«حق وخير وجمال» تنثر نبض الحبر في ندوة تكريمية للشاعر القومي خالد زهر

عبير حمدان

يكفي أن يتلو الشاعر صلاته كي يشرّع التاريخ أبواب الريح القادرة على اقتلاع الطفيليات التي تسعى إلى قتل روح اللغة.

وحدها القصيدة المُعمّدة بكحل العيون، المسكونة بالقلق على مصير الوطن، تخترق الوجدان وتحفر عميقاً في ذاكرة الأيام. هي حبر الأمس ووجع الناس، صبرهم وثورتهم، حكايات الصمود والإيمان بأحقية الوجود بعيداً عن سطوة الأنظمة المهترئة والمرتهنة. هي تلك القرى التي تضجّ بالأهازيج والمواويل وتشرق من نافذة ابن السنوات السبع الذي حفظ الأسماء كلّها، وتابع المسير على حافة الأبجدية يرسم توق القابض على زناد المواجهة لانتزاع القيد، والعبور إلى فلسطين.

حين تتلقّف نبض الحبر الذي طوّعه الشاعر خالد زهر، تشعر أنك لم تبلغ مرتبة المبتدئ في رصف الكلام على بياض الأوراق. ينقصك الكثير كي تدرك عمق المعنى الذي يسكن التفاصيل. هو الذي رحل منذ عشر سنوات إلى مكان أفضل يطالعنا بين قصاصات الزمن والحياة بكلمة تشبه تمّوز ليثبت أن الحرف فعل وجود…

طفل عُمرو… سِت سَبع حجَار

وَحدو وِقِف عَ مّفرق الدرب… البعيد

مخبّا ورا… جورا

حَفَرها… العار

مِنشان يِتصَيّد… شي دَبّابة حَديد

يا هَل تُرى الأطفال… ناس زغار؟

يمّا الأخطاء

أكبرَ مِن الجيل… الجديد.

كتب بلاده حلماً وغفا حيث أشرق النصر، لعلّه أدرك أن الكلمة المقترنة بالفعل تحصد الأمل بنهضة حقيقية من دون خوف من سيف الجهل المقيم في العقول، ولعلّ الأجيال القادمة ترتكب فعل القراءة كي لا تسقط التسميات الافتراضية سهواً وتصبح فلسطين قصة خيالية يخشاها الأطفال.

فلسطين إنتِ المجد… عَ جفن الألم

إنتِ… عَ صدر بلادنا… خصم وحَكم

يا عرب وين المناقب والشيم

وين وقفات البطولة والكرم

يا ذابحين الناس في أرض الحرم

يا كلاب أميركا يا لطخات الوَصَم

أبطال لَمّا عالعراق بتهجموا

وقدّام «إسرائيل»… بتصيروا غنم!

خالد زهر الشاعر الذي تنفس الوطن بلا حدود، وألغى بقصائده بدعة الحدود المستوردة، استطاع أن يحلّق في أمسية شتوية دافئة بين من حضروا للاحتفاء به ويمنحهم جزءاً من التاريخ المقيم بين التبر والحبر.

الاحتفال بمناسبة عشر سنوات على رحيل الشاعر الكبير خالد زهر دعت إليه جمعية «حق وخير وجمال»، وأقيم في «دار الندوة» ـ الحمرا، بحضور كريمة الزعيم أنطون سعاده أليسار، وحشد من الوجوه الثقافية والأدبية والفكرية والحزبية.

الاحتفال الذي قدّم له الكاتب سليمان بختي، ألقيت فيه كلمات لكل من ريان الشيخ، الدكتور منير مهنا، الإعلامي غسان الشامي. وأشادت بالراحل وبما تركه لنا من إرث شعريّ مميّز، فيما ألقى الشاعر عماد زهر باقة من قصائد الراحل.

فياض… شاعر الصدق

يرى رئيس الندوة الثقافية في الحزب السوري القومي الاجتماعي الدكتور زهير فياض، أن الكلمة تبقى حاضرة مهما أحاط بنا السواد. ويقول عن الشاعر: «الشاعر الفقيد القومي الاجتماعي خالد زهر غنيّ عن التعريف، هو علم من أعلام هذه النهضة القومية الاجتماعية، وهو شاعر ملهم ومبدع وشاعر الالتزام القومي الاجتماعي، شاعر الصدق والالتزام بنبض الأمة، وكل ما كتبه يشّد العصب القومي ويؤكد على أهمية الانتماء إلى هذه الأمة. والأهم، تلك النظرة التفاؤلية التي كانت موجودة في شعر خالد زهر. هو كان مؤمناً بالانتصار وترجمه في أشعاره كلّها».

أما عن مدى تأثير الكلمة في الأجيال فيقول فياض: «الكلمة تبقى دوماً ذات تأثير، وموجودة، والدليل أنها تخترق وجدان الناس رغم الفوضى والضجيج اللذين يحيطان بنا، وكل متنوّر مسؤول عن بناء الإنسان الجديد كما يجب، كل من يحمل لواء النهضة مسؤول وعليه أن يسعى للوصول إلى عقل هذا الجيل ووجدانه بالشكل الصحيح كي يرشده إلى الحقيقة. إضافة إلى دور الإعلام الملتزم في تصويب الهوية وإعادة بناء الأولويات التي تبدأ من فلسطين كقضية أساسية لا يمكن فصلها عن مستقبل الأمة من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية».

ويضيف في إطار متّصل: «هناك مشكلة في مفهوم الانتماء والهوية في بلادنا، وبرأيي، إذا قدّمنا القصائد والنصوص الوطنية للأجيال الشابة كما يجب، كلّنا ثقة أنها ستقرأها على أرض فلسطين».

مرهج … الكلمة هي الأساس

ويرى الوزير السابق بشارة مرهج أن الكلمة هي طريق الإيمان وعن ذلك يقول: «لا بديل عن الكلمة، وهي الطريق الوحيد للوصول إلى برّ الأمان. والدليل ما سمعناه اليوم عن الشاعر خالد زهر ومن نصوصه وقصائده. الشعر الحقيقي لا زمن له ولا تاريخ، بل هو يعبّر عن الروح الإنسانية وعن تحوّلات الوجود. ولذلك هو دائم شعرٌ حاضرٌ وشعرٌ حيٌ فينا وفي المجتمع».

وعن نظرة الأنظمة إلى الشعراء الوطنيين يقول: «الأنظمة العربية لا علاقة لها بالشعر والفن والجمال. وبالكاد هي تقوم بواجباتها المادية أو بالأحرى هي لا تقوم بشيء. لذلك سقطت جميعها وستوغل أكثر في سقوطها… فيما يسمو الفكر وأهله بالكلمة والقصيدة».

الأمين: القلم كما السيف

تعتبر رئيسة ديوان أهل القلم الدكتورة سلوى خليل الأمين أن القلم كما السيف فتقول: «في كل الظروف، وعبر كلّ الظروف، الكلمة بقيت هي السلاح الأمضى. وأنا أقول دائماً إن القلم كما السيف، كلاهما في حومة الميدان فارس. من يقول إن الكلمة تذوي واهم ومخطئ، انظري إلى هذا الكمّ من الحضور اليوم، وما نلاحظه اليوم في بيروت هو تصاعد اهتمام الناس بالنشاطات الثقافية التي تُقام، وهذا دليل صارخ على مدى الأذى الذي لحق بالناس من جرّاء ما يجري في البلد بسبب السياسيين، لذلك لجأوا إلى الفكر والكلمة، لأن الكلمة تبقى الحقيقة الوحيدة».

لكن هل الأجيال الجديدة تدرك مكامن الحروف، تجيب الأمين: «يجب ألا نلوم الأجيال الجديدة، مَن تلاعب بفلسطين وتآمر عليها هو الذي نسي وجودها وأغفل قضيتها. أما الجيل الشاب فيدرك أهمية المطالبة بحقه وحق الشعوب المظلومة وأولادي خير دليل، هم وكلّ رفاقهم يحملون راية فلسطين في توجهاتهم وفكرهم لذلك أثق أن فلسطين ستكون بخير، والدليل أن كل الناس مع المقاومة في مواجهة آبار النفط… لكن التاريخ سيتكلم، ومن لا يعرف التاريخ لا يمكنه أن يعرف الحقيقة، ومحال أن يكون لديه مستقبل».

زهر: الفكر يقترن بالعمل

يعلن الشاعر عماد زهر عن أسفه في ما يتصل بقدرة الكلمة على التغيير، إذ إنّ الفكر وحده لا يكفي لقلب الموازين. ويقول: «تكريم الشاعر خالد زهر ضرورة أتت في وقتها المناسب. ولكن إمكانية الوصول إلى الهدف المنشود صعبة. للأسف علينا أن نبذل جهوداً جبارة، وتفصلنا مسافة طويلة عن الهدف. إذ إنّ الفكر وحده لا يكفي… أنطون سعاده فكر اقترن بنهج ،ولكن لم يتسنّ له العمل لتحقيق الهدف».

ويحمّل زهر اليهود مسؤولية ما نعيشه في لبنان والعالم العربي فيقول: «حين تقولين في مجتمعاتنا إن اليهود هم أصل البلاء قد يضحك منك كثيرون، ولكنني أرى أنهم وراء كل ما نعيشه من ويلات حتى في موضوع النفايات المتراكمة في شوارعنا بسبب النظام الطائفي الذي ساهم اليهود في تكريسه وانبثقت منه كلّ هذه القمامة، وما نراه في سورية، هم السبب المباشر فيه، هم علّة العلل».

نعود إلى خالد المؤمن بالنصر ليقول شقيقه عنه: «كنت أسأل خالد دوماً إن كان يأمل يوماً برؤية فعل التحرير فكان يجيب: لا، ولكن لا قيمة لحياتي إن استيقظت صباحاً ولم أصرف يومي في محاربة اليهود بالكلمة أو بأيّ أمر آخر. عام 2000 كان خالد جزءاً مما يحصل، ولكن في 2006 كان على فراش الموت وقال لي: اليوم انقلبت الموازين، وصار هناك قوة ردع في وجه اليهود، بدأت الساعة تدور بالعكس. وكان سعيداً إلى أبعد الحدود. وأتمنى أن نكّرم خالد على أرض فلسطين علّ الحلم الذي روادني يوماً يتحقق، وتتّحد سوريا ونقرأ قصائد خالد في قلب فلسطين».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى