عصر الإذاعة الذهبيّ
عبد الحكيم مرزوق
قبل أن يعرف المواطن العربي الصحون اللاقطة للمحطات الفضائية عبر الأقمار الصناعية، كان يستقبل البثّ التلفزيوني عبر «الأنتيل»، أو الهوائيّ العادي الذي كان يلتقط بثّ المحطات الأرضية السورية وبعض المحطات اللبنانية. وكان ذلك الوقت يعتبر عصراً ذهبياً للمحطات الإذاعية التي كانت وما تزال تبث برامجها من خارج القطر وكانت تستهدف المواطن العربي من خلال برامجها المختلفة سواء كانت المنوّعة منها أم الإخبارية. وكانت في ذلك الوقت تستقطب جمهوراً كبيراً لطبيعة البرامج التي كانت تقدّمها على الهواء مباشرة والحوار المباشر مع المستمع العربي فضلاً عن الأخبار السياسية التي كانت تقدّمها من أنحاء متفرّقة في العالم العربي حيث كانت تلعب لعبتها الإعلامية الخبيثة فيها فتثير البلبلة في هذه المنطقة أو تلك تحت شعار المصداقية والموضوعية وإيصال الخبر الموثق بسرعة، وهي أبعد ما تكون عن تلك الشعارات التي تتخذها واجهة لتسويق الأخبار والسياسة الخارجية للجهة التي تموّل تلك الإذاعة وإيصال الصورة الذهنية التي تريدها للمستمع العربي عن أي شيء يمكن أن يطرح عبر تلك الإذاعة، لأن المستمع العربي دوره في التلقي كان أكثر من التأكد وتحليل المعلومات التي يسمعها.
تلك الإذاعات التي كانت تبثّ من فرنسا وإنكلترا وأميركا كانت لها صولة وجولة قبل أن نعرف خدمة البثّ الفضائي التي همّشت تلك الإذاعات ولم يعد المواطن العربي يستمع لها إلا في ما ندر، وذلك لأن خدمة الصورة والبثّ المباشر للأحداث طغت على لغة الصوت. ومع ذلك، حاولت تلك البلدان أن تستقطب المشاهد العربي عبر بثّها التلفزيوني الفضائي الجديد تحت عناوين الديمقراطية والحوار الموضوعي وشفافية الآراء والأفكار. والحديث عن مدى نجاحها أو فشلها سأتركه للمستقبل لأنني لا أستطيع أن أجيب عليه في هذه المساحة.
للاطلاع: يحكى أن هيئة الإذاعة البريطانية أنشأت إذاعة موجّهة تبثّ باللغة العبرية إلى «الإسرائيليين» في كل دول العالم وفي الكيان الصهيوني، وحينذاك قامت الدنيا ولم تقعد بحجّة أن «الإسرائيليين» لا يريدون لأحد أن يتوجّه إليهم بأيّ خطاب لم يكونوا صانعيه. ولذلك، أوقفت هيئة الإذاعة البريطانية إرسالها الموّجه باللغة العبرية في عام 1968 وقدّمت أسباباً لذلك منها أن «الإسرائيليين» يرفضون الاستماع إلى الإذاعات الموجّهة لهم بالعبرية، وإذا أرادوا الاستماع لإذاعات أجنبية فإنهم يفضّلون تلك التي تتحدّث بلغة أجنبية. ذلك أن معظمهم ينتمون إلى أصول أوروبية ويجيدون تلك اللغات. وقد علّق مسؤول في هيئة الإذاعة البريطانية على وقف الإرسال بالعبرية بقوله: لا مصالح لبريطانيا في «إسرائيل» تستدعي أن يكون لها إذاعة موجهة بالعبرية.
ومن الواضح أن المصالح موجودة في المنطقة العربية ليس من قبل بريطانيا فحسب بل من دول أخرى نعرفها جميعاً، توجّه لنا بثّها اليومي وعلى مدار الساعة. ولكن من يتابعها؟ هنا يكمن السؤال.
كاتب وصحافي سوري