوضات، أمراً مجدياً أو ضرورياً… بل لا نفع منه بعد تحقق الحسم العسكري الكامل أو شبه الكامل للقوات السورية. فلن ينفع المعارضة السورية المسلحة، حتى وصول «غودو» خلافاً لرؤية «بيكيت» في مسرحيته… إذا تمّ هذا الوصول متأخراً وبعد انقضاء الأمر وفوات الأوان.
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية THINK TANK
عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الإرهاب ـ برلين