كنائس زغرتا… جذورها ضاربة في التاريخ
تحقيق: رانيا دويهي
زغرتا «ZIGORTA»، كلمة من العهد الأموري 200 سنة قبل الميلاد ، معناها «المكان المحصّن»، وتعتبر وبلدة إهدن مدينة واحدة. تطوّرت فانتقلت من كونها بلدة متواضعة إلى مدينة تعجّ فيها الحركة وتضيق بمئات المحال التجارية الضخمة في المجال العمراني. أعطت عدداً من الرجالات في السياسة والدين والابداع الفكري من مؤرخين وأدباء وشعراء وفنانين وإعلاميين.
تمتاز زغرتا بكنائسها المتعددة وأماكنها الدينية الاثرية، وقد بنى الاهدنيون سنة 1517 عند تملكهم زغرتا، من حجارة قلعة زغرتا القديمة، كنيسة السيدة العذراء القائمة على رابية صخرية يحيط بها نهرَيْ رشعين وجوعيت.
كنيسة سيدة زغرتا الاثرية تشير إلى نضال الأجداد وثباتهم وصمودهم وتشبثهم في هذه الأرض، لأنها أساس الإيمان الديني والوطني العميق على مر تاريخ المسيحيين الموارنة الطويل. فكان الإهدنيون القدامى يكرمونها ويستميتون في الدفاع عن مقامها المقدس. «وقد حمتهم السيدة العذراء على مر العصور من الصعوبات والاضطهادات وغلّبتهم على جميع الغزاة»، فكانت لها مكانة خاصة عند الاهدنيين والزغرتاويين على السواء.
تعتبر من أغنى كنائس لبنان كتباً دينية ومخطوطات تاريخية وأواني الكنيسة الفنية، وفي مدافنها ووري أساقفة وكهنة وشخصيات وطنية. رمّمت عدة مرات ونقشت جدرانها، فاستعادت شكلها القديم حتى أصبحت تحفة في فن البناء الكنسي في لبنان ومركزاً أثرياً. أقيم في ساحتها بناء لتقديم الخدمات الدينية لأبناء زغرتا.
سيدة زغرتا شفيعة المدينة، لا يخلو بيت من بيوت أبناء زغرتا مقيمين ومنتشرين من صورة لها. في عيد السيدة 15 آب ، درج أبناء المدينة على عادات وتقاليد ومنها المشي حفاة طول المسافة التي تفصل بين إهدن وزغرتا وتقدر بحوالى 25 كيلومتراً وذلك بهدف زيارة الكنيسة للصلاة والتضرّع.
قديمة العهد وصغيرة الحجم، إنها كنيسة القديسة بربارة التي تقع إلى جانب طريق زغرتا ـ أصنون، بنيت في القرن الثامن عشر ورممت سنة 1996.
أما كنيسة القديسة مورا، فتقع قرب دير مار سركيس، شيّدت في بداية القرن السادس عشر، لم يكن يمضي على بنائها سنين حتى انهارت ولكن أعيد بناؤها.
وتقع كنيسة سيدة الحارة إلى جانب كاتدرائية مار يوحنا، صغيرة الحجم بنيت سنة 1899 ولم تعد تقام فيها الاحتفالات الدينية بعد أن بنيت إلى جانبها الكاتدرائية.
كاتدرائية مار يوحنا المعمدان بوشر تشييدها سنة 1950 على نفقة المغترب اللبناني الاهدني رجل الخير المرحوم الشيخ قبلان المكاري، استمر بناؤها حتى عام 1957. تعتبر هذه الكاتدرائية من فن البناء الكنائسي الحديث، بنيت من حجر السماق الجميل في الطابق الارضي بناء يقدم عدد من الخدمات الدينية والاجتماعية، وإلى جانب الكاتدرائية مركز المطرانية وبيت لكهنة الرعية في الشتاء.
عام 1955 طلب من الفنان العالمي الاهدني صليبا الدويهي، تصميم رسوم ولوحات دينية تزيد من جمال الكاتدرائية، فكانت هذه الرسومات التي أصبحت جدرانيات الكنيسة من التحف الفنية الرائعة.
تخليداً لذكرى الشيخ قبلان المكاري صاحب الايادي البيضاء على المشاريع الوطنية وتقديراً لأعماله الوطنية، رفع له الزغرتاويون تمثالاً في باحة الكاتدرائية عربون شكر.
عام 1998، وُضع حجر الاساس لكاتدرائية مار مارون، وبدأ العمل في بنائها عام 1999 على نفقة المغترب الاهدني ميشال فؤاد الصايغ، فأضافت هذه الكنيسة على كنائس وأديرة وكاتدرائيات زغرتا جمالها الرائع بفن البناء الحديث.
كاتدرائية مار يوسف الاولى قديمة يعود تاريخها لعام 1947، شيدت إلى جانبها كاتدرائية كبيرة سنة 1989 بشكل هندسي حديث رائع.
أما كنيسة مار سركيس وباخوس، فتقع هذه الكنيسة على ضفة نهر رشعين على هضبة صخرية تشرف على زغرتا، في الشتاء يقيم الكثير من الرهبان في دير مار سركيس الانطونيون الذي يعود تاريخه مع الكنيسة إلى العام 1854.
زغرتا الغنية بتراثها الماروني وبرجالاتها الدينية من بطاركة وعلماء وطوباويين على طريق القداسة وأساقفة وكهنة كان لهم شأن كبير على صعيد الدين الوطن، يقف أهاليها كل يوم على خطى الآباء والأجداد أمام صورة سيدة زغرتا المقدسة وقلبهم ينبض بحبها دوماً وغيرة على إكرامها وتمجيدها، قائلين: «أنت ملجانا وعليك رجانا».