السعودية وتركيا… «فقاعة الربع الخالي»

معن حميّة

الإعلان السعودي عن عملية عسكرية برية على الأراضي السورية بنحو 150 ألف مقاتل «سعودي» من جنسيات متعدّدة، وجدت فيه تركيا ضالتها فسارعت إلى تبنّيه وتأكيد الاستعدادات باستقبال طائرات سعودية في قاعدة انجرليك، واستبقت العمل البري بقصف مناطق سورية يتواجد فيها حزب الاتحاد الديمقراطي، وبتحذيرات من التقدم باتجاه منطقة أعزاز.

واجتذب الإعلان السعودي دولاً في مجلس التعاون الخليجي أبدت استعدادها للانخراط «بجحافلها»، قبل أن تعود الدول الآنفة الذكر لتربط مشاركتها بالقيادة الأميركية للعمل العسكري البري.

الحديث عن عملية عسكرية «سعودية» من البوابة التركية، جاء بعد التقدّم الكبير الذي حققه الجيش السوري في أرياف اللاذقية وحلب، وتمكّنه من إحكام السيطرة شبه الكاملة على المنافذ والبوابات التي تشكل خطوط دعم للمجموعات الإرهابية، وشلّ قدرات الإرهاب وقطع خطوط إمداده من الجهة التركية، وهو ما تعتبره الدول الداعمة للإرهاب، وفي مقدّمها تركيا والسعودية وقطر، هزيمة لها.

الإعلان السعودي وتأييد بعض الدول الخليجية وتركيا لهذا الإعلان والترويج له، ترجمة واضحة لخيارات هذه الدول، في دعم الإرهاب ومحاولتها رمي طوق نجاة للمجموعات الإرهابية، إنقاذاً لها من غرق محتّم، نتيجة ما يحققه الجيش السوري من تقدّم وإنجازات، خصوصاً في الشمال السوري.

لكن، هل تستطيع السعودية ومعها تركيا ودول خليجية أخرى تنفيذ تدخل بري كهذا وتحمّل تداعياته، من دون غطاء تؤمّنه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها، وضمناً «حلف الناتو»؟

لقد سبق أن شكّلت السعودية «تحالفاً إسلامياً»، سرعان ما تنصّلت منه دول عديدة على خلفية عدم التشاور معها، ويعتقد كثيرون أنّ الإعلان السعودي عن عملية عسكرية برية في سورية لا قيمة له على الإطلاق، خصوصاً بعد انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن، وما تمخّض عنه، من «تفاهمات» أميركية ــــ روسية، مصحوبة باستدراكات أميركية تماهت مع وجهة النظر الروسية.

غوغائية المسؤولين السعوديين وخبث نظرائهم الأتراك والقطريين، ومسرحية تمرّدهم المزعوم على السيّد الأميركي، لن تؤتي ثمارها، إذ إنّ هناك حزماً سورياً يترجم بعمليات حسم تفرض وقائع جديدة على الأرض، ولعلّ أبرز مؤشرات الحزم السوري ما أعلنه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، حين علقّ على فرضية العملية البرية «السعودية» بالقول: «إن أيّ معتدٍ سيعود بصناديق خشبية».

وعبارة إعادة المعتدين بصناديق خشبية، لا تأتي من العدم، خصوصاً عندما تصدر عن وزير خارجية معروف عنه اتزانه وإتقانه السياسة واحترافه الدبلوماسية بكلّ مفرداتها ودلالاتها وأبعادها. وكما هو معروف أنّ وزير خارجية سورية ليس على صورة وزراء البلاط العربي الذين يسجلون المواقف طبقاً لغرائزهم وأهوائهم وأضغاث أحلامهم، ولا على صورة بعض الوزراء الأوروبيين، الذين يردّدون عبارات ببغائية وينتهون بالاستقالة ومغادرة الحياة السياسية.

فحين يتحدّث المعلم عن إعادة المعتدين بصناديق خشبية، معنى ذلك، أنّ الإنجازات التي يحققها الجيش السوري في الميدان، إنما هي نتيجة استعدادات سورية لمواجهة الاحتمالات كلّها، بما فيها احتمال العدوان البري. ومعنى ذلك أنّ خطة المواجهة تحمل إلى جانب توقيع سورية تواقيع روسيا وإيران والدول التي تقف في هذا المحور.

معنى ذلك، أنّ التهديدات السعودية بعملية عسكرية برية، والإشعارات التركية بالاستعدادات لهذه العملية، لا يُعّول على جديتها. فالسعودية التي تقود تحالفاً عسكرياً ضدّ اليمن، لم تحقق حتى الآن أهدافها، وبحسب المراقبين فإنها لن تحقق أهدافها مستقبلاً، حتى لو استمرّت العملية العسكرية ضدّ اليمن سنوات طويلة.

والسؤال: هل ما عجزت السعودية وحلفاؤها عن تحقيقه في اليمن هو سهل التحقيق في سورية التي صمدت طيلة خمس سنوات في مواجهة حرب كونية شاركت فيها عشرات الدول ومئات التشكيلات الإرهابية المتطرفة؟

وهل يمكن توقع حصول أطراف العدوان على سورية كالسعودية وتركيا وغيرهما على ضوء أخضر وقيادة أميركية لشنّ عملية عسكرية على سورية، تحت زعم محاربة «داعش»، في ظلّ وجود روسيا الاتحادية بكلّ قوة إلى جانب الدولة السورية، خصوصاً في الشمال السوري؟

بخلاف حلفائها الأوروبيين وأتباعها الإقليميين والعرب، تدرك الولايات المتحدة الأميركية، أنّ المحظور الذي تضعه روسيا الاتحادية ليس مسموحاً خرقه، وأنّ تحذير رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف «باندلاع حرب عالمية وتعطيل المفاوضات السورية، في حال تدخل قوات أجنبية في الحرب بسورية»، ليس تحذيراً عرضياً، ولا يندرج في سياق مواقف التهويل، بل هو موقف حاسم وحازم. وتأخذ الإدارة الأميركية الموقف الروسي على محمل الجدّ منذ العام 2007، أيّ قبل بدء الحرب على سورية، منذ بدأت الطائرات الاستراتيجية الروسية بالتحليق في شهر آب 2007، وحينها اعتُبرت تلك التحليقات والتزوّد بالوقود جواً، بمثابة قنابل نووية ضخمة يمكنها الوصول إلى أيّ بقعة في العالم.

وعلى خلفية الموانع التي تحول دون تنفيذ السعودية لتهديداتها بعملية عسكرية برية على الأراضي السورية، وصدور تصريحات سعودية تتحدّث عن أنّ العملية لن تتمّ إلا في نطاق التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والتحاق تركيا بلسان وزير دفاعها الذي نفى نية تركيا المشاركة بقوات برية، بخلاف ما أكده وزير خارجية تركيا، فأيّ خيارات بديلة ستلجأ إليها السعودية وتركيا ومحورهما من أجل دعم المجموعات الإرهابية؟

المتابعون يرون أنّ الإعلان السعودي عن عملية عسكرية برية مجرد فقاعة، وهو بمثابة عرض عضلات منفوخة، تتفتّق قبل بلوغ حلبة الكبار، وعبثاً تحاول السعودية حجز مقعد أو دور بين الكبار، مهما قدّمت من استعراضات القوة، عبر مشهدية مناورة «رعد الشمال»، والتي تحاول من خلالها التأكيد بأنّ «التحالف الإسلامي» الذي شكلّه وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، وتنصّلت منه دول عدة، لا يزال قائماً!

واقع الحال، أنّ المسؤولين الأتراك والسعوديين وآخرين، يحاولون إيهام أنفسهم بخلاف ما تُقرّ به الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الدوليين. إذ بات واضحاً أنّ الإدارة الأميركية تُقرّ بأرجحية دور روسيا وإيران وحلفائهما في المنطقة، ما يعني رجحان كفة الدولة السورية، وبالتالي لا يمكن لواشنطن أن تتجاوز هذا الواقع أو تتجاهل هذه الحقيقة.

عود على بدء الحديث عن الإعلان السعودي، فثمة اعتقاد بأنه يستبطن سيناريو يرمي إلى دعم الإرهاب في مناطق الشمال السوري، وهو الأمر الذي بدأت تركيا بترجمته، من خلال استهداف مواقع الاتحاد الديمقراطي ومواقع أخرى في سورية، بذريعة مواجهة ما تسمّيه تركيا تهديدات حزب الاتحاد الديمقراطي، الأمر الذي اعتبرته سورية عدواناً، ووضعت مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة في صورته، قبل تحديد شكل الردّ على هذا العدوان وطبيعته، وبالتأكيد سيكون الردّ قوياً، خصوصاً بعدما أعلنت روسيا الاتحادية عبر وزارة خارجيتها، أنّ القصف التركي للمناطق السورية عمل عدواني داعم للإرهاب، ينتهك القرارات الدولية ويشكل خطراً على الأمن والسلام.

مع وصول الطائرات السعودية إلى قاعدة انجرليك التركية، فقد يكون ضمن السيناريو الموضوع، حصول السعودية على هامش مشاركة ضمن التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، يتيح لها تحت ذريعة محاربة «داعش»، تنفيذ ضربات جوية، تشكل زنار نار وحزام أمان للإرهاب في مناطق يعتزم الجيش السوري تحريرها! وهذا يعني أنّ فقاعة العملية العسكرية البرية هدفها الفعلي تحرير المجموعات الإرهابية من الطوق الذي يتجه الجيش السوري إلى فرضه بإحكام حول الإرهاب.

على أية حال، مهما تعدّدت «السيناريوات»، ومهما كان حجم الاستعراضات والمشهديات، فلن تخرج مناورة «رعد الشمال» من حفر الباطن، مثلما لم يُسمع «رعيد» الـ«بيال» من خارج القاعة، ولن تفلح فقاعة الربع الخالي في وقف اندفاعة الجيش السوري وحلفائه باتجاه القضاء على الإرهاب وإفشال مشاريع مخططات داعميه.

مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى