على طريقة تلقف إيران أزمتها مع السعودية: حزب الله يُحبِط المخطط

روزانا رمّال

لفت قرار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المسبق في عدم التطرق إلى ملف عودة الرئيس سعد الحريري، ولا الغمز من قناتها في معرض خطابه بمناسبة إحياء ذكرى شهداء المقاومة القادة، نظر الذين عملوا على جعل عودة الحريري ملفاً صدامياً مخصّصاً لمواجهة حزب الله في مرحلة مناسبة من هذا النوع، أرسل السيد نصرالله بتخطيه الحديث عن الحريري رسالة تؤكد أمرين أساسيّين: الأول «إعطاء زعيم المستقبل الوقت الكافي لتقديم صورته التي عاد فيها وبدا صدامياً بعض الشيء في كلامه، والثاني «تأكيد السيد نصرالله على يقينه بأسباب عودة الحريري وما وراءها ففضّل الانتظار للردّ المناسب بعد تبلور المشهد».

يدرك الرئيس الحريري أنّ تجاهل السيد نصرالله للحديث عن عودته في لحظة اعتبرت «الحدث»، وفي وقت يرتبط تياره مع حزب الله بجلسات حوار هو موقف بحدّ ذاته يعبّر عن انزعاج السيد من صورة او إخراج هذه العودة بعد مواقف الحريري في إحياء ذكرى اغتيال والده، والتي كشفت العنوان العريض للعودة وهي استفزاز حزب الله واستكمال الهجوم عليه بأيادٍ لبنانية.

يدرك حزب الله أنّ هذا الهجوم لم ولن يتوقف، لكنه يدرك أيضاً أنّ التصدّي له هو هدف دائم، وأنّ تلقفه بالقدر المعقول ضرورة كبرى، فكيف إذا كان يهدّد السلم الأهلي في البلاد حيث تتغيّر كلّ الحسابات بحسب أولويات الحزب؟

بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء المخصّصة للخروج بموقف من قضية قرار السعودية وقف مساعداتها العسكرية للجيش اللبناني، وإعادة النظر بعلاقاتها مع لبنان خرج وزير الخارجية جبران باسيل مذكّراً بما كان قد صدر عنه وبعدم خروج لبنان عن الإجماع العربي، ولا عن نياته في ذلك، لكنه أكد في الوقت عينه أنّ هناك ما هو أهمّ من انضمام لبنان إلى قرار جماعي عربي، وهو المصلحة اللبنانية الداخلية والاستقرار الوطني.

تشكل عبارة المصلحة أو « لمصلحة اللبنانية» وحدها استفزازاً للمملكة التي تعاطت مع موقف مستجدّ من لبنان الذي كانت تعتبره تحصيلاً حاصلاً ومضموناً في سلتها، لتكتشف اليوم أنّ الأمر لم يعد كذلك، وقد اختبرت ذلك في أكثر من مناسبة، واستدركت المخاطر، فموضوع الهبة ليس إلا عنواناً يحمي ماء الوجه الذي تلقّت فيه الوضع الجديد، فالمملكة كانت بحاجة قبل أيّ شيء إلى استنهاض قوى الرابع عشر من آذار التي شهدت انقساماً حاداً في الآونة الأخيرة، حتى خرجت شخصيات بارزة منها عن الطاعة السعودية، او خففت من حدّة الانغماس المطلق في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

يعتبر سلوك حزب القوات اللبنانية وتوجّهه لدعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، بعد وضع فيتو سعودي عليه، أبرز معالم هذا الانسحاب التدريجي، خصوصاً بعدما توضح أنّ مبادرة جعجع مدعومة قطرياً، وقد بوركت من قبل وزارة الخارجية السعودية، ما حدا بجعجع إلى تأكيد حضوره في خطاب «بيال»، ومن ثم الهجوم على حزب الله والتذكير بفضل المملكة على لبنان في محاولة لاستدراك الأمر، لكن كلّ ذلك لا يعني أنّ التحدّي في لحظة من اللحظات لم يكن محرّماً عند القوات، فدعمت ترشيح من ترفع السعودية الفيتو في وجهه.

جعجع ليس وحده، فقد تبعثرت القوى أكثر من مرة، وتواترت التصريحات وانقسم المستقبل على نفسه، بين فريق سعودي وآخر قطري أكثر من مرة، وبالصورة العامة لم تعد تلك الكتلة الوازنة 14 آذار ورقة سعودية كبرى كما كانت، فجاء قرار القطيعة كضرورة لاستنهاض القوى ودق ناقوس الخطر.

لم تستطع المملكة حلّ قضية ملفّ الكبتاغون الذي اتهم فيه أحد أمرائها في لبنان، وقد اشتبكت أكثر من مرة إعلامياً وسياسياً مع هذا البلد بشكل لافت للنظر، واضطر الحريري أكثر من مرة للتغريد من مقرّ إقامته مذكراً بضرورة احترام المملكة واستذكار أفضالها.

وعملاً بكسر المعضلة وتزخيم المشهد وإضافة ثقل على القرار، وكثيراً من الجدية، تلا رئيس مجلس الوزراء تمام سلام بنفسه بيان الحكومة، معلناً التزام الوزراء بالإجماع العربي، وهنا لا بدّ من موقف لوزراء حزب الله وحركة أمل في هذا الإطار، وهم وافقوا على البيان.

القطبة المخفية في هذا الإخراج، حسب مصادر متابعة تتمثل بالرئيس نبيه بري الذي حرص على ضرورة الخروج بمثل هذا الموقف من المملكة، وهو دائم الحرص على العلاقة الجيدة معها، وفي هذا الإطار يعتبر الرئيس بري ضمانة الحوار الباقي بين حزب الله و«المستقبل»، ويتابع المصدر «لقد عبّر بري عن عدم ممانعته في توجه وفد إلى المملكة، إذا كان ذلك ضرورياً».

ومباشرة فور وصول بري إلى بلجيكا للمشاركة باجتماعات البرلمان الأوروبي، تابع نتائج الاتصالات التي جرت بينه وبين رئيس الحكومة تمام سلام، والتي تمّت أيضاً من خلال معاونه الوزير علي حسن خليل الذي أطلعه على نص البيان النهائي لمجلس الوزراء.

التنسيق الواضح بين بري وقيادة حزب الله أمر بديهيّ بالملفات الداخلية، فكيف بملف دقيق من هذا النوع، وإذا كان ذلك بديهياً بالنسبة إلى الحليفين، فإنّ رسالة تناغم تطفو من حلفاء إيران المنسجمين مع سياستها في تلقف الأزمة مع السعودية بعد حادثة إحراق قنصليتها، واعتذار إيران وعدم تصعيدها حيال إعدام الشيخ نمر النمر من أجل كبح جماح التصعيد السعودي، وإفشالها مخطط التحريض.

ها هو حزب الله يفسد المخطط السعودي على طريقته هو الآخر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى