حدود التدخل التركي
حميدي العبدالله
تركيا كانت من أكثر المتضرّرين مما يجري في محافظة حلب الآن. وضرر تركيا لا يكمن فقط في خسارة رهاناتها منذ اندلاع الحرب على سورية، وسقوط أحلامها في إقامة مناطق آمنة، قد يجري اقتطاعها لاحقاً وضمّها إلى تركيا، بل يتركز في أمرين أساسيين، الأول قرب إقفال أهمّ البوابات لتعزيز وتكريس النفوذ التركي داخل سورية عبر جماعات مسلحة ولاؤها بالدرجة الأولى للحكومة التركية، فالجماعات المسلحة المرتبطة بتركيا على وشك الخروج بشكل كامل من ريف اللاذقية، وعند سقوط ناحية كنسبا، سيتمّ إغلاق بوابة ريف اللاذقية بشكل كامل. واليوم يمكن القول إنّ بوابات ريف حلب الشمالي المريحة لتركيا باتت مقفلة، فجزء من الحدود التركية – السورية ولا سيما في محافظة الرقة تسيطر عليها وحدات الحماية الشعبية الكردية، وهي قوة معادية لتركيا ولا تجسّد النفوذ التركي على أيّ نحو كان.
المقطع الآخر من الحدود- السورية التركية الممتدة من جرابلس باتجاه اعزاز تسيطر عليه «داعش»، معروف أنّ التعاون المكشوف والعلني بين «داعش» والحكومة التركية أضراره تفوق المكاسب التي يمكن تحقيقها منه، فضلاً عن أنه يضع الحكومة التركية في دائرة الاتهام بالتعاون مع الإرهاب وعدم جديتها في محاربة «داعش».
مقطع آخر من الحدود وهو اعزاز، لم يعد يفضي إلى باقي الريف الحلبي أو مدينة حلب بعد تحرير الجيش السوري للمنطقة الواقعة جنوب اعزاز وصولاً إلى نبّل والزهراء، وباتت البلدات والمدن الواقعة في شرقي نبّل والزهراء محاصرة من قبل الجيش السوري، ومن المستحيل وصول مساعدات تركية إليها عن طريق ريف حلب الشمالي، وطريق إمدادها الوحيد هو ريف إدلب الغربي الشمالي الذي يستهدف من طائرات التحالف الروسي السوري بشكل دائم. أما مقطع الحدود التركية – السورية في ناحية عفرين، حيث الغالبية الكردية، فهو لا يشكل أيّ حاضنة للنفوذ التركي، بل كان سكان هذه الناحية في صراع مسلح دائم مع المجموعات التي ترتبط بتركيا.
هذه الوقائع تؤكد أنّ تركيا فقدت بوابتين من ثلاث بوابات نشر نفوذها داخل سورية، أيّ بوابات ريف اللاذقية وريف حلب، ولم يبق لديها سوى بوابات ريف إدلب.
لكن من المعروف أنّ محافظة إدلب لا تشكل من الناحية الجغرافية ومن ناحية عدد السكان الأهمية التي تمثلها حلب وريفها، كما أنّ مسألة إقفال هذه البوابة هي مسألة وقت لا أكثر ولا أقلّ. إذ أنه ما إنْ يتمّ تطهير ريفي حلب واللاذقية بصورة كاملة من الجماعات المسلحة الإرهابية والمرتبطة بتركيا سيتمّ التفرّغ لمعالجة الوضع في محافظة إدلب، والأرجح أن تستهدف هذه المحافظة بهجوم من محاور ثلاثة، أيّ الجنوبي على محوري سهل الغاب والطريق الدولي الذي يربط حماه بحلب، وعبر ريف اللاذقية، ومن الجنوب والشمال عبر محور حلب سراقب، وريف حلب الغربي من نبّل والزهراء والطامورة.