سقوط رهان العدوان
نظام مارديني
بعيداً عن جبهات الميدان السوري ـ العراقي تشي السياسة بأن المملكة الوهابية ليست على ما يُرام كما السلطنة العثمانية، وهاتان الدولتان تسيران على خيط رفيع.
فبعد خمسة أعوام من العدوان على كل من سورية والعراق سوراقيا ، لم يقتنع بعد الثنائي الإجرامي أن وهم التوسع المفرط هو سبب انهيار الإمبراطوريات، وفي لحظة الحقيقة ها هو الرئيس الأميركي باراك أوباما يكشف بأن «نسبة كبيرة من زعماء العالم العربي فقدوا صوابهم»! ما يعني، أن الرهانات على العدوان في تغيير المعادلات السياسية لم تعد مُجدية، وفاقدة فاعليتها في تحقيق أهداف استراتيجية لدول العدوان إذ كثيراً ما اصطدمت الحسابات السياسية للدول الكبرى مع طموحات ومغامرات الدول الصغيرة في المنطقة، كما حدث مع الغرب وكل من السعودية وتركيا وقطر فوضعت دولاً شديدة الحماسة للعدوان أمام حرج كبير.
وأمام خوف من تداعيات التحول في معطيات هذا العدوان الإرهابي، وأمام تحوّل براغماتي في الحسابات الأميركية، بعد تقدم الدبلوماسية الروسية المتزامنة مع نجاح الضربات الجوية والتقدم البري ضد معاقل التنظيمات التكفيرية، كشفت الحماية الأميركية الكاملة لدول العدوان أنها لم تعد قائمة بالمعنى الاستراتيجي، وبات معطى السياسة الأميركية خاضعاً لتكتيكات قد تعني التخلي عن بعض المواقف هنا أو الحلفاء هناك، أو البحث عن حلفاء آخرين خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 وبما فتحه هذا الاتفاق من إمكانية أفق لتسويات سياسية تحتاجها المنطقة التي دخلت منعطفات خطيرة في الميدان العسكري منذ أكثر من سنوات خمس.
في العلم السياسي تتعامل الدول الكبرى مع القوى الوازنة على الأرض، بل ومن الصعب رهان هذه الدول على الجماعات الخاسرة، وهو ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة الأميركية الآن، إذ تسعى وراء الحلول الروسية لحفظ ماء الوجه، رغم التصريحات العنترية للبيت الأبيض ولذلك تسعى واشنطن إلى اقتراح واقع يفتح صفحة جديدة مع أقوياء في المنطقة كما مع إيران ، فامتناع الولايات المتحدة عن المشاركة في أي عمل عسكري مباشر في سورية، دليل على الرضوخ للضغط الروسي في الميدان السوري من جهة، ولكن من جهة ثانية دافعة السعودية وتركيا لتوريطهما في العدوان أكثر، ريثما تتوصل موسكو وواشنطن إلى قواسم مشتركة تحفظ مصالحهما، وما فشل مفاوضات جنيف 3، ومن ثم اتفاق المجموعة الدولية لدعم سورية في ميونيخ، أول أمس، إلا صورة عن بدء التراجع الأميركي مقابل توافقات محددة على ملفات أخرى أكثر تعقيداً، كملف الإرهاب.