«الهلال» المقاوم يصدّ المشروع الصهيونيّ ــ التكفيريّ

د.نسيب حطيط

حذّر الملك الأردني عبدالله الثاني عام 2004 من «إنشاء هلال شيعي يخلّ بالتوازن مع السنة، ويمتدّ من العراق إلى إيران وسورية ولبنان» وكان ينطق بوحي أميركي صهيوني واستخدم لفظتي «السني والشيعي» لإطلاق شرارة الفتنة المذهبية للقضاء على المقاومة ثأراً من انتصارها عام 2000 وتحرير أول أرض عربية بالسلاح من دون شروط أو مفاوضات.

بدأت الحرب الأميركية البديلة، فدبّروا اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعد ثلاثة أشهر من تصريح الملك الأردني، واتهموا سورية والمقاومة بالاغتيال لإشعال الداخل اللبناني وحصار المقاومة بالعنوان المذهبي، وانسحب الجيش السوري فأصبحت المقاومة وفق رأيهم معزولة ومستفردة وضعيفة، فتآمروا مع العرب وشنّت «إسرائيل» عدوانها في تموز 2006 للقضاء على المقاومة والبدء في تكسير الهلال المقاوم الذي وصفوه زوراً بالهلال الشيعي… وكانت المفاجأة أن انتصرت المقاومة وهُزم مشروع إسقاطها وأُجهض مشروع الشرق الأوسط الكبير المجزّأ والمقسّم.

بدأ الحريق العربي في عام 2011 تحت عنوان الديمقراطية «واسترجاع حقوق السنة» عبر الإسلام السياسي السني بذراعيه، «الإخوان المسلمين» والتكفيريين، ودبّت الفوضى في ليبيا وتونس ومصر، ووصلت إلى الهدف الأساسي، سورية المقاومة، قلب الهلال المقاوم، لإسقاطها بالعنوان المذهبي الكاذب، وجعلوها قبلة الجهاد المقدس لهم بدلاً من تحرير القدس التي اعترف التكفيريون في «داعش» التي صنعوها بأن قالت «لم يأمرنا الله بقتال إسرائيل»!

لقد أعلنوا وحدة الجبهات فكانت التفجيرات في لبنان وسورية والعراق، لكن صمود محور المقاومة الهلال المقاوم أفشل مشروعهم، وبعد أكثر من ثلاث سنوات بدأ الميدان يميل إلى مصلحة المقاومة فأسرعت أميركا إلى نقل «المارينز» التكفيريّ «داعش» لضرب الهلال المقاوم في العراق، فكانت غزوة الموصل وإعلان «الخلافة» لتسهيل إعلان دولة البارزاني الكردية لإرباك إيران واستدراجها إلى الميدان العراقي والغرق في حرب مذهبية تبدأ في العراق وتمتدّ إلى إيران وأفغانستان وباكستان لتتكامل مع الحريق العربي.

«الهلال المقاوم» لم ينفعل أو يرتبك وبدأ بالهجوم المضاد تحت عنوان «البدر المقاوم» بدلاً من الهلال، فتوحّدت الجبهة من إيران والعراق وسورية ولبنان ووصلت إلى فلسطين عبر فصائل المقاومة الشريفة غير المرتهنة لأموال الخليج أو فتاوى الإخوان وطموحات أردوغان، فقتل الجنود «الإسرائيليون» في الضفة الغربية وارتبكت «إسرائيل» وشنّت عدوانها على غزة للانتقام فخسرت وانهزمت في تكرار لحرب تموز 2006، وقبلت على نحو خادع وقف إطلاق النار الظالم للمقاومة والذي يحقق مصالحها، فرفضته المقاومة ولم تستسلم وصارت «إسرائيل» كلّها تحت مرمى الصواريخ وصدقت تهديدات المقاومة التي أطلقت من لبنان بأنّ العدو وعاصمته صارا تحت النار للمرّة الأولى في تاريخ الصراع العربي «الإسرائيلي»، وأنّ المقاومة في لبنان وفلسطين تستطيع تغطية «إسرائيل» بالصواريخ من جنوب لبنان ومن غزة والذي كان وهماً عند العدو صار حقيقة!

