صندوق الذكريات
ها هي الروزنامة كعادتها كلّ سنة تعود به إلى اليوم عينه، وتعود بي معه إلى الألم عينه.
أدخل حجرته لأخبره أن العشاء جاهز، فأراه يحاول إخفاء دموعه ولملمة صوَرها ورسائلها والكثير من مشاعر الاشتياق وألم الفراق. أتظاهر أنّني لم ألاحظ أوراقاً لم أستطع كبح فضولي وغيرتي عن الغوص في كلماتها في كلّ مرّة أصادف صندوقه الخشبي الصغير في قعر خزانته، في عمق ذاكرته، في وسط قلبي.
هُوَ اعتاد إحياء ذكرى رحيل حبيبةٍ قضت في عزّ شبابها وفي ربيع حبّهما، وأنا اعتدت التظاهر بعدم ملاحظة ذلك. أتركه وحزنه لساعاتٍ يخالها هو دقائق وأعيشها أنا كأنّها سنين.
أغلق الباب بهدوء، أحضّر مائدة فيها من الطعام ما يفضّله، أرتدي من الفساتين ما اختارَه هو لي، أضع من العطر ما يجعله يدمن عنقي، أنتقي من الموسيقى ما يطفئ ناري، وأنتظر…
وبعد فترة حداده، يخرج من عزلته مدّعياً أنّ الوقت سرقه وهو يراجع بعض أعمال المكتب، أبتسم وأنا أدري أن الماضي هو من سرقه ليعيد إحياء ذكراها. نمضي ليلتنا بهدوءٍ يطغى على صراخ أعماقي.
لا تتّهمني يا قارئي بالضعف أو الجنون، كلّ ما في الأمر أنّي أحبّه وأعلم أنّه يحبّني، فلا بأس إن احترمت حزنه ليومٍ وعشت معه السعادة لثلاثِ مئةٍ وأربعةٍ وستين يوماً.
وفاؤه لذكراها يجعلني أهيم به أكثر، تماماً كما تكون كلماتي له سبب حبّ الآخرين لي. ومن بقي وفيّاً لذكرى ميتٍ لن يخون حبّاً حيّاً…
آلاء ترشيشي