حفل قَسَم أشبه بلقاء عائليّ
الياس عشّي
لم يكن خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد أكثر من وثيقة لما يقوله السوريون ويتداولونه في ما بينهم ويكتبونه في يومياتهم ويخربشونه على جدران مدنهم وعلى دفاتر أطفالهم ويتغرغرون به كلّ صباح وكلّ مساء. ولأنّه ذلك كلّه، كان الحضور مقتصراً على السوريين، وكان الحفل أشبه بلقاء عائلي يتمّ بين أب وأبنائه.
على سبيل المثال، ألم يترجم السيّد الرئيس بصدق وأمانة مشاعر السوريين الغاضبين وهم يرون العالم يبتلع أكذوبة «الربيع العربي» فيما الحرائق تلتهم مدنهم وزرعهم وضرعهم وأطفالهم ومعالم حضارتهم؟ بلى، فعل ذلك عندما قال: «لو كان الربيع العربيّ حقيقيّاً لانطلق من دول التخلف العربي التي كانت وراء كل نكبة أصابت هذه الأمّة، ووراء انحرافها الفكري والديني، وانحدارها الأخلاقي».
شعرت وأنا أستمع إلى هذا التوصيف كأنّ الرئيس الأسد يتساءل مثل جميع السوريين: أيّ «ربيع عربيّ» يتحدّثون عنه وقد ترنّح وسقط ولفظ أنفاسه غير مأسوف عليه؟ «الربيع العربي» الحقيقي يصنع اليوم في غزّة، ولولا إصرار محور المقاومة على مواجهة الإرهاب لما تكرّر مشهد «الإسرائيليين» المذعورين من صواريخ المقاومة.
السوريّون وهم يعيشون هموم الحرب اليومية لم يساوموا. قالوا الأشياء مثلما تقال. والرئيس الأسد في خطاب القسم لم يساوم . سمّى الأشياء بأسمائها . الخيانة هي في المساومة على الأرض، والاتصال بالعدو، وهذا ما فعله «المعارضون». الأعداء هم الذين أرسلوا السلاح والمقاتلين والمال، وبالأسماء: أميركا، فرنسا، إنكلترا، السعودية، أردوغان. الإرهابيون الذين جاؤوا من الرياح الأربع ينفذون المخطط الصهيوني القائم على تفتيت العالم العربي وإعلاء شأن «إسرائيل» الكبرى. والله ما اجتمع اثنان في سورية إلاّ وكان ذلك محور حديثهما.
وعندما التفت السيّد الرئيس إلى البيت الداخلي شعرت بأنّ ثمّة هاجساً مشتركاً يجمع الرئيس بمواطنيه، إنّه هاجس الفساد الذي كان أحد الأسباب الرئيسة للأزمة السورية. وبكثير من الشفافية حمّل مسؤوليته المشرفين على التربية بدءاً من التنشئة البيتية، مروراً بالمدارس ومناهجها، وانتهاءً بالإدارات الرسمية.
قال الرئيس الأسد الكثير ممّا كان يجب أن يقال. لم ينسَ الشهداء وقد صاروا هم الذاكرة والعلامة الفارقة في مستقبل سورية.
قال… وقال… ولعلّ أخطر ما قال في معرض حديثه عن الفساد أنّه ساوى بين الإرهابيين وتجار الحرب. إنهما ، في رأيه ، وجهان لعملة واحدة.