الانتخابات البلدية… حفاظاً على الدستور أم خوفاً من كشف المستور؟

حسين ماجد

«كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون» صدق الله العظيم 48 سورة النمل .

الأطراف تحكم لبنان، لا رأس، ولا قلب، ولا حواس، أطراف تسطو، وتسرق، وتهرّب، ولم يشعر أحد منها يوماً بوجع هذا الشعب، لا من رهط جبريل، ولا من رهط إبليس، «كل من لاقيت يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن»، حكم تتآكله ظروف متخلّفة، وتنهشه الغرائز، والشهوات، ودولة تتصارع فيها، وعليها قبائل، ومذاهب، وأجيال، وعنصريات، وطبقات، لا تنمية، ولا إنماء، ديون وضرائب وفساد، أهلكت العباد، وخرّبت البلاد، لا عقل، ولا قيم، ولا حياء، والشعب يتململ، ويتنادى بخجل، داعياً إلى التغيير، مقاوماً العدو بشجاعة، والغزو، والتكفير، صابراً على جور هذا الحكم، المخلوق العجيب، المجبول من انتخابات مزوّرة، ووراثة إقطاعية، وقوى أجنبية خارجية.

«الرهط التسعة» موافق على إجراء الانتخابات البلدية في موعدها، والحراك الشعبي المدني يرحّب بها منتصراً، حتى الأحزاب العلمانية واليسارية والتي لم تهتمّ ولم تمثل بها يوماً، نراها متحمّسة لإجرائها، والاعتمادات المطلوبة جاهزة للصرف، وأعضاء المجالس البلدية جاهزون، والقوى السياسية باشرت التحضير منذ أشهر، والمهمّ في ذلك كله أنهم جميعاً «يرفضون التمديد، ويحترمون القوانين، ويحافظون على الدستور!؟»

لم يقرأ، ولم يسمع تصريح، أو تلميح، يتحدّث عن «قانون انتخاب للمجالس البلدية» ولم يتذكّر، أو يذكر أحد مشروع القانون الذي وضعه الوزير زياد بارود، وصدّقته الحكومة بعد مناقشته في 7 جلسات لمجلس الوزراء، وتقدّمت به بتاريخ 5 آذار، عام 2010 بصفة المعجّل إلى مجلس النواب، الذي لم يقره لتاريخه بحجة «ضيق الوقت».

إنّ المجلس البلدي هو الخلية الاجتماعية الوطنية الأولى الأساسية، الإدارية، والإنمائية الخدماتية المحلية، تتفاعل وتتكامل مع القدرات والمعطيات والإمكانات المادية والإنسانية، وتساعد الدولة على وضع وتنفيذ وتقييم خططها وبرامجها ومشاريعها، وتتعاون مع الإدارات الرسمية المحلية، والمنظمات الوطنية، والإقليمية، لتلائم التقديمات مع الحاجات الضرورية للسكان، وهذا يتطلب قانوناً يساعد على اختيار مجالس بلدية تحقق:

أ – عدالة التمثيل للقوى الفاعلة على اختلاف أنواعها، وتعدّد فئاتها، وانتماءاتها.

ب – تفعيل المشاركة الشعبية الواعية التنافسية الديمقراطية المتكاملة، والتي تلبّي الحاجات الضرورية الملموسة والتي تشمل جميع سكان البلدة.

ج – تمكين المجالس البلدية من المتابعة والاستمرار، ومن القيام بوظائفها، ومهامها، متفاعلة، ومتعاونة مع السكان في سبيل تحقيق المنفعة العامة، المحلية، والوطنية.

د – وصول القيادات الفعلية الحقيقية القادرة، الكفوءة، وتجاوز الاصطفافات السياسية، والحزبية، والطائفية، التي تؤدّي الى التسلّط، والهيمنة، والاحتكار.

من هذه المنطلقات كانت مبادرة الوزير زياد بارود الإصلاحية الجريئة، باعتبار أنّ قانون البلديات الحالي رقم 77/118، لا يمكّن من تحقيق الأهداف التي ذكرناها، فكان مشروع القانون الجديد على أساس مبدأ النسبية وما يترتب عليها من إجراءات، والذي تقدّمت به الحكومة، كما أسلفنا، إلى المجلس النيابي بصفة المعجّل، لكي يتسنّى لها العمل بموجبه في انتخابات العام 2010، ولم يقرّ في حينه «بحجة ضيق الوقت».

واليوم وبعد مضيّ 6 سنوات على وأده، ولكثرة أشغال المجلس النيابي، لم يسمح الوقت حتى «بالترحّم على القانون، أو ذكر صاحبه بالخير».

فرصة سانحة لهم، المستفيدون منها حاضرون، متفقون، والمتضرّرون المهمّشون غائبون، وينادون جميعاً «الانتخابات البلدية في موعدها حفاظاً على الدستور، واحتراماً للقانون، ولا للتمديد»!

انتخابات للتجديد ستكون أسوأ من التمديد، «سيذهب الشبعان ويأتي الجوعان»، وستوزّع الغنائم على الزبانية، والعبيد، فالتغيير والتجديد هو في الفكر، والإرادة، والسلوك، والكفاءة والنتائج. وليس بالأشخاص والأسماء، وهذا التغيير لن يحصل بوجودهم، ووفقاً لقانونهم، وسيبقى الوضع على حاله وكما يقول المثل: «الدبكة خيامية» سنبقى محلنا.

إنّ قانون البلديات على أساس النسبية هو نقطة تحوّل نحو ديمقراطية متوازنة مسؤولة، وهو تحوّل اجتماعي جذري، يحقق المشاركة الفعلية، والتماسك الاجتماعي السليم، والمتين، والقائمة النسبية هي الأنسب للمجتمع اللبناني حفاظاً على العدالة والاستقرار والانصهار الوطني، خاصة إذا عمّم هذا المبدأ على جميع المؤسسات العامة والأهلية… المجلس النيابي، البلديات، النقابات على اختلافها، المنظمات غير الحكومية، غرف الصناعة والتجارة والزراعة، الأحزاب السياسية، والتي يقارب عددها 9000 مؤسسة، مما يؤدّي إلى وعي اجتماعي سياسي جديد يَصبّ في قوّة الدولة ومناعتها، وترسيخ تعاون الشعب ووحدته ومشاركته، وبناء مجتمع الانتماء الوطني الصحيح.

فالقضية هي قضية قانون الانتخابات البلدية، وليست إجراء الانتخابات، والظروف الأمنية، والقدرة على التمويل، واحترام الدستور، وهي قضية احتكار السلطات، والحفاظ عليها، وتسخير الدستور والقوانين لتعزيزها وتوزيعها حصصاً بين مجموعة من زعماء الطوائف لتأمين مصالحهم وتحقيق رغباتهم.

الفرصة اليوم ملائمة، لتكريس وضع قائم، وعدم المساس به، وبالقوانين التي أنتجته، فسارعوا إلى تسهيل إجراء الانتخابات البلدية المضمونة النتائج، في ظلّ هذه الفوضى المتحكّمة بحياة الشعب اللبناني، تجنّباً لوعي يهدّد ضمانة تلك النتائج، وخوفاً من المطالبة بقانون جديد يؤمّن تمثيلاً عادلاً، ومشاركة فاعلة.

وباختيارنا عشوائياً لنتائج انتخابات المجالس البلدية للعام 2010، في قضاء مرجعيون، يتبيّن لنا:

– عدد الناخبين في بلدات: بلاط، بليدا، بني حيّان، تولين، حولا، الصوانة، الطيبة، عدشيت، القنطرة، مجدل سلم قد بلغ 31024 ناخباً.

– مجموع عدد المقترعين في هذه البلدات قد بلغ 15483 مقترعاً، بنسبة 49,9 .

– مجموع عدد أعضاء البلديات العشرة قد بلغ 132 عضواً.

– لقد نال تحالف حركة أمل- حزب الله متوسطاً قدره 8419 صوتاً، بنسبة54.37 و128 مقعداً.

– لقد نالت «اللوائح المنافسة» متوسطاً قدره 5186 صوتاً، بنسبة 33.5 و4 مقاعد.

– لقد نال تحالف حركة أمل- حزب الله متوسطاً من المقاعد بنسبة 97 ، مقابل 3 للوائح المنافسة.

– وفقاً لقانون على أساس النسبية، تنال لوائح «أمل ـ حزب الله» 90 مقعداً، واللوائح المناسفة 42 مقعداً.

مع الإشارة إلى أنّ متوسط ما حصلت عليه اللائحتان هو بنسبة 43.84 من مجموع عدد الناخبين، وأنّ متوسط النسبة التي حصلت عليها اللائحة الرابحة هي فقط 27.14 من عدد الناخبين، مع احتمال ارتفاع نسبة المقترعين وفق قانون النسبية وتغيّر النتائج.

أصدِروا قانوناً جديداً لانتخابات المجالس البلدية، وأبعِدوا السياسة عن الإنماء، وعن حاجات، وقضايا المجتمع المحلي، فمما تخافون، الشعب المخدّر خاضع لكم طوعاً، أنتم الوصاية، لكم الوكالة، تملكون الثلث الضامن المعطّل، والفيتو من حقكم، أنتم ملوك الدنيا، والمصيبة، ربما أنتم أيضاً ملائكة الآخرة، أعلمونا ماذا تريدون؟

إنّ مثلنا أعلاه هو النموذج لما جرى وسيجري في جميع البلدات اللبنانية، وإذا كان هذا النموذج هو الأقوى في قضاء مرجعيون، فكيف ستكون الحال في بقية الأقضية في ظلّ قانون عصري جديد؟

إنّ قانون المجالس البلدية يتطلب دراسة جدية، متأنية، معمّقة، هادئة، بعيداً عن الضجة المفتعلة، وخارج الملعب السياسي، والمكاسب الطائفية، والحزبية، لأنّ المجالس البلدية تحتاج إلى تمثيل واقعي فاعل، وإلى الموارد المالية الكافية، والصلاحيات الإدارية الإنمائية ضمن الاستقلال المالي والإداري الملائم.

وقبل الحديث عن مواصفات وميزات القانون المطلوب، لربما من المفيد الإشارة إلى أهمية ما يلي:

1 – استحداث وزارة خاصة تحت اسم «وزارة الإدارة المحلية» تتولى مع البلديات تنمية المجتمع المحلي وتقدّمه.

2 – الإطار الجغرافي السكاني: في لبنان اليوم حوالى 1000 مجلس بلديّ، 70 منها عدد سكان كلّ منها المسجلين أقلّ من 4000 نسمة، إذ يسمح القانون بإنشاء مجلس بلدي لكلّ 300 نسمة وما فوق، أما عدد البلدات فهو حوالى 1500 بلدة، يضاف إليها حوالى 1000 مزرعة ودسكرة، منها 27 سكان كلّ منها دون 1000 نسمة.

إنّ هذا الواقع لا يؤمّن المعطى الإنمائي لهذه البلدات ومجالسها باستثناء حوالى 60 مجلساً فقط تتمتع بالمعطى السكاني المناسب، من هنا يمكن إعادة النظر بالتحديدات الجغرافية السكانية لأطر المجالس البلدية، بحيث ينشأ على مستوى الوطن 180 مجلساً، منها 60 مجلساً بلدياً في المدن، و120 مجلساً في الأرياف، على أن تتراوح مساحة كلّ من مجالس الأرياف بين 40 و60 كلم2، ويتألف ما بين 8 و 12 قرية، ويتراوح عدد السكان ما بين 25 و30 ألف نسمة، ومن الممكن أن ينشأ 50 مجلساً لكلّ من محافظتي جبل لبنان والجنوب، و40 مجلساً لكلّ من محافظتي الشمال والبقاع.

3 – استحداث قانونين للمجالس البلدية أحدهما للمدن والآخر للأرياف مع مراعاة عدد السكان.

وفيما يتعلق بقانون الانتخابات البلدية، يتوجب تضمينه واعتماده الأمور التالية:

1 – النسبية: وببساطة تحصل كلّ لائحة من اللوائح على نسبة من عدد المقاعد تساوي نفس النسبة التي حصلت عليها من أصوات المقترعين، ومثلاً على ذلك، فإذا كان المجلس يتألف من 15 عضواً، وحصلت اللائحة الأولى على نسبة 34 فتتمثل بـ5 مقاعد، واللائحة الثانية نسبة 26 فتتمثل بـ4 مقاعد، والثالثة 20 فتتمثل بـ3 مقاعد، والرابعة حصلت على 20 فتتمثل بـ3 مقاعد أيضاً، وتتمّ عملية انتخاب الرئيس إما من الشعب مباشرة أو من قبل أعضاء المجلس المنتخبين.

2 – الأقرباء والأنسباء: ليس عدلاً ولا ديمقراطياً عدم قبول ترشيح بعض الأقرباء والأنسباء وعدم السماح لهم بتمثيلهم في مجلس بلدي واحد، مع انّ الأقرباء والأنسباء، حتى الأخوة منهم، يتنوّعون، بانتمائهم العائلي، والطائفي وكذلك يتناقضون بانتمائهم الحزبي والسياسي.

3 – الأفضلية: من غير المنطقي اعتماد أفضلية كبر السن في حال التعادل في الأصوات، أو استعمال القرعة، بل يجب اعتماد مواصفات أخرى «العلم، الإقامة الدائمة إلخ…»

4 – المستوى العلمي: لم يعد مقبولاً تجاهل المستوى العلمي للمرشحين «أن يعرف القراءة والكتابة، أو أن يكون متعلماً حسب نص قانون الانتخابات النيابية» خاصة للبلديات الكبرى ولرؤسائها تحديداً.

5 – العمر: من المفيد جداً إشراك الفئات الشابة في عملية الإنتخاب «18سنة على الأقلّ» وربما كان مفيداً أيضاً أن لا يجاوز عمر المرشح الـ70عاماً على الأكثر.

6 – التفرّغ: تفرّغ رئيس المجلس أصبح حاجة ضرورية خاصة في البلديات الكبرى، إلى جانب تعزيزها بالموظفين الإختصاصيّين، إذ يلاحظ وجود حوالى 400 بلدية لا تستخدم كل منها سوى موظف واحد.

7 – الإقامة: بالنسبة للمرشحين، إقامتهم في البلدة وعلى الأقلّ أكثر أيام السنة، يجب مناقشتها، وكذلك من يملكون جنسية أخرى، أما بالنسبة إلى الناخبين فيجب تأمين مراكز اقتراع في أماكن إقامتهم، ومناقشة موضوع الإقامة، ومعالجة موضوع النقل وكلفة الانتقال ودور المجلس البلدي لتأمين هذه الكلفة.

8 – المشاركة: تأمين حقوق جميع أبناء البلدة في عملية الانتخاب دون أيّ استثناء استنسابي، خاصة العسكريين وموظفي القطاع العام وأساتذة الجامعة اللبنانية.

9 – الكوتا الجندرية: اعتماد مبدأ الكوتا الجندرية في قوائم اللوائح لإشراك الجنسين، على ان لا تقلّ النسبة عن 30 وأن تستمرّ لـ3 دورات فقط.

10 – النصاب: إنّ نصاب «الثلث» أو «بمن حضر» لا يتفقان مع العمل الاجتماعي الديمقراطي، خاصة انّ العمل الإجتماعي المحلي هو «للجميع وبالجميع» ولا تستقيم الأمور إذا كان القرار يتخذه 3 من 15 إذا كان الثلث يشكل نصاباً.

وأخيراً فإنّ مشروع القانون السجين الذي تقدّم به الوزير زياد بارود يصلح لأن يكون منطلقاً ديمقراطياً، وحضارياً، لإصداره مع بعض التعديلات غير الأساسية، والعمل على توضيح التقنيات الملائمة خاصة في ما يتعلق «باللائحة المقفلة، اللائحة غير المكتملة، المفاضلة، عتبة التمثيل»، إنّ هذا القانون سوف يشكل ولأول مرة خطوة جريئة، تفتح نوافذ تهوية وتدخل النور، والهواء، مخترقة السجون، والكهوف المظلمة، الظالمة، الخانقة، ليتنفس هذا الشعب، ويبصر النور، ويسترجع البصيرة، ويقدم على إنقاذ هذا الوطن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى