التصعيد بدأ…

روزانا رمّال

ناقش وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف في اتصال هاتفي شروط وقف إطلاق النار المفترض بين النظام السوري والمعارضة المسلحة، وبعد زيارته للأردن قال كيري: «نحن أقرب إلى وقف إطلاق النار في سورية من أيّ وقت مضى، وأعتقد أننا توصّلنا إلى اتفاق مشروط من حيث المبدأ على وقف القتال في سورية».

يؤكد كيري أنّ الرئيسين الروسي والأميركي بوتين وأوباما سيضعان اللمسات الأخيرة على اتفاق الهدنة في سورية قريباً، بينما الرئيس السوري بشار الأسد يعبّر لصحيفة اسبانية عن استعداد حكومته لوقف إطلاق النار بشرط عدم استغلاله من قبل الإرهابيين أيّ عدم استغلاله لتحسين أوضاعهم. وهنا تبدو الولايات المتحدة اعترفت بحجم حضور روسيا في الميدان السوري وإعلان سيطرتها على المشهد بوقت قياسي.

لا تشكل الرغبة الأميركية في وقف إطلاق النار اليوم إلا رغبة بتهدئة الماكينة الروسية التي أنجزت أكثر مما كان متوقعاً في الفترة الزمنية التي رافقت حضورها، في ظلّ تعنّت الدول المعنية على الأرض والتي لم تتراجع على حدّ سواء، أكانت السعودية ومجموعاتها المسلحة في الوسط وريف دمشق أو تركيا ومجموعاتها في الشمال.

تتحرك المجموعات الانتحارية في حمص وريف دمشق على هذا الأساس الذي يوحي بأنّ الاعتراف بأيّ انكسار تفرضه واشنطن على الجماعات المسلحة غير وارد، وأن أي حديث في هذا الإطار لا يعني إعلان المجموعات استسلامها. تحاول الجهات الداعمة للإرهاب نثر الغبار على كل ما يوحي بالاستسلام أمام الرغبة الروسية الأميركية، إذا صحّ التعبير، في عقد اتفاقية هدنة مع النظام، تعترف بطريقة او بأخرى بسطوته على الأرض، فكانت رسائل السعودية وتركيا مزدوجة تؤكد حضوراً استخبارياً وازناً في منطقتي ريف دمشق وحمص في نهار دامٍ أمس حصد 130 شهيداً مدنياً وأكثر من 170 جريحاً بعد تفجيرات أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عنها.

التصعيد بدأ! على أنقاض الاعتراف التدريجي بالتفوّق السياسي والأمني الروسي وعلى مرأى من العين الأميركية، وبهذا الإطار تتصاعد مخاطر حرف الأنظار عن التطورات المتسارعة في سورية واعتبار البحث عن ساحات بديلة ضرورة قصوى، خصوصاً بالنسبة للمملكة السعودية التي تتعاطى مع الأزمتين السورية واليمنية ضمن نظرية عدم التراجع والتعنّت الملحوظ الذي أدّى إلى تعطيل مجمل الملفات التي تعني الرياض في وقت واحد وإلى أجل غير مسمّى وهنا يشكل لبنان وفق هذه الحسابات ساحة مناسبة لحرف الأنظار وتسعير المشهد الممدّد لأزماته سلفاً ليضيف نقطة توازن مع التراجعات في سورية، وإذا كان الملف اللبناني قد تأجل حتى لحظة محرجة من هذا النوع، فهذا يعني أنّ هذا الوقت قد حان موعد استثماره.

التصعيد السياسي السعودي تجاه لبنان تجسّد بأوراق عديدة منها عودة الرئيس سعد الحريري المدروسة إلى لبنان والجدل الذي فرضتها مواقف عودته بخصوص حزب الله والرئاسة اللبنانية، والتحدّي الذي بدا على مواقفه وتصريحاته خلال جولاته على المسؤولين اللبنانيين وبعض القيادات راخياً أجواء من التعنّت والتمسك بمواقفه غير القابلة للتغيير، خصوصاً حول الملف الرئاسي، ومن جهة أخرى تأتي خطوة إلغاء القرار السعودي بتقديم هبة عسكرية للجيش اللبناني والقوى الأمنية لتحمل أكثر من بُعد وحساب بالمنظار السعودي المباشر وغير المباشر، ضمن هذا الحساب أيضاً وضمن الاستثمار المناسب للتوقيت فاتهام حزب الله وحلفائه بوقوفهم وراء وصول البلاد إلى هذه المرحلة الخطيرة من العلاقات بين البلدين يشي بمخطّط سعودي مدروس في خلق أجواء ساخنة من الجدالات والخلافات التي تشكل أرضية جاذبة للفوضى.

أمنياً، يُعتبر قرار السعودية حجب المساعدات عن الجيش اللبناني تحديداً الذي كانت تستثنيه من الحسابات الضيقة والمسائل الخلافية في هذا الظرف الحساس موقفاً دقيقاً للغاية، فالجيش اللبناني يواجه في أعالي جرود البلاد أخطر الثغرات الأمنية التي فرضت عليه توقع هجوم إرهابي على عرسال البلد وجرودها، وربما أكثر من قرية مجاورة في أي لحظة، وبالتالي فإن منع وصول الأسلحة المطلوبة للجيش على خلفية اتهام حزب الله بذلك، يعني ترك الجيش أعزل أمام أيّ هجوم مفترَضٍ، ويعني أيضاً اللعب على وتيرة العلاقة الذهبية بين الجيش والمقاومة التي حققت أكثر من إنجاز وطني مشترك.

الرغبة السعودية بترك حزب الله يواجه أيّ هجوم تكفيري في تلك المنطقة يعني ترك الاشتباك الطائفي بين أهالي عرسال والجوار وبين حزب الله وحاضنته أمراً شديد الحضور، خصوصاً إذا لم يستطع الجيش اللبناني الاكتفاء بما يملك من عتاد وهو الذي استعان بسورية في معارك نهر البارد عام 2007 من أجل استهداف أوكار الإرهابيين، واليوم لا تشير التقديرات إلى أنّ الجيش اللبناني قادر على دك مواقع محصّنة لميليشيات محترفة من هذا النوع.

تجهد السعودية لخلق شرخ واضح بين قيادة المقاومة وقيادة الجيش اللبناني من جهة، وتعمل على تسعير الموقف السياسي من جهة أخرى في البلاد، في موقف أكد دخول لبنان ربع الساعة الأخير لمفاوضات سورية الكبرى واستخدام الفوضى فيه ورقة حساسة كساحة بديلة عن الفشل والتراجع السعودي التركي الملحوظين في الشمال السوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى