عشق الصباح
هات اسقني يا سيدي من يديك الطهر سلافاً من العشق، معتّقة منتجبة الأصل من عانا. الطيبون معذّبون في الأرض، رقابنا مذ خُلقنا على النطع وما بدّلنا ولن نبدّل تبديلا. مؤمنون أنّ الموت حق. وأنّ من الموت تُبعث الحياة متجدّدة، وأنّ الإنسان روح والجسد فانٍ. بعدك يا وليف الروح أتعبتني الحياة ولا أشكو. أنت الذي علّمتني أن الشكوى لله وحده.
من حكايا العشق،
باردة صباحات شباط المسكون بالحزن والذكريات والوداعات الموجعة. نداءات الروح تُعيدني إلى براري القمح وليل الحكايات، ووجوه تسكنني لا أفارقها ولا تفارقني.
نحن مسكونون بالعشق حتى ثمالات الروح، مهما أوجعتنا الأيام نتطلّع إلى الحياة. عشقنا لسورية الوطن أبديّ. كالضوء يتدفّق الحزن المسكون في ثنايا الروح. أتعشّق المطر النازل على تخوم القمح.
ذات صباح من صباحات كانون 1973 وكان المطر غزيراً، غادرت عتبات بيتنا الطينيّ في قرية «معان»، نجمة العلا الشرقي، الذبيحة من وريد الزيتون لوهج الشمس. في 9/2/ 2014/ منحوني ـ أهلي الشهداء ـ وسام شرف الشهادة لتعانق وجوههم قبة السماء وتمشي مع الكواكب والأنجم الزهر، وقد صدقوا ما عاهدوا الله والوطن عليه وما بدّلوا تبديلاً. لهم منّي السلام ما أشرقت شمس وأطلّ وجه القمر. السلام على روح والدي الفلاح المجاهد الشهيد إبراهيم موسى الناصر. ثمانون سنة من العطاء ولم يتعب، كان فلاحاً بعثياً سورياً يتعشّق تراب الأرض يزرع القمح والكرمة والفستق الحلبي ويبني. لا يعرف الملل، كان مُحبّاً للناس وابتسامته كمَشرق الضوء. صبر وحكمة وإيمان ورؤى وعمل، سلوكه دليل على ذاته. لا رقيب على عمله سوى ضميره. سيدي الوالد كيف أنساك وأنت تسكن شغاف روحي إليك منّي السلام أبداً. سلام لروح والدتي الشهيدة فطوم ميهوب. أمي الطيبة نبع الحنان والمحبّة والمعطاء. لعينيك أشتاق يا لوعة الحنين. سلام لروح شقيقتي الشهيدة البطلة وصال إبراهيم الناصر، التي نذرت حياتها لوالديها وكانت لنا أمّاً ثانية. نعم، نذرت من عمرها أربعين حولاً لخدمة والديها ونالت شرف الشهادة معهما. السلام لأرواح شهداء قرية معان. أهلنا. السلام لبيتنا الطينيّ، للزيتون، للقمح، لسورية التي لأجلها قدّم أهلي الشهداء أرواحهم كي تبقى سورية وطن المحبة والإنسان.
باقون مسكونون بالذاكرة والبال والحكايات، نواصل الحياة. في كانون ودّعتهم وركبت في «بوسطة الطنيش الحموية». مغادراً إلى عاصمة الدنيا دمشق العرين فيض الياسمين. حفظت تفاصيل دمشق وجغرافيتها التاريخية والحديثة الموشاة بالاخضرار والنارنج وملامح الجمال وعبق الياسمين وماء بردى. على اتساع توزع شرايين العطر فيها. ما يقارب أربعين سنة من العشق وما ارتويت ولم أزل أحنّ إليها مع كلّ شمس. حبّذا لو أكون قد أدّيت واجبي تجاه سورية الوطن والمجتمع وأسرتي كما يجب أن يكون.
وفي كاون 2010، وقبل هذه الحرب العدوانية الهمجية التكفيرية الظالمة على وطني سورية، لملمت ما بقيّ من العمر وجئت إلى طرطوس، مدينة تغفو على كتف البحر وسفوح الزيتون وأضرحة الشهداء. تأتلق الحياة الثقافية والفكرية والعلمية والفنية. يغفو البحر على صدرها وتستمر الحياة. لم يزل في الذاكرة وهج الحكايات ووجوه الأحبة قناديل تضيء ليالي عتم كانون. ولم أزل أواصل الكتابة بنزف الروح وبوح الحنين. ليأتي شباط، وسنتان على الرحيل الموجع. ونتبادل الوداعات المحزونة النازفة، وقد ترمّد الملح على الجرح. يا وجعي الستّون من العمر. بقايا الثمالات ولم تنته حكاية العشق، ولم نبدّل تبديلاً. باقون على العهد والولاء لسورية الوطن جيشاً وشعباً وقائداً مقاوماً مؤتمناً.
بصدق المحبة أنا مؤمن أنّ النصر لسورية بصمود أسطوري يخطّخ أبطال حماة الديار، رفاق الروح، الغالبون.
من شرفات البحر، صباحكم محبة وسرّ حكايات من العشق التي لن تنتهي، باقون. صباحكم سوري، السلام لأرواح أنبل بني البشر، مواكب الضوء للنصر اليقين. لأرواح أهلي الشهداء ولكلّ شهداء الحق على اتساع تراب سورية المقدس. محبتي لكم، صباحكم سوري ونصر بإذن الله يقين.
حسن ابراهيم الناصر