ما بين مصالح أردوغان ومصالح تركيا
د. هدى رزق
احتلت الأحداث العسكرية الدائرة في سورية مركز الصدارة في تصريحات الرئيس التركي رجب أردوغان الكثيرة، فهو احتلّ شاشات التلفزة التركية بعدما لوّحت أنقرة بإمكانية تدخل محتمل في سورية. صرّح وزير خارجيتها جاويش اوغلو بأنه لا بدّ لتركيا والمملكة العربية السعودية من إطلاق عملية عسكرية برية ضدّ «داعش» في سورية، والمقصود هو التدخل في سورية.
كان واضحاً أنّ الأمر شديد الحساسية، فأنقرة والرياض على خلاف مع الولايات المتحدة بشأن سورية، ولا يبدو أيّ من حلفاء تركيا الغربيين في وارد دعم العملية البرية. ففكرة الترويج لتدخل بري ولدت ميتة. ردّت الولايات المتحدة التي دعت حلفاءها سابقاً الى المشاركة في قتال «داعش»، بالقيام بقصف مواقع التنظيم بمشاركة السعودية والأردن.
احتدام الخلاف بين أردوغان والولايات المتحدة بعد تخييره لها بدعم تركيا أو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي تصنّفه أنقرة على لائحة الإرهاب، تماماً كحزب العمال الكردستاني، لكن واشنطن أكدت لأنقرة أنها ليست على الموجة نفسها معها، وهي ترى أنّ الحزب وجناحه العسكري وحدات الحماية الكردية شرعيان ويمثلان الأكراد في سورية وليست مستعدة للتخلي عن تحالفها العسكري معهما.
تخطى أردوغان اللغة الدبلوماسية في مخاطبة واشنطن ووجه انتقادات إلى نائب الرئيس الأميركي جو بايدن واتهمه بـ»عدم الصدق». فتركيا تصرّ على سياستها في سورية، ما يضاعف المشكلة، لا سيما بعدما بدأت بقصف مواقع وحدات حماية الشعب الكردية من أجل منعها من التقدّم لطرد المسلحين الموالين لأنقرة. يرتكب حزب العدالة والتنمية الخطأ تلو الآخر في محاولة لتغيير مسار الأحداث في سورية ما ينعكس سلباً على أوضاعها الداخلية.
لم يحتمل أردوغان وحزبه التغيّرات التي أحدثها التدخل الروسي الذي قصف قوافل النفط الداعشية المتوجهة الى تركيا، واتهامه بدعم المجموعات الإسلامية المتطرفة… والروس يدعمون كذلك قوات الحماية الكردية في سعيها إلى التقدّم نحو اعزاز بعدما دعموا الجيش السوري في تقدّمه في ريف اللاذقية. كسب الأكراد السوريون دعم الغرب في معركتهم ضدّ «داعش» فيما تركت تركيا معزولة. لم يكن الرهان على العلاقة الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية مفيداً بالنسبة لها، فالطائرات السعودية لا تستخدم ضدّ الوحدات الكردية أو الجيش السوري، بل ضدّ «داعش» كما أكد وزير خارجيتها وهي موجودة تحت قيادة التحالف.
لم تستمع القيادة التركية الى نصائح المحللين السياسيين في تركيا وتحذيرهم لها بعدم قصف الحدود السورية بشكل مباشر لأن هذا التدخل سيشعل الحرب مع العمال الكردستاني في الداخل… لكن تركيا ترى أنّ أيّ اتفاق أميركي روسي بشأن سورية يجب أن يلحظ مصالحها، ولا يمكن للقوى الدولية تجاهل أنقرة التي لها حدود تبلغ 910 كلم مع سورية.
في هذا السياق، أتى تفجير السيارة المفخخة في أنقرة، في منطقة تعتبر محمية ومراقبة أمنياً، إلى جانب قيادة القوات الجوية، وعلى بعد مئات مئات الأمتار من مقرّ رئاسة الأركان والبرلمان. أودى بحياة 28 ضحية منهم 20 جندياً و8 مواطنين و61 جريحاً.
وبالرغم من اتهام أردوغان وحدات الحماية الكردية وحزب العمال الكردستاني نفى الطرفان تورّطهما في التفجير، وفيما كانت الولايات المتحدة وروسيا وإيران والدول الغربية تعزي بالضحايا وتدين التفجير الإرهابي كان أردوغان يؤشر الى الفاعل ويتهم وحدات الحماية الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، فيما اتهم رئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو النظام السوري مستنداً الى تصريح ممثل سورية في الأمم المتحدة بشار الجعفري حول دعم الحكومة السورية لوحدات الحماية الكردية، وهدّد بالردّ والاستمرار بقصف أماكن وجودهم العسكري، فيما أكد أردوغان أنّ في حوزته أدلة ثابتة ودامغة حول تورّط حزب الاتحاد الديمقراطي.
لم يتأخر مسؤول حزب الاتحاد الديمقراطي في أوروبا باتهام الاستخبارات التركية بافتعال هذا التفجير من أجل إثارة مسألتين. الأولى من أجل دفع الجيش التركي لخوض حرب برية وتأييد سياسة أردوغان. أما المسألة الثانية فهي إقناع الغرب بإيقاف دعمه لحزب الاتحاد الديمقراطي ووضعه على لائحة الإرهاب ووقف تقدّمه في اعزاز.
ترى أنقرة أنّ لهذا التفجير انعكاسات على علاقتها مع حلفائها الغربيين، وهي استدعت دول الخمسة زائد واحد وسلّمتهم مذكرات وقرّرت إثارة موضوع التفجير في مجلس الأمن. تحاول القيادة التركية مراجعة علاقاتها مع حلفائها في ضوء ردودهم حول العلاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي. لا يقتنع أردوغان بأنه ليس جزءاً من لعبة الكبار، لا سيما أنّ الجيش التركي لا يريد التورّط في الحرب السورية، والمعارضة ترفض هذا الموضوع، وجميع استطلاعات الرأي تشير الى أنّ الشعب التركي لا يريد التورّط بنار الحرب السورية ويرى أنه على الحكومة حفظ الأمن الداخلي، الذي يجب أن يكون من أولوياتها، والعودة الى طاولة المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الكردية لأنّ مقاتلة الإرهاب لا تتمّ فقط بالاحتياطات الأمنية التي أثبتت عدم جدواها.
وفيما تقوم المعارضة التركية بمساءلة الحكومة حول حماية الأمن، فشل البرلمان التركي في اتخاذ موقف موحد من التفجير الانتحاري الذي تعرّضت له القافلة العسكرية في أنقرة بسبب الاعتراض على صياغة بيان يوحد الأحزاب الأربعة الممثلة. إلا أنّ البيان عاد وصدر، دان الإرهاب وأوصى بوجوب محاربته.
يعتقد المحللون الأتراك أنّ أردوغان يسعى الى إغراق تُركيا بسلسلة أزمات يجرى تحريكها كُلما أحسّ باهتزاز التوازن السياسي، تماماً كما فعل في الفترة الفاصلة بين الجولتين الانتخابيتين الأخيرتين.
يأتي التفجير في أنقرة ليصرف نظر الجمهور التركي عن خسارة الحكومة في اعزار وضرب التركمان ولجوئهم الى تركيا.
لا يحتمل أردوغان الخسارة العسكرية في سورية وهو يسعى الى تنبيه حليفه الغربي بضرورة احتساب مصالحه السياسية وأخذها بعين الاعتبار.