متى يمكن الحديث عن منافسة رئاسية انتخابية؟
ناصر قنديل
– في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي اللبناني يظنّ فريق من السياسيين والإعلاميين وبعض المرجعيات الدينية أنه يمارس التفوّق الأخلاقي على خصومه، ويخترق المشاعر العميقة للبنانيين، إذا استطاع أن يدير لعبته السياسية بطريقة إحراج خصومه بالدعوة إلى ممارسة اللعبة الانتخابية تحت شعار «فليكن الفوز من نصيب الأوفر حظاً وليتقبّل الخاسر بروح رياضية الخسارة»، ويشارك في هذه المقولة بعض من الكتّاب والسياسيين والمراجع ظناً منهم أنّ هذا هو الموقف السليم والحريص على حماية النظام السياسي القائم على قول لبناني يتأسّس على اعتبار لبنان مصنع الديمقراطية المتقدّم في هذا الشرق.
– يتناسى أصحاب هذه النظرية، سواءٌ المخلصون منهم أو الذين يخوضونها لعبة في السياسة، أنّ لبنان لم ينجح في تكوين إطار مفتوح للعبته الديمقراطية وتحريرها من القيد الطائفي، وأنّ تعيين طوائف الرئاسات وتقاسم البرلمان والحكومة والمناصب الرئيسية طائفياً، رغم خروجه عن معايير الديمقراطية مراعاة لما أسماه خصوصية لبنانية، لم يفلح في تحقيق الكفاية والإشباع لمقتضيات ما أسماه الدستور في مقدّمته بعدم مخالفة أيّ سلطة لميثاق العيش المشترك، ليتسنّى خوض اللعبة الديمقراطية حتى آخر شروط اللعبة، فالبرلمان يشكو فيه ومنه كبار القادة المسيحيين من كون المناصفة فيه صارت شكلية، والحكومة لا تستطيع أن تُسلس القياد للعبة التصويت التي وصفها وقوننها الدستور، فلماذا توهّم أنّ ما ليس ممكناً من إطلاق الديمقراطية من عقالها الطائفي فيما هو أدنى يصير ممكناً في الأعلى؟
– لا شرعية لسلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، تعني في سياق العرف السياسي اللبناني أنّ حكومة يخرج منها ممثلو الطائفة الشيعية الوازنون تفقد شرعيتها، وأنّ انتخابات نيابية يرتضيها الجميع ويعلن التيار السياسي الأوسع تمثيلاً في الطائفة السنية مقاطعتها يصير تأجيلها واجباً، ولو اقتضى تمديد ولاية المجلس النيابي، وهو العمل الأشدّ ابتعاداً عن الديمقراطية والبرلمان الذي ينتخب وفقاً لقانون يصل فيه ممثلون للمسيحيين بغير أصوات المسيحيين هو برلمان مطعون بشرعيته، وبأهليته على حماية ميثاق العيش المشترك. وفي الرئاسة هذا يعني أنّ رئيساً لا ترتضي اللعبة التنافسية الحرة في وصوله الكتل الأوسع تمثيلاً في الطوائف الرئيسية، لا يملك الشرعية اللازمة لقيادة الدولة، ولو امتلك قانوناً ما يخوّله إدارتها، بصفته ممثلاً لحلف المنتصرين وليس بصفته المؤتمن على ميثاق العيش المشترك.
– قبل انتخاب مجلس نيابي وفقاً لقانون يذهب بالمدى الديمقراطي إلى نهايته يرتضي الرأي العام اللبناني العابر لكلّ الطوائف شرعيته التمثيلية، وتوازنه في التعبير عن مكوّنات المجتمع اللبناني، وقبل أن يصبح لبنان على ضفة استقرار إقليمية ودولية تتموضع حولها الطوائف اللبنانية، لا يشكل فيها فوز مرشح وخسارة مرشح فوزاً وخسارة على ضفة طائفية مقابل أخرى، فلو انتمى المرشحان إلى لون سياسي واحد، دون أن ينتمي المحتفلون بالنصر إلى الأطياف والطوائف كلّه، يصير الحديث عن استسهال اللجوء إلى صندوق الاقتراع استسهالاً للذهاب إلى الاحتقان الطائفي، ولعبة غالب ومغلوب بين الطوائف، وفي حالتنا الراهنة يصير من المسؤولية الوطنية القول إنّ رئيساً لا ترتضيه وتحتفل بقدومه في آن واحد الكتل الكبرى في الطوائف اللبنانية هو مشروع مواجهة يمكن لفريق فيها أن يحتفل بالنصر، بينما أغلبيات وزانة في طوائف لبنانية تشعر بالغبن والخسارة.
– لقد وصلنا في المشوار الرئاسي إلى نقطة يجب القول فيها إنّ رئيساً لا يرتضيه العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري معاً، ليس إلا مشروع حرب باردة، ونصر وهزيمة، بين الطوائف، وأنّ معادلة السيد حسن نصرالله وتالياً ثنائية النائب سليمان فرنجية تقول ضمناً بالدعوة إلى تفاهم عون والحريري ليكون لنا رئيس، لأننا نريد الرئاسة مفتاحاً لإطلاق الاستقرار لا صاعقاً لتفجير ما تبقّى منه.