حول التّدخّل البريّ المرتقب في سورية
شارل أبي نادر
في الحقيقة، لا يبدو أنّ التهويل الواسع بتدخل بري في سورية تنفذه وحدات عسكرية تركية سعودية بشكل مشترك أو بشكل منفرد لإحدى الدولتين يتمتع بإمكانية التحقق، وذلك لأسباب متعدّدة تتجاوز السياسة والديبلوماسية والاستراتيجية إلى العسكرية والميدانية على الأرض، حيث تلعب كلّ من هذه الأسباب دوراً مؤثراً وفاعلاً في عدم تحقق هذه الإمكانية
بداية، وبعد أن انطلقت التصريحات التي روّجت لهذا التدخل من قبل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من منابر ديبلوماسية رفيعة في الولايات المتحدة الأميركية، أو من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بطريقة مباشرة خلال أكثر من مناسبة رسمية تركية، كان لها وقع جدّي أخذ الرأي العام الدولي بشكل عام والإقليمي بشكل خاص إلى افتراضات وسيناريوات غلب عليها طابع الحذر والخوف والخشية من تطوّر الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه، نظراً إلى هذا الاشتباك والتداخل والمواجهة التي تميّز هذا الملف في هذه المنطقة وفي هذا الوقت الحساس.
ديبلوماسياً، جاء الردّ السوري واضحاً وحاسماً لناحية اعتبار التدخل، حتى ولو تمّ تحت غطاء محاربة الإرهاب، أو «داعش» بالتحديد، اعتداءً صارخاً على سيادة الدولة السورية وعلى سلامة أراضيها في حال حصل دون طلب أو موافقة رسمية من السلطة الشرعية، والذي لن يحصل بالطبع، وبالتالي سيكون التدخل هدفاً لمواجهة عسكرية مفتوحة، كما أنّ الحليف الأساسي لسورية، وهو الدولة الروسية التي أعلنت أيضاً، وعلى لسان أرفع مسؤوليها، أنّ هذا التدخل وبالشكل الذي يتمّ الحديث عنه، سوف يشكل اعتداءً واضحاً، ونحن سنقف بالتأكيد إلى جانب سورية، كما ذكّر هؤلاء بأكثر من واقعة دولية أسّست لتدخل مماثل افتتح حروباً طويلة الأمد وأزمات حادّة لامست تداعياتها الحرب الشاملة أو العالمية. وحذروا من التداعيات الكارثية لتدخلات كهذه غير محسوبة النتائج.
ميدانياً، من الملاحظ مؤخراً أنه وتبعاً للتطورات العسكرية في سورية، وخاصة في ريف حلب الشمالي، تتسارع الأحداث والعمليات على الأرض لمصلحة تقدّم الجيش السوري وحلفائه من ناحية، ولمصلحة تقدّم وحدات حماية الشعب الكردي وبعض الوحدات الأخرى المتحالفة معها من جهة أخرى، إلى درجة أنّ المساحات التي تتضمّن الأراضي والبلدات التي كان يسيطر عليها المسلحون الذين يمكن وضعهم في خانة المحسوبين على تركيا أو على المملكة العربية السعودية بشكل أو بآخر، أصبحت تتضاءل بشكل لافت يوماً بعد يوم، وحتى ساعة بعد ساعة، في بعض النقاط الحساسة والملتهبة عسكرياً، ويمكن القول إنّ هذه المساحات أصبحت غير صالحة لاستيعاب أيّ تدخل بري تنفذه وحدات عسكرية منظمة، نظراً إلى التداخل والتشابك بين مجموعات المسلحين والوحدات الكردية والجيش السوري وحلفائه الذين يضغطون على كامل محاور التقدّم إلى عمق هذه المواقع التي بدأت تلامس الحدود مع تركيا في أعزاز أو في معبر باب السلامة وغيرهما…
هذا التداخل بين هذه الوحدات لا شك في أنه يخلق فرصاً مرتفعة للاشتباك المباشر مع وحدات الجيش السوري وحلفائه، والتي تتمتع بتغطية وحماية جوية روسية وحتى سورية واسعة ودقيقة وشاملة في تلك البقعة، الأمر غير المتوافر للوحدات البرية المرتقب أن تتدخل، وذلك لأسباب لها علاقة بالحظر الجوي الصارم الذي تفرضه الوحدات الروسية على كافة الطائرات الغريبة في أجواء عملياتها، والتي تنفذها بشكل واسع من خلال الطلعات الجوية على كامل بقعة عمليات الوحدات العسكرية البرية السورية مع الحلفاء، وأيضاً من خلال تنفيذ طلعات جوية لمصلحة الوحدات الكردية المختلفة، كما أنّ هذا الحظر الجوي قد تكرّس وأصبح ثابتاً بشكل مؤكد بعد حادثة إسقاط القاذفة الروسية «سوخوي» فوق ريف اللاذقية من قبل الأتراك وما نتج عن ذلك من تغيير لقواعد الاشتباك الجوي حدّدتها وفرضتها روسيا وأعلنت عن ذلك صراحة بالطرق الديبلوماسية والعسكرية والإعلامية كافة، وأرفقتها بخطوات عسكرية وميدانية على الأرض ومنها نشر أحدث منظومات الصواريخ المضادّة للطائرات وللصواريخ من نوع «أس 300» و«أس 400» في أمكنة تؤمّن لها تغطية واسعة تتخطى الحدود السورية التركية العراقية.
في ظلّ هذا الردّ الديبلوماسي الواضح في مواجهة التدخل البري المزمع، والذي أخذ طابعاً حاسماً لجهة اعتباره اعتداءً سيُواجه حتماً، أو لجهة اعتباره خرقاً خطيراً قد تكون له تداعيات كارثية لا يمكن استبعاد نشوء حرب عالمية على خلفيته، وفي ظلّ هذه الصعوبة أو هذه الاستحالة التقنية والعسكرية لأسباب يفرضها الميدان السوري على الحدود مع تركيا بشكل واضح، أقله في المناطق غير تلك التي تسيطر عليها «داعش»، والتي هي عملياً بعيدة عن عمليات الجيش السوري المباشرة حتى الآن، لم يبق لمروّجي هذا التدخل المرتقب إلا سحبه من التداول الإعلامي بطريقة ناعمة وسلسة مرفقاً بتبريرات ديبلوماسية بدأنا نلمس بعضها، ومنها ربط التدخل من ضمن تحالف دولي تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية أو من ضمن خطة منسّقة مع قوى دولية وإقليمية ليست بعيدة عنها روسيا أو الاتحاد الأوروبي ترمي إلى محاربة «داعش».
وأخيراً، هل ستكتفي كلّ من تركيا أو المملكة العربية السعودية بالتفرّج على انهيار وهزيمة المسلحين الذين دفعتا الغالي والنفيس، ولحوالي خمس سنوات في سبيل خلقهم وتحريضهم ودعمهم وتسليحهم ونقلهم إلى الساحات والميادين لمواجهة الجيش والشعب والدولة في سورية لأهداف توسعية ومذهبية معروفة؟ أم أنّ الدولتين تحضّران لمناورة غير واضحة تحاولان من خلالها المحافظة، ولو بالحدّ الأدنى على نقاط ومكتسبات بحاجة ماسّة إليها في مفاوضات جنيف أو في أية تسوية أخرى بدأت خيوطها تظهر وتتثبّت من خلال الصمود والمقاومة اللذين أظهرهما الجيش السوري وحلفاؤه في هذه الحرب الكونية التي شُنّت ضدّهم؟