الحريري يتقدّم خطوة نحو عون!

هتاف دهام

مشى رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بخطابه في الذكرى الـ11 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري نصف الطريق نحو الميثاق، وما جعله يتوقف راهناً هو مستجدات النزاع المتصاعد في المنطقة، لا سيما في الميدان السوري وتحديداً في شمال سورية على تخوم تركيا. تجنّب توصيف اللحظة الإقليمية خاصة في ظلّ اشتباك ضخم تعيشه المنطقة، ولكن الواضح من الكلمات الأولى أنّ السياق الذي بدأ يستهدف إيران انّ زمن الاستقواء الإيراني، لن يستطيع أن يصنع قادةً أكبر من لبنان ويغمز من قناة حزب الله، أظهر أنّ الواقع يدفع باتجاه التصعيد انسجاماً مع اللحظة الإقليمية التي تجنّب الحديث عنها وهي لحظة الانخراط السعودي – التركي بافتعال اشتباك إقليمي قد يتحوّل حريقاً كبيراً.

هدف الحريري من المنطق السياسي الذي اعتمده في كلمته وحاول من خلاله أن يلبنن الشرح الذي قدّمه متلطياً بروائية لما جرى مؤخراً، تقديم أوراقه للرياض ولو أنّ هذا الأمر أتى من خلال الحديث عن العلاقة التي تربط المملكة بلبنان، والغمز من الدور الإقليمي الذي يؤدّيه حزب الله منذ بداية الخطاب حتى نهايته، والذي يُوظَّف في الاستهلاك السعودي الخارجي وليس المحلي، ويُصرف حيث يُصرَف له بدل مادي.

حاكى رئيس التيار الأزرق عصبية لبنانية مفتعلة، هي في جوهرها عصبية سعودية بالتحريض على الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة في لبنان، باعتباره يمثل الطرف الصراعي مع الفريق الآخر، أيّ المتصدّي لحزب الله.

أراد رئيس المستقبل شدّ عصب جمهوره واسترجاع من تفلّت منه، والتشديد للقاصي والداني من صقور تياره في بيروت وطرابلس وصيدا على أنه الوريث الطبيعي للشهيد، وتأكيد موقعه الزعامي المطلق الذي لا ينافسه عليه أحد: وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي ينتظر الساعة ليحطّ رئيساً للحكومة، رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة الذي كان متجهِّم الوجه طيلة فترة الاحتفال، ووزير العدل أشرف ريفي الذي يملك رصيداً شعبوياً كبيراً بدأ يقلقه، أثبتته الوقائع المستجدّة بعد السجال بينهما عقب جلسة مجلس الوزراء، لا سيما في طرابلس التي انتفض فيها الزرق ضدّ سياسته وأعلنوا تضامنهم مع «اللواء»، وفي البقاع حيث رفعت اليافطات من بوارج وصولاً الى المصنع وبعض قرى البقاع الغربي تحمل صورة الرئيس المؤسّس لتيار المستقبل وكتب عليها «لأ… ما خلصت الحكاية» وحملت توقيع أصدقاء اللواء أشرف ريفي، فكان المشهد أصدق تعبيراً عما وصلت إليه الأمور في تيار الحريري المتصدّع.

حاول الحريري أن يقوم بترميم شكلي لهيكل 14 آذار وإظهار انّ ذكرى اغتيال والده مناسبة تجمع ولا تفرّق، لكن حضور رئيس حزب القوات سمير جعجع وزوجته النائبة ستريدا جعجع احتفال «بيال» لم يكن كافياً لكسر الهوّة التي وقعت بعد لقاء باريس ودعمه ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، لكمّ الإحراجات التي تلقاها قائد معراب خلال الخطاب وما بعده.

حاول «الحكيم» أن يطوّق الخلاف بحضوره وبتصفيقه وضحكته الصفراوية، وأن يخفّف من حدّة الاشتباك، لكن الانتقاد اللاذع أفسد في الودّ قضية بعدما خُصّ بهجوم من العيار الثقيل بتحميله مسؤولية دماء المسيحيين التي سالت إبان الحرب بقول الحريري «يا ليت المصالحة التي وقّعتها مع التيار الوطني الحرّ حصلت قبل زمن بعيد، كم كنتَ وفّرت على المسيحيين وعلى لبنان». ولعل حميمية الغزل بين بيت الوسط والصيفي كانت أدقّ تعبيراً على الجفاء تجاه معراب، والصورة التي انتهى بها الاحتفال بتوسّط الحريري الرئيس أمين الجميّل عن يمينه ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل عن يساره، أكدت أنّ قائد القوات لم يعد الرجل الثاني في 14 آذار.

في الرئاسة، اعترف رئيس التيار الأزرق للمرة الأولى أنّ قوى 14 آذار لم يعد لديها أيّ مرشح لتولي سدة الرئاسة الأولى. بقّ البحصة الرئاسية من ترشيح جعجع وصولاً الى لقاء باريس من دون أن يعلن رسمياً دعم ترشيح النائب فرنجية. التفّ على تبنّي ترشيح بيك بنشعي بالإيحاء، والقول إنه متفاهم ورئيس تيار المردة على أمور ترتقي الى مستوى الاتفاق، كما ورد في مقابلة فرنجية التلفزيونية، ولا ترتقي الى مستوى الترشيح.

امتنع الحريري في قصته الرئاسية عن ذكر أسبابه الموجبة والحقيقية التي أوصلت نقاشه وحواره مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الى طريق مسدود، محاولاً حصر نتيجة هذا الحوار بشكل الحكومة الحالية، وهذه نتيجة لا يمكن له أن يتنكّر لها. وجّه ضربة على الحافر وضربة على المسمار بقوله إنه لم يرشح العماد عون، بعكس ما يقول البعض اليوم، ولا حتّى وعدناه بتأييد ترشيحه، ومن جهة ثانية أكد أنه «لا يخشى وصول أيّ شريكٍ في الوطن الى رأس السلطة، طالما يلتزم اتفاق الطائف وحدود الدستور».

قابل الحريري اليد الممدودة من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابة الرئاسي الأخير بتصعيد سياسي واضح، وأشار إلى أنّ كلام حزب الله أن «على المستقبل أن يعلن أنّ الجنرال عون مرشّحه أو أنّ الفراغ سيستمرّ، وليست هناك عجلة» «ما بتركب عَ قوس قزح»، لكن الواقع الحقيقي لعدم تلقف الإيجابيات التي أطلقها السيد نصرالله، تأتي انسجاماً مع لحظة التصعيد السعودية التي تدفع الإقليم كله نحو الاشتعال، لذلك جهد الحريري كلّه أمس هو إيجاد ذرائع متلبّدة تبرّر هذا التصعيد ضدّ حزب الله حتى لا يظهر متلبّساً بثوب المملكة التصعيدي.

لن تكفي الصورة التذكارية لإعادة لحم ما انكسر بين مكوّنات ثورة الأرز. فالشرخ العميق الحاصل لا يعالج بالخطاب المكتوب بعناية وبالكلمات المنمّقة. فهل اللحظة تسمح بإعادة مراجعة، أم أنّ هذا النوع من الخيارات تصبح فيه العودة الى الوراء شبه مستحيلة، ما دامت التباينات أعمق بكثير؟ علماً انّ هذه المكونات كانت حاضرة بقياداتها وغائبة بجماهيرها، والواضح أنّ وطأة أحداث المرحلة الماضية هي التي فرضت نفسها على أصل المشهد، رغم العواصف المفتعلة والديكور وافتعال الحميمية في 14 شباط، الذي يصادف أيضاً عيد الحب.

جمع الحريري فريق 14 آذار شكلاً داخل مجمع «بيال»، ووزع عليهم القبل فرداً فرداً، لكن في المضمون يعرف جيداً انّ هذه الخطوة الشكلية لم تنتج رئيساً في السابق ولن تنتج راهناً، إذا بقيت على هذه الحال، لأنها تفتقر المضمون الميثاقي، فتجديد الميثاق وتحصين النظام يكونان أولاً بإجراء استحقاق رئاسي يراعي الميثاق، وثانياً بإقرار قانون انتخابي يحقق عدالة التمثيل بين مكونات الوطن، وثالثاً الشراكة الوطنية التي تتجسّد بحكم الأقوياء في مكوّناتهم.

هل يتجاوز الحريري الشكل الى المضمون؟ وهل يستطيع الى ذلك سبيلاً إنْ انعتق من بعض الرهانات أو الحسابات او الإملاءات، فيضع الجميع في الخانة الوطنية التي لا تقصي أحداً وتفتح باب الحلول كلّها؟ لأنّ من يريد أن يُحرج من يتهمهم بالتعطيل ينتهج روح الميثاق ومضمونه ولا يكتفي بلمّ شمل فريقه السياسي في وجه فريق آخر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى