فريدمان: أهلاً بشرق أوسط جديد
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية مقالاً للمعلّق المعروف توماس فريدمان، يقول فيه إنه عندما سأل مراسل مجلة «أتلانتك» جيف غولدبيرغ، في كانون الأول الماضي وزير الخارجية «الإسرائيلي» اليميني السابق آفيغادور ليبرمان، السؤال الاستفزازي الآتي: «إن هناك تغيرات راديكالية ليس فقط في أميركا غير اليهودية، بل في أميركا اليهودية أيضاً، في ما يتعلق بإسرائيل وسمعتها. وسؤالي هو: أ هل يهمك هذا؟ ب ماذا ستفعل حياله؟ ج ما أهمية ذلك بالنسبة إليك؟». أجابه ليبرمان: «أقول بصراحة، لا يهمّني أي شيء»، مضيفاً أن «إسرائيل» تعيش في منطقة خطرة.
ويعلّق فريدمان على إجابة ليبرمان قائلاً: «علينا أن نعترف له بأمانته حين أجاب بأنه لا يهمه كيف ينظر اليهود أو غير اليهود في أميركا إلى إسرائيل».
ويضيف الكاتب: «تذكرت ذلك الكلام عندما كنت أستمع لحوارات مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري وهم يتطرّقون بشكل مقتضب إلى السياسة الخارجية، إذ يقوم المرشحون بتكرار العبارات المبتذلة ذاتها، من الوقوف إلى جانب حلفائنا الإسرائيليين والعرب السنّة. ولكن خذوا هذه الأخبار العاجلة: تستطيعون إحالة تلك العبارات المبتذلة إلى التقاعد، فبغضّ النظر عمّن سيكون الرئيس المقبل، فإن عليه أن يتعامل مع شرق أوسط مختلف تماماً».
ويؤكد فريدمان قائلاً: «سيكون شرق أوسط يشكله صراع على حل الدولة الواحدة، وحل اللادولة، وحل لا يقوم على الدولة، وحل الدولة المارقة».
ويشرح الكاتب قائلاً: «حل الدولة الواحدة في إسرائيل، وحل اللادولة في سورية واليمن وليبيا، وحل لا يقوم على الدولة في الخلافة الإسلامية، وحل الدولة المارقة الذي تقدّمه إيران».
ويقول فريدمان: «لو بدأنا بإسرائيل سنجد أن العملية السلمية ميتة. لقد انتهت تماماً، ولذلك أرجو من الكتاب أن يتوقفوا عن إرسال مقالات لصحيفة نيويورك تايمز فيها مقترحات جديدة لحل دولتين بين إسرائيل والفلسطينيين. وعلى رئيس الولايات المتحدة المقبل أن يتعامل مع إسرائيل المصممة على الاحتلال الدائم لجميع الأراضي الواقعة بين المتوسط ونهر الأردن، وحتى الأماكن التي يعيش فيها 2.5 مليون فلسطيني في الضفة الغربية».
ويتساءل الكاتب: «كيف وصلنا إلى هنا؟ لقد قام عدد من الناس بطعن عملية السلام، ومن الصعب معرفة من كان صاحب الضربة القاضية هل هم المستوطنون المتطرّفون المصرّون على التمدّد في الضفة الغربية والقادرون على التخريب على أيّ سياسي أو عسكري يعارضهم؟ أم هم البليارديون اليهود، مثل شلدون أديلسون، الذين يستخدمون نفوذهم للتخفيف من حدّة أي انتقاد من الكونغرس لبيبي نتنياهو؟ أم إن نتنياهو الذي لا يزيد على رغبته في التمسك بالسلطة إلا ضعف خياله في إيجاد حل آمن للانفصال عن الفلسطينيين؟ وفاز بيبي: فهو الآن شخصية تاريخية ـ الأب المؤسس لحلّ الدولة الواحدة».
ويقول فريدمان عن حركة حماس إنها الأمّ لهذا الحل، إذ كرّست الحركة إمكانياتها كلّها لحفر أنفاق لمهاجمة «الإسرائيليين» من غزة، بدلاً من تحويل غزة إلى سنغافورة، وجعلت من دعاة السلام «الإسرائيليين» موضع سخرية. وأطلقت صاروخاً قرب مطار «تل أبيب»، حتى أن الولايات المتحدة أوقفت الرحلات كلها لمدة يوم، وفي ذلك إنذار لكل «إسرائيلي» من الحمائم أو الصقور بما سيحصل إن هم تخلّوا عن الضفة الغربية.
ويستدرك الكاتب أن «حركة حماس لم تكن الوحيدة، فرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أقال رئيس الوزراء الفلسطيني الفعال الوحيد سلام فياض، الذي كان ملتزماً بمكافحة الفساد، وإثبات أن الفلسطينيين يستحقون دولة بالتركيز على بناء المؤسسات، لا على قرارات الأمم المتحدة».
ويرى فريدمان «أنهم كلهم قتلوا حلّ الدولتين، فلتبدأ مرحلة الدولة الواحدة، التي ستبدأ بحرب أهلية مستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وازدياد في العزلة الإسرائيلية في أوروبا، وفي الجامعات في أميركا، وعلى رئيس أميركا المقبل أن يبحر خلال هذا كله».
ويشير الكاتب إلى أن اللادولة هي «في سورية ـ التي يسيطر بشار الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون على جزء منها ـ وستبقى جرحاً في الصدر ينزف لاجئين إلى أوروبا، وأنا متأكد من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتعمد قصف السوريين المعارضين لدفعهم نحو الهجرة إلى أوروبا، على أمل خلق انقسام في الاتحاد الأوروبي، ويزيد من الضغط على إمكانياته، ليجعله منافساً أضعف لروسيا، وحليفاً أضعف لأميركا».
ويقول فريدمان إن «أبا بكر البغدادي وخلافته السنّية ستعتمد والدولة المارقة إيران الشيعية على بعضهما، ويضحكني سماع المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين عندما يقول الواحد منهم: عندما أصبح رئيساً سأجعل العرب السنّة يقودون الحرب ضدّ تنظيم داعش. يا للعجب، بالتأكيد لم يفكر أوباما بذلك أبداً!».
ويقول الكاتب: «لن يقوم العرب السنّة بتدمير تنظيم داعش، ما دامت إيران تتصرّف على أنها دولة شيعية مارقة، وليست طبيعية. صحيح أن إيران حضارة عظيمة، وتستطيع أن تسيطر على المنطقة بديناميكية رجال أعمالها وجامعاتها وعلومها وفنها، لكن آيات الله في إيران لا يثقون بقوّتهم الناعمة، ويفضّلون البحث عن العزّة في الأماكن الخطأ كلها، بالسيطرة على أربع عواصم عريبة، هي بيروت ودمشق وصنعاء وبغداد عن طريق وكلائهم الشيعة».
ويخلص فريدمان إلى القول: «لذلك، فإن نصيحتي لمرشّحي الرئاسة هي: استمروا في الحديث عن شرق أوسط خيالي، فأستطيع دائماً أن أستمع لحكاية قبل النوم، لكن استعدوا للواقع، فلم تعد هذه إسرائيل أجدادكم، ولم تعد السعودية شركة نفطكم، ولم تعد تركيا الناتو التي كانت لكم، ولم تعد إيران سائقي سيارات أجرتكم، ولم يعد أساتذة الجامعات المتطرفون المؤيدون لفلسطين هم ذاتهم. إنه وحش مختلف تماماً يزحف نحو بيت لحم».