بدلاً من أن يكون العدو متفرّجاً و«قابلة قانونية» للدولة الكردية صار منشغلاً بتنظيف الملاجئ لطمأنة مستوطنيه وصارت «تل أبيب» مقابل غزة أو الضاحية وبدأ الهلال المقاوم بالتوسّع نحو فلسطين.

وقد استطاع المحور المقاوم تحقيق النتائج الآتية:

إفشال المشروع الأميركي – الصهيوني بإسقاط سورية، حجر الأساس في وحدة الأمّة وقلبها النابض وحلقة الوصل الأساسية للمحور المقاوم.

إسقاط مشروع «الإخوان المسلمين» الإسلام السياسي الإنكليزي الهادف إلى تدمير المنطقة والسلام مع «إسرائيل» من خلال توسيع اتفاقية كامب دايفيد التي التزم بها «الإخوان» عندما تسلّموا حكم مصر وأبلغوا «صديقهم العزيز» بيريز بذلك!

جاء التكفيريون ليقسّموا سورية إلى دويلات وطوائف، فكان صمود سورية وحلفائها كفيلاً بردّ الخنجر إلى صدر المهاجمين وتفتيتهم، إذ جاء التكفيريون موحّدين تحت راية «القاعدة» وبدأوا بالانهزام متفرّقين ومتحاربين يذبح بعضهم بعضاً، ويسبون نساء بعضهم بعضاً، ويكفّرون بعضهم بعضاً، وصرّح أحد قادتهم زهران علوش قائد «الجبهة الإسلامية» بأن قتال «داعش» أوْلى من قتال النظام وأنّ الشهيد ضدّ «داعش» بشهيدين!

كان للتكفيريين خليفة واحد وقائد واحد هو أيمن الظواهري فصار لهم حتى الآن ثلاثة أيمن الظواهري أبو بكر البغدادي أبو محمد الجولاني… و«الحبل ع الجرّار» لولادة «خلفاء» آخرين سقطوا ولم يسقط الأسد… انقسموا ولم تنقسم سورية.

صار محور المقاومة جبهة واحدة في معركة الدفاع عن الأمة وفلسطين، وأعلنت المقاومة وحدة الجبهات ووحدة المصير فعلاً وليس قولاً، صارت المقاومة جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

استطاع الهلال المقاوم بصموده تشجيع روسيا على الانضمام إليه ومواجهة أميركا وتعطيل نفوذها في مجلس الأمن وتشتيت التركيز الأميركي الأوروبي على سورية، فكانت حوادث أوكرانيا التي خسر فيها الأميركيون حتى الآن جزيرة القرم التي ربحها الروس وباتت الوقائع على أبواب أوروبا.

القلق الغربي من عودة التكفيريين إلى بلادهم التي أرسلوا منها وتهديد الأمن الأوروبي والأميركي الذي لن يطول استقراره وفي حين سيستعيد محور المقاومة عافيته وأمنه سيبدأ الغرب وبعض الخليج وتركيا دفع الأثمان من عبيدهم التكفيريين العائدين إليهم.

الهلال المقاوم يتوسّع الى بدر يكشف الحقيقة ويضيء ليل هذه الأمة المستباحة، ويعلن ولادته من صمود سورية وحلفائها، ونوجه التحية إلى سورية وإلى رئيسها المقاوم الذي استنكف الكثيرون من اللبنانيين الذين صنعتهم سورية وحمت أحزابهم وحرّرت مناطقهم، لكنّهم يرجمونها الآن وينكرون جميلها ويهنئون السيسي ولا يباركون للرئيس الأسد!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى