حماس تطرق الباب الإيراني… الوصول الإيجابي ولو جاء متأخراً
د. محمد بكر
حتى ولو جاءت زيارة وفد حركة حماس إلى إيران تلبيةً لدعوة الأخيرة لمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لانطلاقة الثورة الإسلامية، فأن تستمر الزيارة ثمانية أيام، وأن ترقى مخرجاتها وتصريحات لقيادات في الحركة إلى مستوى إعادة الثقة بين الطرفين وفتح صفحة جديدة والتعهّد بعدم ذهاب الحركة في أيّ اتجاه تقوده قوة عربية أو إقليمية، في إشارة إلى السعودية، وعدم العمل تحت جناح المحاور، وأن تسبق ذلك تصريحات للقيادي أسامة حمدان في مقابلة مع صحيفة «الوفاق» الإيرانية لجهة أنّ النقلة النوعية في أداء الحركة إنما يعود الفضل فيها للجمهورية الإسلامية الإيرانية، إضافة إلى إعلان الوفد عن تمهيد لزيارة مشعل إلى طهران قريباً، فإنّ ذلك يشي بالضرورة عن مراجعة حقيقية للسلوك السياسي الحمساوي خلال الفترة الماضية، والذي لم يثمر حسب المأمول، وجاءت فيه كلّ التعويلات والحسابات في الإطار الخاطئ وبعكس المرتجى، بل وصفّرت «السلة» الحمساوية لخلوها من البيض والحصاد الفاعل، بعد القرار بمغادرة المحور الايراني – السوري على خلفية الحرب السورية، والمكوث لسنوات في الحضن القطري، والزيارات المتعاقبة إلى الرياض وأنقرة، أدركت فيها الحركة ربما سوء تقديراتها فقرّرت فرملة مسارها، وتغيير الوجهة.
وهنا نقول: إنّ الحراك السياسي الحمساوي باتجاه الميادين الخليجية، وإنْ كانت مهمة في ما يتعلق بالشأن الاقتصادي، إلا أنها لن تكون ذات مفاعيل مؤثرة في ما يتعلق بالبعد العسكري والمواجهة مع الاحتلال، ففي الميزان اللوجستي يجب أن تدرك حماس وهذا ما بدأ يتبدّى جلياً الحضور الوازن والثقل النوعي الذي تتمتع به طهران في معادلة الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، إذ دللت مفرزات الميدان في الحرب «الإسرائيلية» الأخيرة على قطاع غزة بما لا يدع للشك مطرحاً مدى الدعم اللوجستي الذي قدّمته الجمهورية الإسلامية للمقاومة الفلسطينية في غزة، فكانت صواريخ فجر الإيرانية حاضرة بقوة في تلافيف ويوميات المعركة، والسلاح النوعي الذي دكّ تل الربيع تل أبيب وفق التسمية الإسرائيلية غير مرة، إضافة إلى ذلك فإنه وبالرغم من «الأخطاء والعثرات» والأداء السلبي الذي طفح به الدور الحمساوي في مسلسل الحرب السورية بشكل غير مبرّر اصطفت فيه الحركة علناً الى جانب المعارضة السورية، ولوّح رئيس مكتبها السياسي بكلّ ثقة بعَلَم «الثورة»، إضافة إلى ما عوّلت عليه الحركة من لعب دورٍ بطولي عندما استجلبت «الثورات» العربية «الإخوان المسلمين» إلى سدة الحكم في مصر، والذي سرعان ما خذلت مآلات سقوط «الإخوان» الرغبات والأمنيات الحمساوية، لتغدو الحركة بين ليلةٍ وضحاها خارج اللعبة السياسية، وذات دور هامشي على الساحة الإقليمية…
برغم كلّ ذلك، استمرّت إيران في تمسكها بموقفها الداعم للقضية الفلسطينية، إذ أكد المسؤولون الإيرانيون وفي مقدّمهم مرشد الثورة السيد علي خامنئي، أنّ سياسة بلاده لن تتغيّر بعد توقيع الاتفاق النووي، وستبقى داعمة للشعب الفلسطيني، لا بل ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير في رسمه لاستراتيجيات جديدة في المواجهة مع الكيان الصهيوني وما تؤمّنه من تأثير فاعل وإيلام مزدوج قادر على توجيه صفعات عظيمة الأثر للعدو «الإسرائيلي»، عندما دعا إلى ضرورة تسليح الضفة الغربية، والتي نتمنّى أن لا يطول تحقيقها.
في اعتقادنا أنّ جديد الخطوة الحمساوية، هي في المسلك الصحيح، وهي تحوّل إيجابي، وإنّ التعويل الحمساوي على قطر والسعودية لتحقيق إنجازات فلسطينية تخدم القضية إنما يندرج في إطار الحسابات الخاطئة، وإنّ الاعتقاد ولو للحظة واحدة بأنّ طريق القدس من الدوحة أو الرياض إنما سيزيد المسارات السياسية الخاطئة، ويؤجّج المأزق السياسي للحركة التي باتت في وضع «مترهّل» لا تحسد عليه على الإطلاق، فاستمرارها بذات الأسلوب والعقلية السياسية البعيدة في منهجها عن الحكمة واستثمار الفرص الحقيقية وتلقف العروض الفاعلة سيحشرها في زوايا أكثر ضيقاً. كذلك الحال في ما يتعلق بعقد أي آمال على الجانب التركي، فكلّ الكلام المعسول الذي يتكاثر مراراً على اللسان التركي لجهة المناصرة لقضية فلسطين إنما هو كلامٌ لن يغادر الأفواه، وبمنزلة «كلام الليل الذي يمحوه النهار»، ولعلّ المشهد التركي الذي يبدو فيه أردوغان عائداً بقوة إلى التطبيع مع «إسرائيل» يمثل خير دليل على ما نعتقد به، وكذلك مباركة موشي يعالون خلال المصافحة التاريخية مع تركي الفيصل لـ«التحالف السني» الذي تقوده السعودية، والذي لن تكون وجهته أرض فلسطين على الإطلاق، يمثل ذات المدلول.
لا نعلم إنْ كانت الخطوة الحمساوية الجديدة قد طفت على السطح تحت تأثير دافعة الجناح العسكري للحركة الذي يتزعّمه محمد الضيف، والذي لم يغادر في بياناته وسلوكه مسار «محور الممانعة والمقاومة»، لكن الذي نعلمه أنّ طرق الأبواب الإيرانية التي لم تكن مغلقة أمام الحركة، هي عملية وصول إيجابي وإنْ جاءت متأخرة ولا سيما بعد «نفض اليد» ربما ممن كانت تظنّهم الحركة داعمين لها وحلفاء حقيقيين، وسيشكل هذا الوصول اللبنة المهمّة لإعادة بناء الحركة بشكل متماسك، يعيد لها الحضور الوازن، لجهة مواجهة سيل من التحدّيات، وبما يخدم أولاً وأخيراً المصلحة الوطنية الفلسطينية التي يجب أن تتقدّم على أية اعتبارات أخرى.
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83 gmail.com