فلسطين بين همجية الاحتلال وهمجية الإعلام…
جمال العفلق
لا جديد يكتب في وصف الهمجيّة الصهيونية، ولا جديد يكتب في وصف مواقف العالمين العربي والإسلامي، من اجتماع صامت للجامعة العربية التي سارع أمينها العام الى أرشيفها بحثاً عن بيان شديد اللهجة في إدانة «إسرائيل»! الى الترحيب بمبادرة تدعو الى وقف العنف والعنف المضادّ. لكنهم لم يقولوا بوقف الاعتداء الصهيوني على المدنيين ورفع الحصار الاقتصادي والإنساني عن شعب يعيش على أرضه لاجئاً. مبادرة تساوي بين الضحية والجلاد ترضي بلاد العمّ سام وتقنع الرأي العام «الإسرائيلي» بمدى سيطرة حكومته على عواصم القرار العربي والإسلامي! مبادرة تنافسها أخرى تُصنع بين الدوحة وأنقره، فـ»إسرائيل» تقتل الأطفال فيما عواصم عربية وإسلامية تستثمر صور الأشلاء في حصد المكاسب السياسية. ويرفع نتنياهو السقف مطالباً بأن تكون فلسطين خالية من أيّ سلاح إلاّ سلاح العصابات الصهيونية ومسح كلمة مقاومة من معجم اللغة.
فلسطين المذبوحة على منابر الإعلام بأصوات أشباه الإعلاميين والمثقفين الغارقين في أحقادهم الشخصية أو في عقدة البحث عن الشهرة. فلسطين المذبوحة والغارقة بدماء أطفالها الرضّع وشعبها الأعزل، اختصرها السياسيون والإعلاميون بأسماء أشخاص! ولم يكتف الإعلام اليوم بتشخيص القضية الفلسطينية ومعاقبة شعب بكامله بناء على مواقف قيادة سياسية متخبّطة بقرارتها ورهنت نفسها لعواصم إقليمية وعربية هي في الأصل حليف وشريك للكيان الصهيوني، بل استطاع أن ينافس الإعلام الصهيوني نفسه وتفوّق عليه في تشويه الحقائق وتزوير التاريخ.
لا تستغربوا إذا خرج ابن آوى بربطة عنق متصدّراً شاشة قناة فضائية وطالباً من الجيش العربي السوري أن يتعلم من جيش الاحتلال الصهيوني كيف يتجنّب المدنيين! في حين تؤكد قناة «إسرائيلية» أنّ صاروخ طائرة «إسرائيلية» تسبّب بقتل عشرة أطفال فلسطينيين على الأقلّ. لم يعترف هذا الاحتلال بجريمته من باب إنساني، بل وجد نفسه مجبراً على الاعتراف بسبب وجود عدسات الكاميرات التي وثقت الجريمة، ولأنه يريد استثمار هذه الجريمة في إرسال رسائل الترهيب والوعيد للشعب الفلسطيني.
لا تستغربوا أن يدافع ابن آوى عن جيش «إسرائيل» بل أن يغرق أكثر ليدافع عن جيش الاحتلال الفرنسي إبان احتلاله لسورية، كأنه يريد القول إنّ شعوب هذه المنطقة لا تستحق العيش وإنّ المحتلّ أرقى وأطهر من هذه الشعوب.
هذا الإعلام هو الجزء المكمّل للمواقف العربية والإسلامية التي تخدم مصالح «إسرائيل» وتتسابق على تقديم فروض الطاعة والولاء لهذا الكيان الذي لم يتوقف يوماً منذ زرعه على هذه الأرض إلى يومنا هذا عن القتل بأبشع الصور.إعلام تُصرف علية ملايين الدولارات ليبثّ الفرقة ويزرع الفتنة الطائفية.
ليست معضلة كبيرة أن نفهم اليوم لِمَ نقلت هذه الدول الراعية لما سُمّي بـ»الربيع العربي» الخادمة لأميركا و»إسرائيل» ألوف المجاهدين بمال عربي ورعاية دولية عبر مطارات عربية لتصل بهم الى تركيا ومنها الى سورية والعراق، فـ»داعش» ليست سوى وجه من وجوه تلك الدول التي تعمل ليل نهار على تدمير المنطقة وتنفيذ التعليمات لخلق جيل ليس في قاموسه كلمة فلسطين أو مقاومة احتلال.
فما أشبه اليوم بالأمس. اليوم نعيش ذكرى حرب تموز التي تورّطت «إسرائيل» فيها عام 2006 بدعم ومباركة من الدول عينها التي تتاجر اليوم بالفلسطينيين والعرب على حدّ سواء. ذاك العدوان استطاعت المقاومة في لبنان أن تكسره، محوّلة جنوب لبنان إلى مقبرة لدبابات لطالما تباهت الصناعة الصهيونية بها وبارجة عسكرية كانت تسيطر على شواطئ البحر أصبحت من الماضي. حرب ثبت فيها أنّ «إسرائيل» أوهن من بيت عنكبوت، وما مصدر قوتها اليوم التي تدعيها إلاّ من دعم عربي وإقليمي يستمدّ حكامه وجودهم من وجود هذا الكيان الغاصب.
يبقى الرهان الأكبر على شعب متمسك بالمقاومة ومتمسك بالأرض ومتمسك بالحياة لأنّه يستحق الحياة.